تحيةً لشعب تونس الذي أراد الحياة فابتسم واستجاب له القدر.. فلا حرية دون تضحيات.. ولا حرية تأتي هبةً من الحكام.. ولا حرية دون أن يشعر الشعب كله بأهمية أن الحرية أغلى من رغيف الخبز.. وأن استقرار الوطن لا يعني استقرار نظام ظالم على صدورنا.. وأن نقد نظام الحكم أو مهاجمته لا يعني خيانة الوطن.. وأن التغيير لا يأتي من الخارج.. أو يأتي فوقيًّا، فعلى مَن يريد التغيير أن يهب ويبذل ذاته من أجل قيمة الحرية.

 

هل يمكن أن يتكرر ما حدث في تونس في مصر؟

 

رغم احتمالات وجود مفاجآت تحت أي ظرف، إلا أن هناك اختلافات كثيرة تستبعد حدوث ذلك في الأجل القصير- على الأقل- لأسباب عدة:

 

1- الإعلام المزيف: سواء كانت قنوات رسمية أو فضائيات الموالاة التي تساهم في ممارسة نوعٍ من التضليل السياسي، بنشرها بعض المشكلات بصورة كاملة، دون توضيح أن سبب المشكلة في النظام نفسه وليس "فلان أو علان"؛ ولكنها مع ذلك تحقق قدرًا من التنفيس لم يتوفر للحالة التونسية.

 

2- هامش الحرية الخادع والمخادع الذي يمنح الشعب حرية محدودة للكلام لا يتجاوز سقفها الغرف المغلقة، ولا يتعدى خطوط معينة للنقد والهجوم أعلاها- في حالة التصعيد رئيس الوزراء- ثم يتغير لون الخطوط إلى الأحمر بدرجاته لما فوق ذلك (راجعوا حالات إبراهيم عيسى ومجدي حسين).

 

3- أحزاب الموالاة باختلاف أطيافها التي تساهم بقياداتها التي تتلقى تعليماتها من جهاز أمن الدولة، أو بصورة أخف من لجنة سياسات الحزب الحاكم، وليس لها وجود حقيقي في الشارع، يمكن أن يتحقق منه خيار التغيير، وفي حال ظهور رغبة حقيقية وطنية من داخلها، يتم اختيار أحدهم لتنازع رئاسة الحزب فينتهي الموضوع.

 

4- القبضة الأمنية الكثيفة والمكثفة التي تجيد التعامل مع سيكولوجية الشعب، فعند وجود نوعٍ من التظاهر بأي شكلٍ ينصب جل اهتمام قوات الأمن في الفصل الكامل والشديد بين المتظاهرين وبقية أفراد الشعب لمنع زيادتهم، مع نشر أخبار التعذيب والاعتقالات لتوجيه رسالات تهديد لبقية الشعب الخائف أصلاً.

 

5- استشراء الفساد بصورة كبيرة لدى كثيرٍ من الفئات بما أدَّى إلى وجود رغبة قوية لدى هؤلاء الفاسدين المفسدين في الحفاظ بقوةٍ على النظام الحالي؛ لأنه يحقق مصالحهم، وتراخى النظام في مقاومة الفساد "زواج كاثوليكي".

 

6- عدم قدرة التيارات السياسية- وعلى رأسها الإخوان المسلمون- على إحداث التغيير لأسباب عدة من بينها الملاحقات الأمنية الشديدة، وكذا عدم قدرتها على حشد الشعب أو أنصارها في الخروج لمظاهرات ضد الفقر أو الجوع أو البطالة، واكتفاؤها بمظاهرات لمناصرة فلسطين أو ضد حرق المصحف (مع أنه يحرق مواطنون في أقسام الشرطة) أو ضد احتجاز مواطنات مسيحيات أسلمن بالكنيسة أو غيرها.

 

7- طبيعة الشعب المصري ذاته التي تتعامل مع الأمور بشكلٍ يُمثِّل الرضا الكامل والاستكانة التامة ويمثل ذلك في أعلاه المثل الشعبي (اصبر على جارك السوء يا يرحل يا تيجي مصيبة تاخده) فهو لا يملك إرادة التغيير- وإن توفرت لديه الرغبة- وينتظر الحل من السماء أو أن يترك الظالم مكانه طواعيةً، وهو ما لن يحدث.

 

8- حركات التغيير الأخرى (كفاية- شباب 6 أبريل- الجمعية الوطنية للتغيير وغيرها) التي تصر فقط على التظاهر في أماكن محددة تحقق فقط التواجد الإعلامي أكثر من إمكانيات التغيير، إضافةً إلى المشكلات الداخلية في بعضها والاختراقات الأمنية لها.

 

9- الأقباط وموقفهم من جميع قضايا الحريات غير واضح أو غير موجود، وأستعير هنا قول ابراهيم عيسى في مقالته على موقع (الدستور) الأصلي الثلاثاء، 11/01/2011م: "خرج الأقباط بعد العملية الإرهابية في غضبٍ حقيقي ومفهوم ومستحق، لكن خرجوا بشكلٍ عشوائي وفوضوي فقالت الدولة للكنيسة سكتيهم فسكتتهم الكنيسة وسكتوا، إذن هي حسبة بين الدولة والكنيسة، وليست بين مواطنين ووطن! الأقباط يطلبون المواطنة لكنهم يتصرفون كأقباط وليس كمواطنين!

 

ربما لأسبابٍ لها علاقة بالاتحاد الأوروبي ورغبة الحزب الحاكم في التجمل وتحضير بضاعة للتصدير فقد تحصل الكنيسة لا الأقباط على فتات حقوق أو عطايا قانونية فارغة المحتوى، وسوف تشكر الكنيسة الرئيس وتقبل خد نجله كل حقوق الأقباط التي هي حق لهم لن يحصلوا عليها من نظام مستبد، لكن الأقباط لا يريدون أبدًا أن يعرفوا هذا ويراهنون على المستبد؛ لأن البابا قال لهم ذلك السؤال ما موقع البابا في الدولة المدنية التي نريدها؟ لكن أمانة تسلموا لنا على المواطنة!".

 

ولكن هل يعني ذلك أنه لا أملَ في التغيير.. لا بالطبع فمفاجآت الشعب المصري واردة والأوضاع الناجمة عن الفقر والبطالة والجوع ستؤدي بصورة تلقائية لانفجارٍ عاجلٍ لا يعلم وقته ومداه إلا الله، ووقتها لن ينفع النظام جحافل الأمن المركزي ولا جهاز أمن الدولة ولا غيره والرهان الحقيقي يكون على تكاتف قوى الحِراك السياسي الحقيقية وزيادة قدراتها على توصيل رسائلها إلى الشعب لا إلى الفضائيات، وكذا على تفاعل التيارات الإسلامية- وعلى رأسها الإخوان المسلمون- مع المجتمع وتقديم نفسها كبدائل حقيقية لنظامٍ مستبد فاسد مع زيادة اهتمامها بقضايا الحريات والغلاء والفساد قدر اهتمامها بباقي القضايا ذات المشاعر الدينية.

 

وكما فعلها التوانسة سيفعلها شعب آخر في وطننا العربي وفي أية منطقة.