أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بالسودان بيانًا حذَّرت فيه من مآلات الأوضاع في السودان دعت فيه إلى العمل على استقرار جنوب السودان ومد يد العون له؛ دعمًا لاستقرار الشمال بعد أن أصبح الانفصال أمرًا واقعًا.

 

وعدد البيان المجهودات التي بذلها الإخوان المسلمون منذ توقيع اتفاقية ميشاكوس عام 2003م من خلال واجهات العمل الطوعي لجعل الوحدة بين الشمال والجنوب جاذبة؛ وذلك من خلال الشراكات مع مؤسسات محلية ودولية.

 

وناشد البيان الحكومة التواصل مع أحزاب المعارضة، والبحث عن القواسم المشتركة؛ توسيعًا لدائرة المشاركة في الحياة السياسية، والالتفات إلى معايش المواطنين، ومحاربة الفقر، وتذليل سبل العيش الكريم.

 

ودعا البيان المعارضة إلى تحكيم صوت العقل والنأي عن كلِّ ما من شأنه أن يُفضي إلى زعزعة الاستقرار، كما شدد البيان على محاربة الفساد والأخذ على أيدي المفسدين؛ وذلك بتأهيل القوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية، ورفع جاهزيتها لحماية وصون تراب الوطن مما يحاك ضده من المؤامرات والدسائس.

 

نص البيان:

بسم الله الرحمن الرحيم

الإخوان المسلمون

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

بيان عن مآلات الأمور في السودان

قال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)﴾ (آل عمران).

 

يمرُّ السودان الآن بمرحلةٍ دقيقةٍ في تاريخه الحديث تقتضي حسن النية وجميل التوكل على الله، منه نستمد النصر والعون والعزة والنجاة، وأول ما ينبغي أن تتجه إليه عزائم الناس أن يُقبلوا على الله بقلوبٍ مطمئنةٍ إلى استجابة الله لمَن يُقبل عليه بصدق وتجرد.

 

ولقد مرَّ السودان في تاريخه الحديث بأيامٍ عصيبة، فاجتازها- بفضل الله- بسلامٍ بعد أن طمع الأعداء في كسره وهزيمته وتشتيته وتهوين قواه، فعلى الدولة أن تشيع بين المواطنين الثقةَ في الله والطمأنينة والثبات، مع أخذ الحذر والاستعداد لمواجهة التحديات، والدعوة إلى تقديم مصلحة البلاد على كل اعتبارٍ آخر؛ ما يتطلب تآلفًا وتآزرًا واجتماعًا، تطلعًا إلى مستقبلٍ زاهرٍ بإذن الله.

 

إن الجنوب إذا انفصل فمن واجبنا أن نمدَّ له يد العون لإقامة حياته الجديدة، حتى يتحقق له الاستقرار فينعكس ذلك استقرارًا على حدودنا معه وتعاونًا في مجالاتٍ شتى تجعل من الشمال دولةً قويةً مرهوبةَ الجانب، ومن الجنوب دولةً مستقرةً ناميةً ناهضة.

 

لقد عمل الإخوان المسلمون في قضية جنوب السودان منذ توقيع اتفاقية مشاكوس على التواصل وبناء الثقة بين أبناء الجنوب والشمال، وامتد عملهم ليشمل البرامج الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وبناء القدرات للقيادات الأهلية والرسمية في برنامجٍ استمرَّ ست سنوات دون انقطاع، فعملوا في مجال التعليم العالي والعام، وفي مجال الإعلام الذي شمل تأهيل الإعلاميين الجنوبيين وتدريبهم، ووصلهم بأجهزة الإعلام القومية.. بجانب العمل في مجال الاقتصاد الزراعي، وفي دعم الأسر الفقيرة للخروج بها من دائرة الفقر، وقد عمل الإخوان على توفير الدعم في هذه المشروعات من خلال شراكاتٍ مع مؤسساتٍ محليةٍ ودولية؛ أملاً في وضع لبنة في المجتمع السوداني الجنوبي لتواصله مع إخوانه في الشمال.

 

لم تنقطع دعوة الإخوان للوفاق الوطني منذ أن كان أملاً إلى أن تحقق بعضه بفضلٍ من الله وتوفيقه، وها هم يواصلون ذات السياسة، ويدعون إلى التواصل الرشيد مع الأحزاب المعارضة، وإلى إيجاد قواسم مشتركة توسيعًا لدائرة المشاركة في الهم العام، وعملاً على أمن البلد واستقراره ونموه وازدهاره، ولا بد لتحقيق ذلك من وقف اللغة العدائية والتصريحات التهديدية، والمكايدات السياسية.

 

فإن النارَ بالعودين تذكي ***** وإن الحرب أولها كلام

 

ومن هاهنا فنحن ندعو المعارضة والحكومة جميعًا أن يتقوا الله في أنفسهم وبلادهم، وإلى النأي عما من شأنه أن يُفضي إلى زعزعة الأوضاع وإحداث الفوضى التي لا تأتي بخير، فالأمن أسبقية كبرى لا تفريط فيها ولا مساومة.

 

وليس للإخوان اليوم ولا غدًا- إن شاء الله- غير بذل الجهد ما وسعنا الجهد؛ لتثبيت أمر الشريعة وحمايتها من التشويه والانحراف؛ إقامةً للعدل وحفظًا للحقوق، ولن ندخِّر وسعًا في النصح والمعاونة، راجين الثواب من الله.

 

وما يزال لدينا حكومةً وشعبًا- ما يقتضي منا اجتهادًا كبيرًا فدارفور تحتاج منا إلى تركيز الجهود لتهيئة البيئة المحلية لتكون قابلةً وجاذبةً لاستقرار النازحين، بتوفير الأمن والخدمات من صحةٍ ورعايةٍ وتيسيرٍ لسبل العيش الكريم.. هذا مع الاستمرار والصبر على المفاوضات مع حاملي السلاح.

 

وما زلنا ندعو إلى الالتفات إلى أمر معايش المواطنين، بدراساتٍ شاملةٍ لكل الجوانب مع الالتزام الجاد بما تفضي إليه من توصيات، مع إعطاء مزيدٍ من العناية للشرائح الضعيفة.

 

ولا بد من محاربة الفساد، وأن يجد المفسدون والمجرمون العقاب الصارم والجزاء الوفاق نكالاً، ولا سيما أن الجرائم الأخلاقية والجنائية والمالية غير المعهودة لدينا- معشر السودانيين- بدأت تطل برأسها.

 

ولن يتحقق ذلك كله إلا بإعطاء القوات المسلحة والشرطة والأجهزة النظامية الأخرى ما تحتاجه من عنايةٍ ورعاية ومراجعة للتأكد من كامل استعدادها وتأهيلها لحماية البلاد؛ مما يحاك ضدها من المؤامرات والدسائس.

 

نسأل الله دوام العزة والنصر والاستمساك بما أنزل إلينا من كتاب، ﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21)، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

د. الحبر يوسف نور الدائم

المراقب العام للإخوان المسلمين

الخرطوم- يناير 2011م