تحيةً للشعب التونسي

تابع العالم كله ما حدث في تونس خلال الأسابيع القليلة الماضية وما قام به الشعب التونسي الأبي الذي يستحق التحية والتقدير، وهذا السقوط المدوي لنظام الرئيس التونسي المستبد وفراره من تونس بحثًا عن دولةٍ يأوي إليها ليظل محلقًا فوق عواصم عدة رفضت استقباله حتى حط الرحال أخيرًا في السعودية، بينما أعلن حلفاؤه من الغرب والشرق تخليهم عنه وعدم دعمهم له، بل وأعلنوا احترامهم لرغبة الشعب التونسي.

 

وهكذا استحق زين العابدين بن علي بجدارة هذا اللقب الذي قلَّ أن نسمع به في بلادنا؛ حيث أصبح يلقب بـ(الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي).

 

عاقبة المفسدين

ما حدث في تونس نهاية طبيعية وسنة من سنن الله في الكون تخبرنا بها آيات القرآن الكريم عن كل المفسدين وأعوانهم ﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)﴾ (الفجر).

 

هؤلاء المفسدون الذين نهوا عن الفساد فزعموا أنهم يصلحون فأغرقوا الناس بطوفان من الفساد.. ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ (12)﴾ (البقرة)، نعم هذه حقيقتهم التي كانوا يخفونها أصبحت ظاهرة للعيان ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ﴾.. وهذه هي نهايتهم الطبيعية نهاية الظلم والاستبداد وعدم استجابتهم لنصائح المخلصين من أبناء الوطن، وزعموا أن هذه النصائح تفاهات وأنها أجندة خارجية من أعداء الوطن فلم يلقوا لها بالاً ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) ﴾ (النمل).

 

لا خير فيكم إن لم تقولوها

درس بليغ لكل الشعوب التي تحلم بالتغيير والإصلاح ولا تسعى للحصول عليه، لن تحصلوا على حق ما لم تطالبوا به هذا واجبكم وإلا فلا خيريةَ فيكم ولا كرامة لكم، ورحم الله الفاروق عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- حين رسم للأمة دورها واجبات الشعوب وواجبات القادة والزعماء (لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها!).

 

عندما تنهض الشعوب من سباتها

ودرس آخر لا يقل أهميةً ربما غاب عن كثير من الزعماء والرؤساء؛ حيث لم يضعوا في حسبانهم هذه الشعوب وقدرتها على التغيير رغم ما أصابها من جهدٍ شديد، وحسبوا أن أمريكا واسترضاء إدارتها والغرب وموالاة حكوماته أضمن وسيلة لاستقرارهم علي كراسيهم.

 

يا أيها الحكام احذروا غضبة شعوبكم..

أيها الحكام! إن المعادلة الآن قد تغيَّرت فأعيدوا حساباتكم فما زالت الفرصة أمامكم.
أيها الحكام! احذروا غضبة الشعوب ولا تسترضوا ولا تستقوا بأحدٍ على شعوبكم فليس لكم إلا هذه الشعوب التي استلبتم خيرها ونهبتم ثرواتها.

 

أيها الحكام! تذكروا أول يوم تقلدتم فيه أمور البلاد وهذا اليمين الذي حلفتموه والدستور الذي أقسمتم به ومصلحة الشعوب وكرامة الأوطان التي أقسمتم على الحفاظ عليها.

 

أيها الحكام! تذكروا وقوفكم بين يدي ربكم يوم القيامة ولا مال ولا منصب ولا حراس ولا سلطان ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)﴾ (الأنعام).

 

أيها الحكام! ردوا الحقوق لأصحابها وارفعوا المظالم عن أصحابها، وأشعروا شعوبكم بالطمأنينة والأمان.

 

أيها الحكام! صالحوا شعوبكم.. حاربوا الفساد والمفسدين.. طهروا أرض الوطن من الفساد الذي يزكم الأنوف في كل مكان.

 

أيها الحكام! ارفعوا الظلم عن المظلومين.. أطعموا الجوعى.. وفروا الغطاء والكساء للعرايا والمعوزين.

 

أيها الحكام! ردوا لهم ما أخذتم من خيرات الوطن فما كنزتموه في أرصدتكم يكفي لحل مشاكل الملايين من شباب شعوبكم.. هكذا يجب عليكم أن تحفظوا أوطانكم وتصالحوا شعوبكم، وإن تتولوا أيها الحكام فلا تلومن إلا أنفسكم ﴿َإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)﴾ (محمد).