حصاد عام من الانقلاب الدموي: 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. 
وبعد؛ فها هو عام يمر على الخيانة الأثيمة التي ارتكبها العسكر بانقلابهم الدموي على أول رئيس شرعي منتخب بإرادة الشعب الحرة في أنزه انتخابات عرفتها مصر وشهد بها العالم، وهو عام حصدت فيه آلة الحقد الانقلابية الدموية أرواح الآلاف وأصابت عشرات الآلاف، واحتوت فيه زنازين القهر الانقلابية الوحشية عشرات الآلاف من المصريين الأحرار والحرائر، ولا ذنب لهؤلاء جميعا إلا أنهم يريدون أن يعيشوا أحرارا في وطن حر، ويرفضون أن يكونوا عبيدا لغير الله الذي خلقهم أحرارا. 


عام مضى فيه الانقلابيون على غير هدى وبغير برنامج إلا القهر وسفك الدماء، امتدت فيه أيديهم إلى شعبهم بالإساءة، وإلى الخارج بالاستجداء والمهانة، بعد أن تملكتهم شهوة السلطة واستبد بهم الحقد الأعمى، فرأوا العدو المجرم صديقا حميما، ورأوا الشعب الحر الثائر عدوا عنيدا!


عام تراجعت فيه مصر الحرة عن كل مكتسبات ثورة 25 يناير المجيدة، بعد أن اعتبرها الانقلابيون نكسة، واعتبروا رموزها وأبطالها الوطنيين متآمرين، فملأوا بهم زنازين القهر وسجون الدم، ورموهم بكل نقيصة، وألغوا كل ما حققته من حقوق وحريات، وعادوا بالشعب إلى أسوإ عصور القهر التي تجاوزتها الأمم الحديثة.  


عام تراجع فيه الاقتصاد المصري الذي كان قد بدأ في التعافي والنمو، فإذا به يتجه إلى الانهيار، حيث لم تسعفه مليارات ممولي الانقلاب التي لم يستفد منها سوى حسابات الانقلابيين الخاصة.  


عام تراجع فيه -بل غاب- الأمن الجنائي لحساب الأمن السياسي، بعد أن صار البلطجية والمجرمون وأصحاب السوابق الإجرامية مع الشرطة الانقلابية يدا واحدة ضد الشعب الثائر المطالب بحريته.


عام تم فيه توريط الجيش المصري لأول مرة في تاريخه الطويل في حرب ضد شعبه الذي بناه من عرقه، ووفَّر له من قُوتِه، ليكون حارسا لحدوده وحاميا لترابه وضامنا لأمنه القومي، فإذا بالانقلابيين ينقلون معركته من الحدود مع أعداء الأمة إلى الشوارع وساحات الثورة مع الشعب الحر الثائر، في محاولة انقلابية يائسة للتفريق بين الشعب وجيشه لن تفلح بإذن الله.  


عام سقط فيه جزء من القضاء المصري من ذروته الشامخة إلى حضيض الظلم، ليصبح عصا القهر الغليظة في يد الانقلابيين، بصورة أثارت الضمير الإنساني في أنحاء العالم، الذي هاله حجم الفساد والظلم الهائل في الأحكام غير القانونية وغير الإنسانية وغير العادلة التي أدانت الضحايا بأنهم قتلوا أنفسهم، وحاولوا قتل جلاديهم! وبرأت الجلادين الذين اغتالوا الناس علنا وعبر الشاشات!.


عام تراجعت فيه الأخلاق بعد أن ألغى الانقلابيون دور الدولة في رعاية الأخلاق والقيم، فأصبحت مصر –للأسف- مضرب المثل في الإساءة للمرأة وللأخلاق والقيم، بعد أن صار الرقص الماجن وسيلة الانقلابيين في التعبير عن شماتتهم في الثورة التي أجهضوها وحلم الحرية الذي اغتالوه.    


عام تراجعت فيه مصر عن دورها الرائد لأمتها العربية الإسلامية وفي محيطها الإفريقي الإقليمي، وعن دورها المتميز في العالم، إلى دولة لا وزن لها، لا تقرر لنفسها، بل يقرر لها الآخرون، بعد أن اشتروا قرارها وكرامتها بثمن بخس تقاضاه الانقلابيون على حساب دماء الشعب وحرياته.


الشعب يعيد اكتشاف نفسه وتقييم نخبه: 

مع كل هذه التراجعات التي أصابت مصر على يد الانقلابيين الدمويين خلال عام؛ فإن الشعب الأصيل على الجانب الآخر قد كشف عن معدنه النفيس العجيب المبهر، بصموده الأسطوري أمام آلة القهر، وصبره الرائع على صنوف الظلم، واستمراره المدهش في ثورته السلمية العظيمة لاستعادة حرياته وحقوقه، ذلك الصمود الذي كشف حقيقة الكثيرين من النخب من مدعي الثورية والليبرالية الذين تبين أنهم ليسوا سوى قفازات يستخدمها العسكر الدمويون في ضرب الديمقراطية وسحق الحريات، ومن ثم عرف الشعب من يقف معه ويضحي من أجل حريته ومستقبله بالغالي والنفيس، ومن يخدعه ويتواطأ ضد حريته، وصدق الله العظيم حين قال ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾.


