فعلاً انتهى الدرس يا علي يا غبي- مع الاعتذار للمسرحية الشهيرة- ولكن الحديث موجه إلى الطاغية والرئيس المخلوع غير المأسوف عليه زين العابدين بن علي، وإن كان من الأولى أن يطلقوا عليه "زين العابثين".

 

خرج الطاغية المخلوع المستبد الظالم رئيس تونس زين العابثين بلا رجعة وبلا عودة ليطوي صفحةً من القهر والاستبداد والظلم والديكتاتورية التي أصبحت من الصفات اللصيقة لمعظم الأنظمة العربية إن لم تكن كلها على الإطلاق استعبادًا واسترقاقًا، وسخرةً لشعوبها بلا خوف أو وجل من الله عز وجل أو استحياء من ضمير أو شعب خرج بن علي من تونس مذعورًا مطرودًا شر طردة لا يعرف له وجهة ولا يدري له طريقًا ولا يعلم له مأوى.

 

لفظته الدول الحليفة ونبذته الأنظمة الصديقة الغربية التي كان عميلاً لها ويعمل لحسابها وخادمًا وعبدًا لرؤسائها فهام على وجه ذليلاً يبحث له عن مأوى ورغم سنه الطاعنة (74) لم تعلمه الأيام والسنون هو وأمثاله من الحكام المستبدين الظالمين الذين يتلذذون بإذلال شعوبهم وقهرهم وإفقارهم واعتقالهم والتنكيل بهم لم تعلمه الأيام والسنون أنه يستطيع أن يقهر ويصرع فردًا، أو ثلاثة أفراد أو عشرة أو بضع مئات ولكن لم يسعفه غباؤه أن يعلم أنه من الصعب جدًّا ومن العسير بل من رابع المستحيلات أن يقهر شعبًا بأكمله أو أمة بأسرها.

 

بعد أن أغلق المنافذ والآذان من الاستماع إلى شعبه والإصغاء إلى العقلاء من مواطنيه وأصم أذنيه عن الإنصات إلى أهل الرأي والخبرة والفقهاء والحكماء من التيارات السياسية المختلفة المعارضة فركب رأسه وشحذ سيفه واستل عصاه الغليظة وهوى بهم على شعبه ضربًا وصفعًا وركلاً بلا هوادة وبلا رحمة ولا شفقة مستأسدًا بالأنظمة الغربية الداعمة له متترسًا بقوات أمنه وجحافل قواته الخاصة المدربة جيدًا على القمع والفتك والسحل ظنًّا منه أنهم سيحمونه من شعبه الثائر فخاب وخسر، وكان الثمن غاليًا.

 

فأخذته العزة بالإثم وأعطى أذنيه إلى المنافقين من حاشيته والمنتفعين وانصاع تمامًا إلى البطانة الفاسدة المفسدة المنتفعة لم يكن الثمن الباهظ الذي دفعه هذا الطاغية هو ذهاب ملكه وضياع عرشه بل أظن أن هناك محاكمة قريبًا في الدنيا لينال العقاب جزاءَ جبروته وطغيانه وإجرامه في حق شعبه الذي أذاقه كل أنواع الذل والقهر وحرم شعبه من أن يمارس شعائر دينه الحنيف عبادةً وتشريعًا وأخلاقًا ومعاملات فعاش الشعب التونسي مطموس الهوية مغيبًا عن شرع ربه فاختفت كل معالم الإسلام من الشارع التونسي وقيد الحريات العامة، فضلاً عن حرية الاعتقاد والعبادة وقام بمنع الشعب من أداء فريضة الحج لعقدين متواصلين كأي مجتمع متحضر لا يأبه إلى شرع أو إلى خوف من الله تعالى.

 

ووضع الدولة كلها في سجن كبير وكبَّل شعبه بالأصفاد وعاث جلادوه في الأرض فسادًا فأتوا على الأخضر واليابس وأصبحت تونس علامة بارزة ومعلمًا من معالم الاستبداد والقهر والديكتاتورية، وأطلق العنان لزوجته وحرمه المصون أن تدلي هي الأخرى بدلوها في إذلال الشعب وسلبه ونهبه هي وأسرتها الكريمة- عائلة الطرابلسي ففعلت الأفاعيل والأباطيل في التحكم في أرزاق العباد والبلاد فكانت بمثابة العائلة المالكة المتحكمة في تعيين الوزراء والمحافظين ورؤساء مجالس الإدارات في الشركات والمؤسسات المهمة فكانت الدولة بمثابة عزبة بل ملكية خاصة يتصرفون فيها كيف يشاءون بلا رقيب أو حسيب ومن يتمرد أو يعترض أو تأبى عليه رجولته ودينه الخضوع المشين المذل فعليه أن ينتظر من أصناف العذاب والعنت وتلفيق التهم والقضايا والتلويح بالقتل والسحل أو النفي.

