- ممدوح الولي: الولايات المتحدة تضع عينيها على النفط السوداني

- د. هويدا عبد العظيم: الجنوب لن يستطيع الاستغناء عن الشمال

- فاروق العشري: أمريكا والصهاينة يسيطران على خيرات الجنوب

 

تحقيق: يارا نجاتي

"700 ألف كيلومتر مربع".. تلك هي المساحة الكلية لجنوب السودان؛ أي ما يعادل نسبة 28% من إجمالي دولة السودان البالغ مساحتها 2.5 مليون كيلومتر مربع تقريبًا.. هذه المساحة تتمتع بالكثير من الموارد والثروات الاقتصادية التي تجعله مطمعًا لدول كثيرة، في السيطرة عليه اقتصاديًّا، وبالتالي تنال التحكم السياسي في قرارات جنوب السودان.

 

والبترول أكبر الموارد في الجنوب؛ حيث ينتج السودان حاليًّا نحو 470 ألف برميل يوميًّا من النفط يأتي معظمها من الجنوب، وتأمل أن يصل الإنتاج إلى ستمائة ألف برميل يوميًّا هذا العام، وتُشكِّل عائدات النفط أكثر من 90% من إيرادات السودان، يأتي قرابة الـ80% من الإنتاج من الجنوب وحده، ولا يزال هناك احتياطات بترولية ضخمة لم يتم استخراجها، كالمربع رقم ثلاثة بمنطقتي فلج وعدال، ومربع سبعة بأعالي النيل؛ حيث توجد احتياطات بحوالي 9 مليارات برميل في فلج وعدال فقط، وتوجد مناطق كاملة تابعة لشركة شل في ولاية (جونغلي) لم يتم استغلالها بعد.

 

30% من مساحة الجنوب أراضٍ زراعية، لم يُستغل منها سوى 1% فقط، و23 %غابات، و40% مراعٍ للثروة الحيوانية، و7% مسطحات مائية بمثابة كنوز من الثروة السمكية بمختلف أنواع الكائنات البحرية، كما يحتوي جنوب السودان على كميات كبيرة من الذهب ومعادن أخرى كالحديد والكروم والمنجنيز في ولاية شرق الاستوائية، بالإضافة إلى الماس بولاية غرب الاستوائية، غير مستغلة بشكلٍ كامل.

 

وقد يصبح الجنوب مصدرًا للأخشاب وخاصةً (المهوقي والتيك)، وهي أشجار غابية يعتبر خشبها الأجود في العالم، وقد كانت (الحركة الشعبية) تقايض بها السلاح أثناء الحرب.

 

الأطماع

وشرعت الكثير من الدول منذ اتفاقية الحكم الذاتي للجنوب عام 2005م، في زرع وجود لها داخل الجنوب عن طريق بعض المشروعات الاقتصادية؛ حيث كشف ممثل الحركة الشعبية في واشنطن (إزيكيل لول) في تصريحٍ له لصحيفة (واشنطن تايمز) منذ حوالي عام تقريبًا، أن أمريكا تدعم انفصال الجنوب، وتضخ مليار دولار سنويًّا لمشاريع البنية التحتية وتدريب الجيش.

 

بينما بدأت الأطماع الصهيونية في الثروات الطبيعية للسودان في الظهور مع بروز الدور الصيني في القارة الإفريقية عمومًا، وفي السودان على وجه الخصوص، لا سيما بعد توقيع الصين لعددٍ من الصفقات، والاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية مع حكومة الخرطوم تُقدَّر بمليارات الدولارات، خاصةً أن منطقة جنوب السودان تتمتع بثروات نفطية ضخمة واعدة، ويقف الكيان الصهيوني خلف عددٍ من المشاريع في جنوب السودان تحت مسميات جنسيات أخرى، فمثلاً يسيطر الصهاينة على الفندقة في جنوب السودان، ويعمل الصهاينة في شراء وبناء مؤسسات ومزارع أيضًا تحت اسم جنسيات أخرى.

 

وتتم إدارة الفنادق عبر فروع تعمل من دول الجوار الإفريقي (أوغندا- كينيا- إثيوبيا)، ويتملكها صهاينة، فكل مدنها تحتوي قرابة 45 فندقًا و9 نُزلاً صغيرة، و13 مخيمًا، يسيطرون على أغلبها بشكلٍ غير مباشر، ولكنهم لا يظهرون في الصورة بشكلٍ بارزٍ في الجنوب، على الأقل حاليًّا، حيث إن الجنوب جزءٌ من دولة السودان.

