- جابر القرموطي: الإعلام المصري وقع بين كماشة الغرب والحكومة

- د. هشام عطية: الكسل والإهمال المتعمَّد وراء التناول المتحيز للتقسيم

- صلاح عبد المقصود: تواطؤ وسائل الإعلام يرجع إلى سياسة الحكومة

- محمد الشافعي: سلبية النظام المصري أثرت في تناول الإعلام للقضية

 

تحقيق: الزهراء عامر، مي جابر، يارا نجاتي

أسهم الإعلام المصري بشكل كبير في جريمة الترويج لمؤامرة تقسيم السودان؛ وذلك في إقناع الرأي العام بتجميل صورة مؤامرة حق تقرير المصير بانفصال الجنوب عن الشمال، المقرر حسمها خلال الساعات القليلة القادمة.

 

وانقسمت وسائل الإعلام إلى اتجاهين الأول بالاشتراك الفعلي في المؤامرة، والثاني عبر الغياب المتعمد، عن طريق التغطية الفاترة للحدث، وكأن الحدث طبيعي ليس له ما بعده.

 

وعلى مدى الأسابيع الماضية التي سبقت موعد الاستفتاء، تنافست معظم الصحف ووسائل الإعلام المختلفة في الترويج للمؤامرة، ورصد مستجداتها من خلال عشرات التقارير واللقاءات مع المسئولين في جنوب السودان من حكومة ومعارضة، وغاصت معظم هذه التقارير في عمق الجنوب السوداني وتفاصيل الحياة اليومية لأهله، كما لجأت بعض الصحف لعدد من الأقلام المأجورة لتبارك أيضًا مؤامرة التقسيم.

 

واحتلت أكبر صحيفة عربية المرتبة الأولى في تدعيم مؤامرة التقسيم، وذلك عن طريق إجرائها العديد من الأحاديث مع بعض مسئولي الجنوب؛ الذين أكدوا أن السلام والوحدة بين الشمال والجنوب لن يحدث إلا بعد عملية الانفصال، كما قدمت الصحيفة خيارات حول الاسم المتوقع لدولة جنوب السودان المنفصلة، هذا إلى جانب الترويج لعملية الانفصال من خلال بعض "المانشيتات" أبرزها "يدان تتصافحان" و"كف واحدة"؛ رمزًا لاستفتاء جنوب السودان، وقامت ببعض الدعاية الانتخابية لبعض الشخصيات في الجنوب، مثل الجنرال "أطور" في أول ظهور علني له، وأبرزت تصريحات مسئولي الجنوب، هذا بخلاف المقالات مدفوعة الأجر المؤيدة لعملية التقسيم.

 

كما تَبَنَّى برنامج 48 ساعة على قناة (المحور) أيضًا هذا الموقف غير المحايد، والذي أكد أن مصر تريد دولة مستقرة على حدودها، فلديها مشروع مهم لاستقبال المياه من الجنوب، كما أعدت العدة لوجود دولتين، وتم إنشاء قنصلية لمصر في الجنوب، فضلاً عن الاستثمارات بملايين الدولارات في التعليم، والصحة، والتعدين.

 

وفي برنامج "العاشرة مساء" اعتذرت منى الشاذلي مذيعة البرنامج ضمنيًّا عن استخدام مصطلح تقسيم السودان أثناء الحديث عن موعد الاستفتاء، وقالت: "بلاش تقسيم السودان ممكن نقول استقلال السودان كما يحلو للبعض" وهو ما يعطي صورة سلبية للمشاهد عن التقليل من شأن مؤامرة تقسيم السودان، ووصف التقسيم بأنه استقلال، وكأن جنوب السودان يقع تحت احتلال الشمال وليسا دولة واحدة.

 

وأدت مجلة (روز اليوسف) دورها على أكمل وجه في تهيئة الرأي العام للاستسلام لمؤامرة التقسيم عن طريق إجرائها بعض الحوار مع كلٍّ من وزير التجارة والصناعة بحكومة جنوب السودان، الذي أكد من خلال الحوار أن قضية الانفصال منتهية، زاعمًا أنه لا يوجد ما يشجع المواطن الجنوبي على التصويت للوحدة.

 

بينما قابلت جريدة (الجمهورية)، و(أخبار اليوم)، و(الأهرام المسائي) هذه الكارثة التي سيقع فيها الوطن العربي بالصمت الشديد، أو التجاهل.

 

ونشرت جريدة (الشروق) منذ بضعة أشهر أقوى مؤشرات الاعتراف المصري بانفصال جنوب السودان في بيان لوزارة الخارجية، وكذلك تصريح للمتحدث عن الخارجية المصرية حسام زكي "لسنا المنوطين وحدنا بالحفاظ على وحدة السودان".

