بسم الله الرحمن الرحيم

في الوقت الذي يزعم فيه النظام الحاكم في مصر توجُّهَه إلى إجراء إصلاح سياسي عميق، يتم فيه تعديل الدستور؛ لإطلاق الحريات، واحترام حقوق الشعب المصرى، وتطبيق سيادة القانون، وتنفيذ أحكام القضاء، وتأكيد حرمة البيوت والأموال، وإشاعة الأمن والاطمئنان في النفوس، وإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية.. إلى آخر ما جاء في الدعاية الإعلامية لهذه التعديلات؛ إذ بنا نفَاجَأ بإصدار قرار اعتقال المجموعة التي سبق القبض عليها منذ شهر ونصف، وعلى رأسها المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، وذلك فور صدور حكم المحكمة الطبيعية المختصة بإلغاء قرارات حبسهم وإخلاء سبيلهم فورًا ومن سراي المحكمة، وذلك في التفافٍ واضحٍ وتناقضٍ صريحٍ مع حكم المحكمة!!

 

وقرارُ الاعتقال هذا يستند إلى قانون الطوارئ الذي يحكم البلاد منذ 26 سنةً، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم احترام القانون وأحكام القضاء، التي هي عنوان الحقيقة، وقوام العدل، وصمام الأمن في البلاد، بل وعدم احترام أحكام الدستور الذي ينص في مادتَيه 64، 65 على أن "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة"، وعلى أن "تخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته، كضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات"، وإذا كان الأمر كذلك فلمَن يلجأ المظلوم؟ وقد سُدَّت أمامه كلُّ أبواب العدل والإنصاف؟ وهل هذا في مصلحة البلاد التي تعاني من احتقان غير مسبوق؟ وهل هذا يدعم الشعور بالأمن والانتماء والعمل والإبداع والإتقان التي هي من أهم مقومات النهوض والتنمية والتقدم؟ أم أنها تهدم هذه المعاني جميعًا؟!

 

إن ما حدث يقطع بما لا يدع مجالاً للشك أن دعوى الإصلاح إنما هي دعوى غير صادقة وغير صحيحة، وأن الهدف الحقيقي هو تكريس الاستبداد والتسلط الذي يفرز الفساد والظلم ويهدد الوطن بأوخم العواقب.

 

إضافةً إلى أن القبض عليهم تمَّ في منتصف الليل، وصاحَبَه ترويعٌ للنساء والأطفال، واستيلاءٌ على الأموال، وإغلاقٌ للشركات والمشروعات الاقتصادية، وتعطيلٌ لمئات أو آلاف العاملين فيها، وقطعُ أرزاق أسرهم، ومنعُ رجال الأعمال منهم من التصرف في أموالهم وأموال زوجاتهم وأولادهم.. فلمصلحة مَن يتم كل هذا؟! وهل يَحتمل الاقتصادُ المصريُّ المنهَك مثلَ هذه الضربات الظالمة؟! وهل هذا يشجِّع المستثمرين على جلب أموالهم وإقامة مشروعاتهم في مصر؟! أم يدفع المصريين إلى إخراج أموالهم وهروب المستثمرين غير المصريين؟!

 

ثم.. هذه الحملة الإعلامية الهائلة التي تفتري الأكاذيب وتنسج الخيالات حول هؤلاء المعتقلين وجماعة الإخوان، دون أن يُسمح لأحد منهم بالدفاع وتوضيح الحقيقة.. لمصلحة مَن؟! وهل من العدالة والرجولة والمروءة أن تكمِّم وتقيِّد خصمَك وتنهالَ عليه بالضربات والشتائم، دون أن تسمح له حتى بتبيان موقفه؟!

 

وهل يمكن أن تسمِّي هذه خصومةً سياسيةً شريفةً؟! ولمصلحة مَن وإلى متى ستظلُّ الأجواء المحتقنة بين النظام الحاكم وفصائل المعارضة والقضاة والنقابيين وأعضاء هيئات تدريس الجامعات والطلاب والعمال وغيرهم؟!

 

إن مصر تحتاج إلى وفاقٍ وليس إلى شقاقٍ.. تحتاج إلى مصالَحة وليس إلى مخاصمة.. تحتاج إلى حب وليس إلى بغضٍ وكراهيةٍ.. تحتاج إلى عدل وإنصاف.. إلى إصلاح حقيقي ينبع من الشعب، ويحتضن كل الشعب.

 

والإخوان المسلمون مُصِرُّون على المضيِّ في طريق الإصلاح مهما كلَّفهم ذلك من تضحيات، وليعلم الجميع أن الأشخاص والمناصب إلى زوال، ولا يبقى إلا ما يُرضي اللهَ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾ (النساء: من الآية 135).

 

محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين

القاهرة في: 11 من المحرم 1428هـ= 30 من يناير 2007م.