 

وإفريقيًّا يوجد مصنعان فقط في جنوب السودان إلا أن الواضح أنه تجري محاولات أوغندية لوضع قدم اقتصادية في هذه المنطقة، فحسب الإحصاءات فقد أدخلت أوغندا بضائع بنحو 800 مليون دولار عام 2009م، يسيطر الأوغنديون على سوق "توكو توكو"، وهو أكبر الأسواق التجارية في الجنوب، وتسيطر أوغندا على حركة التجارة والأكل والشرب في الجنوب؛ حيث إن الوصول من جوبا عاصمة الجنوب إلى وسط كامبلا عاصمة أوغندا عن الوصول إلى الخرطوم، ووفقًا لإحصاءات وزارة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بأوغندا، تم تصدير أغذية وفواكه ومواد بناء لجنوب السودان خلال العام 2009م ما قيمته 160 مليون دولار.

 

فيما تسيطر كينيا على التحويلات والتعاملات البنكية والمصرفية، ويعد البنك التجاري الكيني هو البنك الأول الذي حصل على ترخيص للعمل داخل جنوب السودان، والوحيد الذي يتم من خلاله تحويل الأموال من الحكومة المركزية إلى حكومة الجنوب، وكذلك تحويل المعونات الدولية الخاصة بمنظمات الأمم المتحدة والمنظمات التطوعية، ويتم من خلاله صرف رواتب الموظفين، ولهذا البنك 10 فروع في كل ولايات الجنوب العشر.

 

وتتعاون كينيا حاليًّا مع حكومة جنوب السودان على إنشاء خطوط لتصدير البترول بمعزل عن (بورسودان) في الشمال المنفذ الوحيد لبترول الجنوب الآن؛ حيث سيتم نقل الخط الخام من جنوب السودان إلى ميناء (لامو) بكينيا على المحيط الهندي بجانب الطرق التي تعتزم كينيا ربطها مع الجنوب.

 

البترول والمعادن

 الصورة غير متاحة

ممدوح الولي

الخبير الاقتصادي ممدوح الولي ونائب مدير تحرير جريدة (الأهرام) يقسم الموارد الاقتصادية المتاحة في جنوب السودان إلى أربعة أقسام رئيسية، موضحًا أن المورد الأكبر المتوفر في الجنوب هو الاعتماد على الصادرات البترولية؛ حيث يقع في الجنوب 76% من آبار البترول الموجودة في السودان كاملة، وتشكل الصادرات البترولية أكثر من 90% من صادرات السودان.

 

ويضيف أن أهل الجنوب لن يحصلوا على حصيلة العائد من منتجات البترول وصادراته كاملة، بسبب تقسيمها مع الشركات التي تنقب عن البترول في الجنوب، مؤكدًا اعتماد جنوب السودان على شماله لفترة مقبلة في تصدير البترول من خلال خط الأنابيب الذي يصل إلى ميناء (بور سودان) في الشمال بالطريق البري، حتى ينفذ الجنوب خط الأنابيب المخطط لتصدير البترول عن طريقه من خلال كينيا جنوبًا.

 

ويقول: إن الجنوب أيضًا مجبر على التعامل مع الشمال للحصول على المنتجات البترولية كالوقود، باستخدام معامل التكرير المتوفرة في الشمال ومعدمة تمامًا في الجنوب، مبينًا أن الثروة المعدنية تأتي في المرتبة الثانية من حيث الدخل الخاص بجنوب السودان؛ حيث تحوي أرض الجنوب على الكثير من المواد الخام لعدد من المعادن كالحديد والزنك والكروم، بجانب خام الذهب، الذي يحتاج إلى شركات للتنقيب عنها، واستخراجها بكميات كبيرة، خاصةً أنه لم يتم اكتشاف سوى كميات ضئيلة جدًّا منها.

 

ويشير إلى أن أسرع الموارد إدرارًا للدخل على جنوب السودان سيكون زراعة عددٍ من المحاصيل، كالقطن والذرة، والقمح، والصمغ والسمسم، إلى جانب الدور الذي يلعبه القطاع الزراعي في التغذية المحلية، قائلاً: إن دول كأوغندا وكينيا وإثيوبيا بدأت تلعب دورًا بالفعل في الجنوب بعد عقد اتفاقية الحكم الذاتي لجنوب السودان عام 2005م.

 

ويضيف المورد الآخر للجنوب الذي اعتمدت عليه طوال السنوات الخمس الماضية هو المعونات الغربية التي بلغت 100 مليون دولار في العام الواحد، إلى جانب أن المطامع الأمريكية في التواجد بالقرب من منابع النيل، جعلها تقدم معونات منفصلة للجنوب، لها نفس أهداف المعونات كالتوغل في تفاصيل الدولة ومعرفة أسرارها وأولويات الاستثمار فيها.

 

ويتابع: لذلك ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تعطل استثمارات البترول في السودان، حتى تنهي استثمارات بترول الخليج، إلا أنها اضطرت للبدء في العمل على استثمار بترول السودان بعدما سبقتها الصين إليه، مؤكدًا وجود العديد من الخبراء الصهاينة أرسلوهم إلى الجنوب، في مختلف المجالات كالزراعة والري، معتبرًا تلك التحركات تتم للاستكشاف، وكحجز مكانٍ لهم في الاستثمارات هناك، تحقيقًا للكثير من المصالح الصهيونية في المنطقة، كتهديدٍ لمصر والبلاد العربية من خلال التمركز في جنوب السودان.