 

ولمعت الأقلام المأجورة في المساهمة في تنفيذ مؤامرة تقسيم السودان، وكان من أبرز هؤلاء كاتب كبير يحتل منصبًا صحفيًّا أدبيًّا كبيرًا في مقاله تحديات ضخمة تواجه جنوب السودان بعد انفصاله جاء فيه "استقرار دولة الجنوب بعد إعلان نتائج الاستفتاء تبدو عاليةً قياسًا على فرص استقرار الشمال‏"، وحمدي رزق في مقاله استفتاء أبيض لا يراق على جوانبه الدم الذي نشر في جريدة (المصري اليوم) وجاء فيه:

 

هذا إلى جانب أن نقابة الصحفيين وخاصة لجنة الشئون الخارجية بالنقابة لم تحرك ساكنًا، والتزمت الصمت تجاه المؤامرة، رغم أنها في أحداث مماثلة تنظم الندوات والمؤتمرات وتتبنى مواقف بعينها.

 

والسؤال: لماذا شارك الإعلام المصري في هذه الجريمة؟ وما المقابل؟

يقول الدكتور هشام عطية عبد المقصود، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة: إن الإعلام المصري يتبع مراكز الاهتمام العالمية في تغطيته للشئون الخارجية، كتغطية ومتابعة الأخبار من دول ككندا والولايات المتحدة وبريطانيا، موضحًا أن تلك المتابعات نجدها أضعاف متابعة الصحف المصرية لأخبار دول الجوار.

 

ويتابع: "لذلك يظهر التقصير الكبير من الإعلام المصري في تناول الشئون الخارجية الأكثر تأثيرًا في مصر، كما حدث في أزمة دول حوض النيل التي لم ينشغل بها الإعلام إلا متأخرًا جدًّا"، مبينًا أن ذلك نفسه ما تكرر في متابعة الإعلام المصري لمؤامرة تقسيم السودان؛ حيث اكتفى بتناقل ما يبثه الإعلام الغربي ووكالات الأنباء، فقصَّر وأهمل وغاب عن المتابعة الحقيقية للأحداث والتحليلات، وتقريب الحدث من المواطن المصري البسيط، ووقف الإعلام المصري موقف المشاهد لمسرحية بعيدة عنه".

 

ويرى أن الإعلاميين المصريين تعمدوا التكاسل في تغطيتهم لانقسام السودان، فبدلاً من الدخول في العمق السوداني، وعرض تقارير، وأخبار من داخله على لسان أهالي الجنوب، اكتفى بنقل توقعات الإعلام الغربي بالانفصال الحتمي، مشيرًا إلى أن قضية تقسيم السودان ظهرت في الإعلام المصري في صورة كلام مختزل، ومختصر يحمل لآراء شخصية، وخلا من التحليلات.

 

ويضيف: "إن الكسل الصحفي دفع الصحفيين إلى تفضيل الذهاب إلى الدول الأوروبية حيث الجو المعتدل، لمشاهدة مباريات كرة القدم، وعروض الأزياء، وانتظار تلقي دعوات من جهات أجنبية، عن الذهاب إلى جنوب السودان ومعايشة معاناة الشعب المنقسم، في الحر ووسط المآسي"، مشيرًا إلى أن الصحافة المصرية كاملة الرسمية منها، وغير الرسمية إلى جانب الفضائيات جاءت تغطيته غير متوازنة وغير موضوعية.

 

"كماشة"!

ويؤكد الإعلامي جابر القرموطي مقدم برنامج "مانشيت" أن تناول الإعلام المصري والعربي لقضية تقسيم السودان سارت على نفس الخطوات التطمينية التي يتبعها الإعلام الحكومي مع الشعب؛ حيث بدأ الإعلام المصري معالجة القضية متأخرًا، وتبنى خلالها الترتيبات الغربية المسبقة بتقسيم السودان، وروّج للأمر وكأنه لن يلحق أي أضرار بأمن مصر المائي أو أمنها القومي.

 

ويوضح أن كلَّ وسائل الإعلام المصري بما فيها البرنامج الذي يقدمه على قناة فضائية، وقعت في فخ الإعلام الغربي، ولم تول اهتمامًا خاصًّا أو كافيًا بقضية انقسام السودان الشقيق، على الرغم من تخصيصه حلقتين عن التغطية الصحفية المصرية لقضية جنوب السودان، إلا أنه يرى أن الإعلام لم يعالج المشاكل والأزمات الحقيقية التي ستظهر جراء التقسيم، بل لازم موجة الخطاب الحكومي الرسمي، الذي تبنى وجهة النظر المكتفية بانتظار نتيجة الاستفتاء دون التدخل لحلِّ الأمر.

