كتب ـ محمد آدم:

قد يتصور كثيرون أن انتشار مظاهر الإلحاد وعدم الإيمان بالله هذه الأيام خاصة في الغرب، أدى إلى عزوف شعوب العالم عن الأديان والتدين، إلا أن دراسة نشرتها صحيفة "الجارديان" البريطانية أظهرت أن 84٪ من سكان العالم لا يزالون يؤمنون بالأديان، والعالم لا يزال أكثر تدينًا، وليس أقل.

الدراسة التي جاءت بعنوان: "لماذا أصبح التدين أكثر شعبيةً في عالم اليوم" واهتمت بتأثير الأديان في العالم وتدخلها في السياسة، أظهرت أن الإسلام هو الدين الأسرع نموًّا في العالم؛ بل وينمو أكثر من ضعف سرعة نمو إجمالي سكان العالم، وأنه بين عامي 2015 و2060، من المتوقع أن يزيد سكان العالم بنسبة 32٪، لكن من المتوقع أن ينمو السكان المسلمون بنسبة 70٪، برغم أن الدين يتضاءل في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، ولكنه ينمو في كل الأماكن الأخرى.

وأوضحت أن المسيحيين يشكلون أكبر مجموعة دينية في العالم، بتعداد 2.3 مليار نسمة أو 31.2٪ من مجموع سكان العالم البالغ 7.3 مليار نسمة، ويأتي بعدهم المسلمون 1.8 مليار نسمة، أو 24.1٪، والهندوس 1.1 مليار، أو 15.1٪، والبوذيون 500 مليون، أو 6.9٪، ومع أن المسيحيين سيتجاوزون نسبة النمو السكاني بالعالم خلال تلك الفترة، مع توقع زيادة قدرها 34٪ بفضل النمو السكاني في إفريقيا، فمن المرجح أن تفقد المسيحية صدارتها في جدول الأديان بالعالم لصالح الإسلام قبل منتصف هذا القرن، بحسب الدراسة.

وهناك 14 مليون يهودي في العالم، أي حوالي 0.2٪ من سكان العالم، معظمهم في الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

وبحسب الدراسة من المقرر أن ينمو الهندوس بنسبة 27٪، واليهود بنسبة 15٪، ويرجع ذلك بشكل أساسي لارتفاع معدل المواليد بين اليهود الأرثوذكس المتطرفين، ومن المتوقع أن يشهد البوذيون انخفاضًا بنسبة 7٪ في أعدادهم.

الأمريكيون يدخلون الإسلام

وأشار التقرير إلى أن نسبة الأمريكيين الذين دخلوا في الإسلام تبلغ 23٪ من المسلمين الأمريكيين، وفي السنوات الأخيرة، ظهرت أدلة غير مؤكدة على اعتناق لاجئين مسلمين المسيحية في أوروبا، وأن الصين ربما تضمُّ مستقبلاً أكبر عدد من المسيحيين في العالم بحلول عام 2030؛ حيث عدد البروتستانت الصينيين بمعدل 10٪ سنويًّا منذ عام 1979 ليصل إلى ما بين 93 مليون و115 مليون نسمة، وفقًا لأحد التقديرات، وهناك تقديرات أخرى تشير لوجود 10: 12 مليون من الكاثوليك في الصين.

ويشير إلى أن المسيحية تتراجع في أوروبا الغربية، ففي أيرلندا، وهي دولة كاثوليكية، انخفضت نسبة الأشخاص المنتسبين للكاثوليكية من 84.2٪ إلى 78.3٪ بين تعداد عامي 2011 و2016، وانخفضت إلى 54٪ بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و29. ارتفعت نسبة غير المنتسبين لأديان إلى 9.8٪.

وفي أسكتلندا، وهي دولة أخرى غارقة في التقاليد الدينية، أصبحت أغلبية الناس، 59٪، غير دينيين الآن مع وجود عدد أكبر من النساء (66٪) عن الرجال (55٪) ممن ابتعدوا عن العقيدة المنظمة.

