الشباب هم روح الأمة وقلبها النابض ودرعها الواقي وساعدها المنتج والعامل، والطلاب هم صفوة الشباب فهم أوعية العلم ومحصلة الفكر ومرآة المجتمع، فإذا صحت هذه الفئة دل ذلك على مستقبل زاهر لهذه الأمة؛ لأنهم رموز القوة والحيوية والمثالية والإصلاح، ومن ثم كانت الدول المتقدمة والناهضة حريصة على تمكين شبابها وطلابها من كل أسباب العلم والمعرفة والخبرة والممارسة في كل المجالات العلمية والثقافية والسياسية والاجتماعية والقانونية، بالإضافة إلى فتح أبواب الحريات العامة، وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير، واحترام الكرامة الإنسانية لهم، في ظل المساواة وتكافؤ الفرص للوصول إلى المناصب العليا التي تؤهلهم لها كفاءتهم ومواهبهم .

 

أما الدول الديكتاتورية المستبدة فتضيق ذرعًا بشبابها وطلابها، وتسعى لكبتهم؛ ليتحولوا لقطيع يطيع ما يمليه عليه الحاكم الطاغية، ويلغي عقله وفكره، ويدفن طاقاته وطموحاته، ويسير مع الخانعين ولو إلى حتفهم وخراب أمتهم.

 

دور الشباب هو استعادة الوطن والحرية:

 والشباب أحد صنفين كما ذكر الإمام البنا – عليه رحمة الله –: صنف نشأ في أمة قوية غنية مستقرة عادلة، فهو ينصرف إلى نفسه أكثر مما ينصرف إلى أمته، وصنف نشأ في أمة ضعيفة فقيرة مضطربة ظالمة استبد بشؤنها خصومها، فهي تجاهد في سبيل استرداد الحق المسلوب والحرية الضائعة والمثل العالية، وهذا الصنف من أوجب الواجبات عليه أن ينصرف إلى أمته أكثر مما ينصرف إلى نفسه.

 

لقد كان قدركم أيها الشباب والطلاب أن نشأتم في أمة استبد بها العسكر، فقادوها إلى هزيمة وتخلف وفقر، وساسوها كما لو كانت معسكرًا لا مناقشة فيه لرأي القائد، ولا حرية فيه لأحد، ولا كرامة لإنسان، وإنما هو منطق فرعون ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ والعقاب الأليم الذي يصل إلى حد القتل أو السجن والتعذيب لكل من يطالب بحقه أو حق الوطن أو يمارس حريته أو يعتز بكرامته.

 

الثورة المضادة بقيادة العسكر:

وعندما قمتم ومعكم الشعب بثورتكم السلمية العظيمة في 25 يناير 2011 أطحتم فيها برأس الفساد والطغيان ومجموعة من بطانته وأذنابه، وهبت نسائم الحرية والكرامة والعدل والمساواة, وانفتحت آفاق الأمل في النهضة والتقدم والاستقلال الكامل من التبعية والخضوع للغرب، عز عليه أن تتحرر مصر وتخرج من بيت الطاعة وتقود قاطرة تحرر الشعوب العربية بالقدوة الحسنة والنموذج الجيد الذي تقدمه لهذه الشعوب، فتآمرت قوى عالمية وإقليمية ومحلية لإجهاض الثورة العظيمة، وتحالفت مع قادة العسكر على القيام بانقلاب عسكري يطيح بالشرعية الدستورية والإرادة الشعبية، ويستولي على الحكم بقوة السلاح، ويمارس أبشع ألوان الإرهاب في مجازر ومحارق بشعة يشيب لهولها الولدان، ويعتقل العلماء والأحرار والحرائر بعشرات الآلاف، ويعذبهم في السجون وأقسام الشرطة، ويحل الجمعيات الخيرية ويصادر أموالها، ويغلق القنوات الفضائية والصحف، ويعتقل الصحفيين ويكمم الأفواه، بل وينتهك الأعراض، ولكن الشعب الذي ذاق طعم الحرية وتمتع بكرامته وسيادته لفترة ولو كانت قصيرة أبى أن يخضع أو يلين، فاستمر في مظاهراته التي لم تتوقف طيلة خمسة عشر شهراً، رغم القتل في الشوارع وتحريض البلطجية على المتظاهرين السلميين والاعتقال والحبس.