لقد رأى الشعب المصري حجم الخداع الذي تعرض له على مدار عام وأكثر، بعد أن نزع قائد الانقلاب قناع الزيف الذي طالما لبسه، وكشف عن وجهه الحقيقي وأنه –كما قال بلسانه- عذاب ومعاناة، وبعد أن كان يمني الشعب بأنهار العسل والسمن (ومصر أم الدنيا وهتبأى أد الدنيا، وبكرة تشوفوا مصر)؛ إذا به يحبط آمال الشعب ويهدده إذا طالب ببعض حقوقه، ويتوعد من يعترض على سياساته المدمرة بالويل والثبور وعظائم الأمور، ونسي أن الشعب الحر قد أفاق من كل محاولات التغييب، واستعصى على كل محاولات التخويف، وأنه صمم أن يحيا كريما عزيزا في وطن حر عزيز. 


وبعد أن رأى الشعب المصري كل سياسات العهد البائد -بل كل رموز فساده- تعود؛ أيقن أن الانقلاب الدموي لم يكن إلا ثمرة ثورة مضادة استخدمت كل أشكال الخيانة والكذب والتدليس لخداع الشعب، وأدرك هذه الحقيقة كثير ممن سقط في هذا الخداع، وانفضوا عن هذا الانقلاب الدموي الذي أصبح يقف وحيدا في مواجهة القوى الوطنية الحرة. 


الوحدة طريق الثوار إلى النصر:    
     
لقد أدرك جميع المخلصين لهذا الوطن أن لا سبيل لكسر هذا الانقلاب الدموي وإنهاء هذه الخيانة الأثيمة إلا بالاستعانة بالله وحده، والتوحد بين سائر القوى الوطنية الرافضة للظلم والساعية إلى تحقيق أهداف الثورة المباركة (عيش – حرية– عدالة اجتماعية–  كرامة إنسانية)، وهو ما يوجب على كل القوى تحويل هذا الإدراك إلى برنامج عملي للوحدة والتعاون، يكون عنوان المرحلة الجديدة، ويقود ثورة الشعب المتأججة في الشارع إلى تحقيق غايتها المنشودة في كسر الانقلاب بإذن الله، ونؤكد أن هذا الانقلاب الدموي أضعف من أن يصمد كثيرا أمام ثورة الشباب الحر المتوحد إن شاء الله، بشيء من الصبر والثبات، وبالعزيمة الماضية، وبالإصرار على تحقيق أهداف ثورتنا مهما كانت التضحيات والعقبات.  


ثورة في أنحاء الأمة: 

إن روح الثورة تنتعش في كل أنحاء الأمة بفضل الله تعالى، بعد أن استفاقت الشعوب العربية وأدركت حجم الخسارة التي أصابت الدنيا كلها جراء غيابها بما تحمله من قيم الحق والعدل عن الساحة العالمية، وأدركت أن الاستبداد الذي ألم بها هو سبب ذلك الغياب، وهي ماضية في طريقها لاستعادة حريتها وإرادتها واستنقاذ قرارها من أيدي المستبدين الظلمة، لتسهم مع كل الشعوب الحرة في بناء وتقويم وتقدم الحضارة الإنسانية الراشدة، وبإذن الله سينتصرون ﴿مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾.


متفائلون بقرب النصر بإذن الله: 

إن انتصار الحق على الباطل وغلبة العدل على الظلم وتقدم الخير على الشر وارتفاع لواء الفضيلة هو وعد إلهي للصادقين المخلصين ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾، وفي ظلال شهر رمضان المبارك يلجأ المسلمون إلى جناب الله بالاستغفار والذكر، وبالدعاء بالليل والنهار وفي الأسحار أن ينصر الله الحق وأهله، وأن يخذل الظلم والظالمين.


ومهما ارتكب الانقلاب من حماقات، ومهما حاول إعاقة الثورة والثوار بإجراءات انقلابية باطلة، أو من خلال حملات التشويه الكاذبة التي يشنها إعلام الانقلاب الدموي؛ فنحن على يقين أن أمة الجهاد والصيام والقيام ماضية نحو غايتها بإذن الله لإحقاق الحق وإبطال الباطل وانتصار قيم الثورة من الحق والعدل والحرية والكرامة إن شاء الله، ولن تنسى هذه الأمة المجاهدة أنه في مثل هذه الأيام من رمضان الماضي خاض الانقلابيون في دماء الشهداء الصائمين القائمين المتهجدين التالين لآيات الله، ولم يراعوا حرمة الشهر ولا حرمة الدم، وهو ما لن يفلتوا من عقوبته، بالقصاص العادل إن شاء الله ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

والله أكبر ولله الحمد.