 

إن ما حدث في تونس من ثورة شعبية واتنفاضة جماهيرية ستساهم بلا شك بصورة أو أخرى في إعادة صياغة الأنظمة لوسائلها وآلياتها في كيفية التعامل مع شعوبها أو على النقيض كيفية إحكام القبضة الأمنية وكيفية تكبيل الشعوب حتى لا يحدث مثل ما حدث في تونس، ولكن مهما كانت القبضة الأمنية فإن الشعوب قادرة على التعامل معها وكسرها ما حدث في تونس علامة مهمة وغاية في الخطورة من العلامات الحيوية الدالة على حياة الأمة المسلمة، وأنها ما زالت الروح تدبُّ في أوصالها أنها قادرة على أن تصنع تاريخها من جديد، وأن تسطر آفاق مستقبلها بطريقتها الخاصة التي ترتآها وليس الطرق المفروضة عليها من قبل القوى الغربية الصهيونية.

 

وأنها لن تموت مهما كان وطأة المستعمر والاستبداد والقهر ورغم أنها ترزح من عقود طويلة تحت نيران منظومة حاكمة مستبدة لا ترعوي في أن تفعل ما تشاء في شعوبها في السر أو العلن ولعل هذه الثورة الشعبية العارمة المتأججة في تونس تكون مثابة رسالة واضحة إلى الأنظمة المستبدة الفاشية المتواطئة على شعوبها لحساب أعدائها أن يعيدوا النظر- بدلاً من هذه النعرة الفارغة والنفخة الكاذبة أن يعملوا عقولهم وضمائرهم- التي اختفت عن الساحة وعن واقعنا ردهة طويلة من الزمن وغابت عن الواقع لعقود طويلة- ولو للحظات ليعلموا أن الكبت المستمر والقهر المتواصل والاستبداد اللا محدود وتكميم الأفواه وكبت الحريات ومصادرة الصحف وتعطيل القانون والدستور وفرض الأحكام العرفية بلا رقيب أو حسيب والاستخفاف بقدرة الشعوب على التغيير إنما ينتج عنه انفجار عظيم مدوي هائل من الصعب التكهن أو التنبؤ بقوته واحتمالاته وحدوده وآثاره وضحاياه ربما يأتي على كل شيء وهم أول من سيكتوون بهذا الانفجار المدمر والسعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه.

 

فكان رئيس تونس من الأشقياء وكان واضحًا جليًا في خطابه الأخير كم الذل والمهانة وهو يستجدي ويستعطف شعبه في أنه لن يترشح لفترة رئاسة قادمة، وسيطلق الحريات وسيفرج عن المعتقلين وسيغير الحكومة وسيعين العاطلين عن العمل، وسيستمع إلى أصوات المعارضة وإلى الرأي الآخر (كانت أصواتهم منذ أيام قريبة كطنين الذباب المزعج لأذنه هذا إن كان مسموحًا لهم من أصله مجرد أن يفكروا أن يعترضوا)، ولن تكون هناك رقابة على الصحف والمجلات ووووو.

 

أين كنت أيها الظالم طيلة الثلاثة وعشرين عامًا المنصرمة أذقت شعبك كل ألوان الظلم والقهر والذل والهوان، والآن أفقت من غفلتك وغفوتك ونومتك أيها الظالم المستبد، ولكن بعد فوات الأوان ﴿... قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)﴾ (يونس) صدق الله العظيم لم يستمع الطاغية إلى قول العقل والحجة والمنطق نعم هذه هي الحقيقة المرة المؤسفة للطواغيت والفراعنة لا يفيقون إلا بعد فوات الأوان، وبدأ تجرع الذل والآلام ليته وليت غيره كانوا على قدر ولو بسيطًا من الحصافة والفهم والإدراك والذكاء.

 

ولكن ما لعمل إذا كان الجهل مستحكمًا والغباء ضاربًا أطنابه والبلادة متيبسة والحماقة مسيطرة هؤلاء لا يفيقون إلا عند نزول الصاعقة وبزوغ الكارثة لم يستمع الطاغية إلى صوت العقل أو المنطق وصوت المعارضة لم ينزل إلى شعبه ليسمع منه ويحاوره وينزل من برجه العاجي ليرى هذا الشعب الذي لا يسمع عنه إلا من خلال التقارير المزورة المرفوعة والمحرفة لا أقول ليته كان كذا أو كذا ولكنه قد حصد ما زرع وجنى ما غرس، وأن النفوس الملتوية التي تتشكل بكل ألوان الطيف وتتشكل وتصبغ نفسها بما يتفق مع مصلحتها الخاصة ومصلحة من يعملون لأجنداتهم وحسابهم.

 

والآن بدأت رياح التغيير في تونس بكامل قوتها واندفاعها ولن توقفها قوة مهما كان هناك من بأس وشدة وتهديد ووعيد وتنكيل حتى ينصلح حال قادة هذه الأمة، ويعودون إلى رشدهم وصوابهم قبل أن تنزل الكارثة وتحل الطامة بهم ويقولون ليت اللي جرى ما كان وأقول لابن علي انتهى الدرس يا غبي!

-------------

* مرشح الإخوان المسلمون في انتخابات مجلس الشورى 2008 بالشرقية