وترجع الدراسة زيارة ونقص نسب التدين إلى المواليد والوفيات، وليس التحول الديني، إذ يبلغ متوسط مواليد النساء المسلمات 2.9 طفل، أي أعلى بكثير من متوسط غير المسلمين الذي يقف عند 2.2، وبينما تبلغ نسبة المواليد من النساء المسيحيات 2.6، فإن النسبة أقل في أوروبا؛ فعدد الوفيات بين المسيحيين في أوروبا تجاوز عدد المواليد بنحو 6 ملايين بين عامي 2010 و2015، وفي السنوات الأخيرة، كان للمسيحيين نسبة كبيرة من وفيات العالم (37%).

وأظهرت الدراسة أن الذين يمارسون الأديان الشعبية أو التقليدية يبلغ تعدادهم 400 مليون، أي 6٪ من إجمالي سكان العالم، بينما يبلغ أتباع العقائد الوضعية الأقل ممارسة، بما في ذلك السيخية، والبهائية، والجاينية؛ ما يصل إلى 58 مليون، أي أقل بكثير من 1٪.

16% غير مؤمنين

وبخلاف الأديان السماوية والوضعية، هناك فئة كبرى من غير المؤمنين بالله عمومًا يبلغ عددهم قرابة 1.2 مليار شخص في العالم، أو 16٪، وليس لديهم أي انتماء ديني على الإطلاق، وبعضهم يرفض أن يوصف بأنه ملحد ولكنه يقول إنه يؤمن بالقوى الروحانية، أو الآلهة، أو القوى الموجهة، لكنهم لا يمارسون ديانة منظمة.

وطبقًا لتقارير خلال عام 2015، يوجد أكثر من 100 دولة وإقليم ليس لديهم دين رسمي أو مفضل.

وتشير الدراسة إلى أن بعض السكان يعتنقون ما يرونه دينًا جديدًا بينما هو ليس دينًا، ومن تلك الحركات الدينية الجديدة: النسخية، أو دين الإنترنت، وكنيسة وحش سباجيتي الطائر أو باستافارية "المعترف بها رسميًّا من قبل الحكومة النيوزيلندية"، وTerasem، وهي ديانة تعتقد أن الموت اختياري وأن إلههم هو التكنولوجيا!!

وتقول إنه في عام 2016، فشل معبد جيداي، الذي يتبع أعضاؤه مبادئ العقيدة المركزية لأفلام حرب النجوم، في مساعيه للاعتراف به بوصفه منظمة دينية، بموجب قانون الجمعيات الخيرية في المملكة المتحدة. 
 

علاقة الجغرافيا بالأديان

ويربط التقرير بين الأديان والجغرافيا، مشيرًا إلى أن ثلاثة أرباع المتدينين يعيشون في بلاد يشكلون فيها غالبية السكان، ويعيش الربع المتبقي كأقليات دينية، وأن منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي المنطقة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم، وكذلك الأكثر انتماءً للأديان، فهي موطن لـ99٪ من الهندوس بالعالم، و99٪ من البوذيين، و90٪ من أولئك الذين يمارسون الديانات التقليدية أو الشعبية، وبالمنطقة أيضًا 76٪ من الأشخاص غير المنتسبين للأديان في العالم، منهم 700 مليون صيني.

ويعيش 97٪ من الهندوس في 3 بلدان ذات أغلبية هندوسية: الهند وموريشيوس، ونيبال، بينما يعيش 87٪ من المسيحيين في 157 دولة ذات أغلبية مسيحية، فيما يعيش ثلاثة أرباع المسلمين في دول ذات أغلبية مسلمة، ومن بين غير المنتسبين لأديان، يعيش سبعة من أصل 10 في بلدان يشكلون الأغلبية فيها، بما في ذلك الصين، وجمهورية التشيك، وكوريا الشمالية.

في المقابل، يعيش معظم البوذيين (72٪) أقلية في بلدانهم الأصلية، بينما هناك سبعة بلدان يشكل البوذيون فيها أغلبية السكان هي: بوتان، وميانمار، وكمبوديا، ولاوس، ومنغوليا، وسريلانكا، وتايلاند.