 

ويضيف أن الإعلام المصري لم ينجح حتى في إيصال المفهوم والمخاطر الحقيقية للقضية إلى المواطن المصري، الذي يجهل أغلبه حتى الآن مخاطر تقسيم السودان وتأثيرها عليه، مرجعًا ظهور أقلام وكتابات صحفية تتبنى وجهة النظر الرسمية وتؤيد الانفصال، إلى التماشي مع سياسات الصحف القومية، فكل وسيلة إعلامية لا تنشر سوى الأفكار التي تتناسب معها.

 

ويشير إلى أن بعض الآراء التي خالفت الخط الرسمي ظهرت في النهاية بعد حسم القضية، ولم تشكل جبهة قوية إعلاميًّا، قائلاً: "بعد ما الفاس وقعت في الراس".

 

متابعة فقط

 الصورة غير متاحة

صلاح عبد المقصود

ويؤكد صلاح عبد المقصود، وكيل نقابة الصحفيين، أن النقابة وقفت عاجزة أمام تناول الصحافة المصرية لتقسيم السودان؛ حيث حاولت التغطية على الفشل الحكومي في الاهتمام بأمر دولة السودان والمؤامرة التي جرت ضدها، قائلاً: إن النقابة لا يمكن أن تلعب دور المُوَجِّه للصحف، بل لا تتعدى دور المتابع من بعيد، لذلك لم تتمكن من المشاركة في دعم وحدة السودان، وإسكات التواطؤ الذي تم ضدها.

 

ويشير إلى أن الصحف وخاصة القومية في محاولة منها لإخفاء غياب الدور المصري عن مؤامرة التقسيم، قامت بإبراز مطالب الانفصاليين وكأنها مطالب شرعية، لا تشكل خطرًا على وحدة السودان أو على الدول العربية ومصر بشكل عام، مؤكدًا أن توجيهات رسمية صدرت إلى الإعلام الحكومي وشبه الحكومي لتكريس خيار الانفصال، وحق الجنوبيين في تقرير المصير.

 

ويقول إن تلك الصحف أفسحت المجال للكتابات المؤيدة والمشجعة للتقسيم، التي تتفق مع الرؤية والسياسة الرسمية للدولة، لذلك ظهرت مقالات ضد وحدة السودان في الصحف المصرية.

 

تغطية فاترة

وبأسف شديد يقول الكاتب الصحفي محمد الشافعي: إن البعض أصبح لديه قناعة أن تقسيم السودان أمر واقع بلا محالة، موضحًا أن النظام المصري بدأ يتعامل منذ 4 سنوات مع جنوب السودان على أنه دولة منفصلة بالفعل، فقام بإنشاء المشروعات الصحية والاستثمارية والتنموية، فضلاً عن إنشائه لقنصلية مصرية هناك.

 

ويضيف أن هذه القناعة انعكست على تناول الإعلام المصري لقضية التقسيم، فظهرت تغطيته للحدث فاترةً وبلا روح، مؤكدًا قصور وسائل الإعلام المصرية وخاصة الحكومية في توعية الرأي العام المصري والعربي بخطورة تقسيم السودان على الوطن العربي؛ حيث يسمح بمحاصرة الكيان الصهيوني لمصر، واستنزاف ثروات وخيرات السودان الشقيق.

 

ويوضح أنه ساعد في نشر عملية توعية الجماهير العربية من خلال برنامج "ملفات" الذي يبث على قناة (المجد) الفضائية؛ حيث قدَّم حلقة مطولة ومفصلة عن خطورة عملية تقسيم السودان، وكيف وصل السودان إلى هذه المرحلة؟ ومَن المستفيد الأول والأخير من هذه المؤامرة؟.

 

آراء "الوطني"!

 الصورة غير متاحة

 د. صفوت العالم

ويعلق الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، على التناول الإعلامي المصري لمؤامرة التقسيم بأنها خرجت من إطار الاهتمام الإعلامي، مرجعًا ذلك إلى فتور تعامل النظام المصري مع القضية، بالإضافة إلى تضخيم الأحداث الداخلية وسيطرتها على الصحف المصرية.

 

ويستنكر تناول جريدة (روز اليوسف) التي شاركت في حملة دعائية لانفصال الجنوب من خلال إجراء العديد من الحوارات مع قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، وكأنها أصبحت جريدة ناطقة بلسانها، مبينًا أن (روز اليوسف) تعكس في الكثير من الأحيان وجهات نظر رجال أمانة السياسات بالحزب الوطني ذوي المرجعية الليبرالية الأمريكية.