 

طلاب الجامعات يتصدون لسارقي الوطن وأعداء الحرية رغم عنف الانقلاب الدموي:

لقد كانت أقوى فعاليات رفض هذا الانقلاب في العام الدراسي الماضي من الطلاب الذين أشعلوا الثورة داخل الجامعات والمدن الجامعية، ودفعوا ثمن ثورتهم من أرواحهم ودمائهم، فاستشهد منهم الكثير، واعتقل الآلاف، وحكم على كثير منهم بأحكام ظالمة قاسية وصلت للسجن المؤبد، وفصل المئات من الجامعات، فكانوا كما هم الطلاب دائماً طليعة الأحرار الذين يبتغون العزة لأوطانهم وأهلهم, ورغم كل ما أصابهم ما لانت لهم قناة ولا أعطوا الدنية من كرامتهم .

 

لقد أيقن الشباب والطلاب أنهم إن تهاونوا في ثورتهم فإنما يتهاونون في مستقبلهم ومستقبل الأجيال القادمة، ومستقبل هذا الشعب وهذا الوطن الذي يرون سفينته تغرق الآن فالانقلاب العسكري الدموي لم يهدف إلى الإستيلاء على السلطة فقط – رغم أنه خيانة – وإنما إحداث انقلاب في كل مؤسسات الدولة ومرافقها، فالجيش جعلوه – للأسف الشديد- عدواً للشعب يقتله ويصيبه، ويتحالف مع الصهاينة والغرب، ويعادي الثورات العربية، ويتحول إلى مؤسسة اقتصادية تنهب ثروات الشعب، والشرطة تحول دورها من توفير الأمن للشعب إلى نشر الرعب والقتل والاعتقال والتعذيب، والقضاء تحول من حصن للعدل إلى ذراع للظلم والقهر والانتقام، والإعلام تحول إلى بوق للكذب والتضليل وصناعة الفرعون، وهذا كله ما يفرض على الشباب والطلاب والشعب أن يصعد ثورته حتى يصلح الأوضاع وينقذ السفينة من الغرق، لاسيما وأن الانقلابيين العسكريين لا يعرفون إلا لغة القهر، ويتصورون أن مزيداً من البطش والقهر سوف يؤدي إلى إخماد الثورة التي يقودها الشباب.

 

محاولات يائسة للانقلابيين والطلاب مصممون على إفشالها:

ومن ثم فقد لجأوا إلى تأخير الدراسة هذا العام، وسن تشريعات ديكتاتورية لإرهاب الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، وتجنيد جواسيس على الطلاب، وتأجير شركة أمن خاصة، وحصار الجامعات بقوات الشرطة، وإبعاد عدد كبير من الطلاب من المدن الجامعية، ثم القيام بحملة أمنية فجر يوم بدء الدراسة طالت أكثر من ألفي منزل في طول البلاد وعرضها لاعتقال الطلاب منها، قبل أن يفعلوا شيئاً على الإطلاق.

 

وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على مدى الرعب الذي يشعر به الانقلابيون من الحراك الطلابي المحتمل، وأن عقلية العسكر الخالية من الثقافة والعلم والفكر والرؤية هي التي تحكم تصرفاتهم في كل المواقف، وأنهم لولا الفضيحة لألغوا التعليم وأغلقوا الجامعات والمدارس، لأن الشعب الجاهل -كما يقول المستبدون- أسلس قياداً، ولكن المصريين لاسيما الشباب والطلاب هم أكثر علماً وأوسع أفقاً وأعمق فكراً وثقافة وأعظم إخلاصا لشعبهم ووطنهم، ومن ثم استأنفوا ثورتهم وحراكهم في كل الجامعات ليؤكدوا لكل الطغاة القتلة المستبدين أن الثورة مستمرة، وأن الشباب والطلاب هم قادتها ووقودها، وأنهم لن يتركوا سفينة الوطن يغرقها الفاسدون المفسدون ولا الأتباع المنتفعون.

 

وتاريخ الأمة بل تاريخ الإنسانية وسنن الله في الكون شاهد صدق بأن الشباب الحر هو من يفرض كلمته في النهاية،  وأن أهداف الثورة العادلة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ستتحقق بصمود الثوار الأحرار وفي المقدمة منهم الشباب والطلاب  ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾


والله أكبر ولله الحمد.ٍ