 

عقود واتفاقيات

وتؤكد الدكتورة هويدا عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد ومدير مركز البحوث والدراسات الإفريقية، أن النفط يشكل الجزء الأكبر من موارد جنوب السودان، وخاصةً أن هناك مساحة كبيرة في منطقة (قناة جونجلي)، بجانب بعض المعادن كالمنجنيز، والذهب وهناك بعض الأحاديث عن وجود الألماس في باطن الأرض، مشيرةً إلى النقص الشديد في البنية التحتية، الذي سيصعب على جنوب السودان في حالة الانفصال جذب الاستثمارات مباشرة؛ نظرًا لأن المستثمرين يحتاجون إلى جوٍّ من الهدوء والأمان السياسي للمجازفة بأموالهم.

 

وتوضح أن الكثير من الدول دخلت بالفعل في الاستثمار في جنوب السودان منها الهند والصين وماليزيا، بجانب الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت استثماراتها في بترول الجنوب السوداني من فترة طويلة، وأبرمت العقود على التنقيب عن الذهب والألماس الغنية بهما أراضي الجنوب، مبينةً أن الاستثمارات الصهيونية لم تظهر بشكلٍ كبيرٍ في الجنوب، لكنها تضع يدها على بعض المشاريع.

 

وتستنكر محاولة الجنوب الاستغناء عن الشمال في تصدير البترول، ونقله إلى خط عبر كينيا لتصديره عن طريق البحر الأحمر، قائلةً: إن دولة السودان غنية بمواردها البشرية والمائية والمعدنية، بجانب المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية، التي لم يستغل سوى أقل من 20% من الأراضي الصالحة للزراعة حتى الآن.

 

وترى أن الاستثمار الزراعي قد يكون من أهم الاستثمارات التي تتمكن الدول العربية من المشاركة فيها في السودان في المرحلة المقبلة، كفائدةٍ للطرفين العربي والسوداني ومحاولة للتقليل من الوجود الأجنبي للتحكم فيها، مؤكدةً أن السودان شمالاً وجنوبًا غنيًّا بالموارد المختلفة، ولن يتقدم ويرتقي سوى باستغلال تلك الموارد كوحدة واحدة وتعود خيراتها على الجميع.

 

سيطرة تامة

 الصورة غير متاحة

 فاروق العشري

ويرى فاروق العشري، عضو اللجنة الاقتصادية بالحزب الناصري، أن جنوب السودان، يحتوي على ثروة كبيرة من النفط، وخاصةً منطقة (آبيي)؛ مما سيشكل منطقة تنازع كبير بين قبائلها للحصول عليه، خاصةً مع المساندة الكبيرة من الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني لهم، وتعزيز الانفصال والتشجيع عليه، رغبة في الهيمنة على الجنوب، من خلال المشروعات والاستثمارات المائية والزراعية التي أقامتها، بجانب التنقيب عن البترول.

 

ويوضح أن ثروات جنوب السودان المتمثلة في البترول واليورانيوم والنحاس، وغيرها من المعادن، لا يتحكم فيها الآن أهل الجنوب، بل الولايات المتحدة الأمريكية، والصهاينة، متسابقين مع الدول الأخرى في الحصول عليه، والسيطرة على الدولة الجديدة استغلالاً للضعف في بداياتها.

 

ويشير إلى السيطرة الكاملة أيضًا على منطقة أعالي النيل، قائلاً: إن السياسة الصهيونية تستهدف تهديد الأمن العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة؛ بمحاولة زيادة نفوذها في الدول المتحكمة في مياه النيل من منابعه، كما أن سعي أمريكا للسيطرة على اقتصاديات الجنوب، جاء بعد ظهور البترول في مناطق متفرقة منها بكميات كبيرة، مع اقتراب نضوب الاحتياطي الأمريكي، ومؤشرات عن تنامي أزمة الطاقة على مستوى العالم.

 

إستراتيجي

وتقول الدكتورة عالية المهدي، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية: إن جنوب السودان يمثل موقعًا إستراتيجيًّا مهمًّا، بجانب الثروات البترولية، والأراضي الزراعية والمياه، مضيفةً أن السودان يمتلك طاقة وموارد بشرية مهمة، إذا تم تدريبها بشكلٍ جيد، وأحسن استغلالها.

 

وتشير إلى أن تلك الثروات والموارد التي تمتلكها جنوب السودان تجعلها تربةً خصبةً للاستثمارات، خاصةً أنها تفتقر إلى الكثير من مشاريع البنية الأساسية، كالطرق والنقل والمواصلات والخدمات العامة، إلا أنها ترى ذلك حافزًا وعاملاً لجذب المستثمرين، بشكل خاص بعد الانفصال من مختلف دول العالم.