أوشكت مؤامرة فصل جنوب السودان عن شماله على النهاية الحزينة بتمزيق قطر إسلامي عزيز، امتدادًا للمخطط الصهيو أمريكي بعد ما حدث للعراق وفلسطين، ونحن على مشارف زرع الفتن في مصر واليمن ولبنان وعلى حافة نزاعات وقلاقل في بلاد المغرب العربي، وها هي الأمم تتداعى علينا كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا" فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ" فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ "حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ" رواه أبو داود.

 

ولقد شخص النبي صلى الله عليه وسلم الداء ووصف لنا الدواء، وهيا بنا من خلال هذه السطور للتركيز على واجبات عملية لتحقيق الشفاء من الداء؛ وللوصول إلى طريق نهضة الأمة وريادتها مرة أخرى ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)﴾ (آل عمران).

 

إن من أهم أسباب ضعف القلوب معنويًّا هو حبُّ الدنيا، وينبغي في البداية أن نعرف حقيقة هذه الدنيا من قرآن ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، ففي الآيات يقول الله تبارك وتعالى:

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)﴾ (آل عمران).

 

﴿وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِِ﴾ (آل عمران: من الآية 185).

 

﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)﴾ (يونس).

 

﴿فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30)﴾ (النجم).

 

أما الأحاديث النبوية:

- عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ أَخِي بَنِي فِهْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَمِثْلِ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يَرْجِعُ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ" رواه أحمد.

 

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ" رواه مسلم.

 

- عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ" رواه الترمذي.

 

- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً فَقَالَ: "مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا" رواه الترمذي.

 

- وقال سيدنا عيسى عليه السلام "الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها".

 

- وقيل "مثل طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر كلما ازداد شربًا ازداد عطشا حتى يقتله".

 

- وكان بعض السلف يقول لأصحابه "انطلقوا حتى أريكم الدنيا فيذهب بهم إلى مزبلة فيقول انظروا إلى ثمارهم ودجاجهم وعسلهم وسمنهم".

 

والرسالة الإسلامية الخاتمة توجه المسلم إلى معرفة هذه الحقيقة وتكون الدنيا في يده لا في قلبه وتأمره أن يأخذ بكلِّ أسباب القوة في كلِّ الاتجاهات والمجالات؛ لتحقيق الخير للبشرية جمعاء وصبغ الحياة الدنيا بالدين الحنيف بالفطرة التي فطر الله الناس عليها والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)﴾ (الأنبياء).

 

إن المشروع الإسلامي العالمي يحمل مفاتيح السعادة لكلِّ البشر حتى للملاحدة، بل وكل الكائنات على وجه الأرض ولا بدَّ للمسلم أن لا يترك للعابثين وأعوان الشياطين إفساد الحياة الدنيا وصرف أبصار البشر عن الحياة الآخرة. وروي عن بن عباس رضي الله عنه قال: يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها، مشوَّه خلقها، فتشرف على الخلق، فيقال: هل تعرفون هذه؟ فيقولون: نعوذ بالله من معرفة هذه فيقال: هذه الدنيا التي تشاجرتم عليها وبها تقاطعتم الأرحام وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم ثم تقذف في جهنم، فتنادي: يارب أين أتباعي وأشياعي؟ فيقول: "ألحقوا بها أتباعها وأشياعها".

 

ولننظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته فإنهم ما كان لهم إفراط في تناول الدنيا ولا تفريط في حقوق النفس ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)﴾ (القصص).

 

وينبغي أن يتملح حظ النفس في المشتهي، فإن كان في حظها حفظها وما يقيمها ويصلحها وينشطها للخير فلا يمنعها منه، وإن كان حظها مجرد شهوة ليس متعلقة بمصالحها المذكورة فذلك حظ مذموم والزهد فيه يكون.

 

وبعد معرفة حقيقة الدنيا بوسطية الإسلام الحنيف نقف على أسباب حبِّ الدنيا وكراهية الموت التي أدَّت إلى وهن القلوب وهجوم الأمم على ديار الإسلام ونوجزها فيما يلي:

(1) عدم معرفة حقيقة الدنيا.

 

(2) غياب الرؤية الواضحة للغاية من الحياة.

 

(3)  ضعف الإيمان وقلة الزاد.

 

(4)  ترك الجماعة بمفهومها الشامل.

 

(5)  أهواء النفس وترك علاجها وتقويمها.

 

(6)  اليأس والإحباط وفقد الأمل.

 

(7)  قرناء السوء وبيئة الشر.

 

هذه بعض الأسباب التي تؤدِّي إلى وهن القلوب، ولنا في العلاج وقفات وفي طريق الشفاء إرشادات بفضل رب الأرض والسموات إن كان في العمر بقية، مع خالص الدعوات..