وذكر التقرير أن 13 بلدًا "منهم تسعة في أوروبا" تعد المسيحية أو طائفة مسيحية معينة دين الدولة، وفي إنجلترا، تُعرف الكنيسة الأنغليكانية "كنيسة إنجلترا" كنيسة رسمية ثابتة في البلاد، ولها أدوار مهمة تتعلق بمناسبات الولاية. ويجلس 21 أسقفًا في مجلس اللوردات على اليمين.

وأن الحكومة الدينية المسيحية الوحيدة في مدينة الفاتيكان، وهي مدينة صغيرة ولكنها مركز قوي للكاثوليكية، إذ إن البابا هو السلطة العليا، ويرأس الفروع التنفيذية، والتشريعية، والقضائية لحكومة الفاتيكان.

ويؤكد أن الدولة الصهيونية تُعرّف نفسها على أنها "الدولة اليهودية" بأغلبية يهودية بنسبة 80٪، لكن الحكومة علمانية.

الدين والسياسة

وترصد الدراسة ما تقول إنه عواقب وخيمة لبعض المعتقدات والممارسات الدينية، مشيرة إلى أن الكثير من الحروب والصراعات لها بُعد ديني علني أو سري عبر التاريخ حتى يومنا هذا.

وترصد كيف فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2016 بدعم كاسح من المسيحيين الإنجيليين البيض، كما صوّت المشرّعون في الأرجنتين مؤخرًا ضد تشريع الإجهاض تحت ضغط الأساقفة الكاثوليك والبابا، وأشار رئيس الوزراء اليميني المتطرف في المجر، فيكتور أوربان، إلى الحاجة لحماية "الثقافة المسيحية" في بلده لتبرير سياساته المناهضة للهجرة.

وتشير إلى مسئولية من تصفهم بـ"المتطرفين الإسلاميين" في إشعال حروب في الشرق الأوسط، واضطهاد المسلمين الروهنجيا في ميانمار، وحركة بوكو حرام في نيجيريا، والصدامات العنيفة بين المسيحيين والمسلمين في جمهورية إفريقيا الوسطى.

ولكنها تؤكد أن هناك - بالمقابل - ملايين المؤمنين في جميع أنحاء العالم يشاركون في مشاريع العمل الاجتماعي لمساعدة الفقراء والمهمشين، مثل مشاركة الكنائس، والمساجد، والمعابد اليهودية في بنوك الطعام ومشاريع دعم اللاجئين، والمبالغ الاستثنائية التي جمعتها المؤسسات الخيرية الإسلامية لأعمال الإغاثة في بعض الأماكن الأكثر يأسًا في العالم.

وتزعم الدراسة أن المسيحيين طُردوا إلى حد كبير من الشرق الأوسط، فيما ترتفع معاداة السامية والإسلاموفوبيا في أوروبا، ولكنها تتجاهل التطرف الصهيوني والتطرف المسيحي.

وخلال مؤتمر "الحرية والمواطنة .. التنوع والتكامل"، الذي عقده الأزهر الشريف في الفترة من 28 فبراير إلى 1 مارس 2017م، بمشاركة قرابة 50 دولة، تعمد شيخ الأزهر أحمد الطيب، في كلمته التي جاءت حادة وصادمة للوفود المسيحية والرسمية الرد على نظرية السيسي التي يسعى لترويجها دومًا وكررها في لقاءاته من ادعاء أن مشاكل العالم سببها "الإرهاب الإسلامي".

فقد هدم شيخ الأزهر بكلمته نظرية "الإرهاب الاسلامي" التي ظل السيسي يروّج لها لينال رضا الغرب و"الرز"، وقال الطيب إنه لا يوجد إرهاب إسلامي واتهم الغرب ومجموعات مسيحية ويهودية وعلمانية بتبني الإهاب وتغاضى الغرب عنهم.

وقال شيخ الأزهر في كلمته إن "الإرهاب والعنف المسيحي واليهودي ضد المسلمين يمر في بقاع الدنيا بردًا وسلامًا على العالم الغربي".

وحمل شيخ الأزهر - في كلمته - الغرب وتيارات علمانية وملحدة أسباب التوترات والصراعات والحروب، وهاجم ازدواجية الغرب في اتهام الإسلام بالتطرف وأنه هو "أداة التدمير" وإغفال "صور العنف المسيحي واليهودي".