بسم الله الرحمن الرحيم

تصدَّعت رؤوسنا من كثرةِ الكلام والتصريحات حول برنامج الرئيس للإصلاح السياسي الذي أعلنه إبان ترشحه للانتخابات الرئاسية واعدًا فيه بديمقراطية حقيقية وانتخابات نزيهة، ثم جاءت الانتخابات البرلمانية، فإذا بالحكومة تلجأ فيها إلى كل الوسائل اللا أخلاقية واللا قانونية واللا إنسانية والتي وصلت إلى حدِّ القتل لتزويرها وتزييفها، وبالأمس القريب فقط اعترف رئيس الوزراء المصري في حديثه لمجلة النيوزويك بتزوير الانتخابات وأنهم أسقطوا 40 مرشحًا للإخوان المسلمين بهذا التزوير، واضعًا شرعية حكومته في قفص الاتهام.

 

وعندما اقتربت الانتخابات البلدية، إذا بمشروع قانون يُقدِّمه رئيس الجمهورية لتأجيلها لمدة عامين يُمرر (سلقًا) بأغلبيةِ الحزب الوطني إياها، وما ذلك إلا خشية سقوط جديد أمام الإخوان المسلمين، خصوصًا في ظل التأييد الشعبي الذي أدَّى لصعودِ الإسلاميين في عددٍ من الدول العربية، وربما لتمهيدِ الطريق أمام المرشح الوحيد لانتخاباتِ الرئاسة القادمة واستبعاد المنافسين المشاغبين.

 

وهذا الإجراء إنما يُمثِّل انحرافًَا في استخدامِ التشريع، فإنَّ تقنين الظلم هو أبشع ألوان الظلم، وإذا علمنا أن الفساد في المحليات قد وصل إلى الركب- على حدِّ قول أحد كبار المسئولين- فإنَّ تقنين استمرارها هو تكريسٌ للفساد إضافةً إلى تكريس الاستبداد الذي تمثَّل في تزوير الانتخابات البرلمانية، ولا نستبعد بعد تزوير الانتخابات وتأجيل الانتخابات أن تأتي مرحلة إلغاء الانتخابات لنستمتع بأزهى عصور الديمقراطية!

 

ألا فَلْيَكُفّ الذين يتحدثون عن الإصلاح والنزاهة والديمقراطية والتصدي للفساد عن صدع رؤوسنا بحديثهم الذي يكذبه الواقع، فالله تعالى يقول: ﴿...لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ(2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ(3)﴾ (الصف)، ومن هنا كان رفض نوابنا الـ88 إضافةً إلى 18 نائبًا من المستقلين والأحزاب الأخرى لهذا القانون أثناء عرضه السريع على مجلس الشعب.

 

وليعلم الشعب أنَّ الحريةَ والحقوق تُؤخذ ولا تُوهب، فعليه أن يتسلَّح بالوعي والثبات والصبر والإيجابية في ممارسة حقوقه واسترداد حرياته بكلِّ الوسائلِ المشروعة حتى يحقق التغيير والإصلاح المنشود ﴿وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: من الآية 105) ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21).

محمد مهدي عاكف - المرشد العام للإخوان المسلمين

القاهرة في : 17 من المحرم 1427هـ = 16 من فبراير 2006م