كتب- محمد آدم:

تدلل التسريبات الأخيرة حول صفقة القرن على أن ترامب حطم كل السوابق في تحقير حلفائه العرب والاستخفاف بهم، وأنه بات يوزع أراضي الدول العربية كيفما يشاء ويعطيها للصهاينة، والقادة العرب ينبطحون ولا يتكلمون.

فبحسب ما تسرب من تسريبات أخيرة لصفقة القرن المنتظر أن يجري إعلانها رسميًّا نهاية أبريل الجاري وعقب الانتخابات الصهيونية، يريد ترامب أن يتنازل الأردن عن منطقتي "الباقورة" و"الغمر" اللتين جرى توقيع اتفاق بالانتفاع بهما في اتفاق السلام الأردني الصهيوني، وانتهى هذا العقد في العام الماضي للصهاينة، ويحصل الأردن مقابل ذلك على أرضٍ سعودية!

أما المقابل الذي تحصل عليه السعودية فهو تيران وصنافير، المصريتين اللتين تنازل عنهما السيسي للسعودية أي مقابل بأثر رجعي.

أما باقي الصفقة فتتضمن أن يعطي ترامب الضفة للصهاينة، وأيضا القدس، ويسمح لأهل غزة بالتمدد في بعض مناطق سيناء الحدودية، وتكون غزة هي الدولة الفلسطينية أو تعطى غزة لمصر لإدارتها.

وقد كشف رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو المزيد من تفاصيل حول ما يسمّى "صفقة القرن" في مقابلة مع صحيفة "إسرائيل اليوم"، بقوله: إنه "لا دولة فلسطينية، لا تفكيك للمستوطنات، وسيادة إسرائيلية كاملة على القدس وغرب الأردن"، وفق تعبيره!.

وقال: إن "من يعتقد أنه سيكون هناك دولة فلسطينية تغلّف إسرائيل من الاتّجاهين فإننا نبلغه أنّ هذا الأمر لن يحدث".

وأضاف أن هناك "ثلاثة مبادئ، هي عدم اقتلاع أيّ مستوطن ولا أيّ مستوطنة، وإبقاء السيطرة في يد الإسرائيليين على كلّ المنطقة غرب الأردن أي أن البقاء هناك دائم، وعدم تقسيم القدس".

وكشف نتنياهو لصحيفة "معاريف" أيضًا عناصر "صفقة القرن": لا تقسيم للقدس (تبقى تحت السيادة الصهيونية)، سيطرة على كل المنطقة غرب الأردن (يعني لا تنازل عن أرض.. فقط إدارة سكان)، لا اقتلاع لأي مستوطن أو مستوطنة.

محدّدات "صفقة القرن"

وفي 27 مارس الماضي 2019 تحدث السفير الأمريكي في الكيان الصهوني عن محدّدات "صفقة القرن"، مؤكدًا أنها تضمن سيطرة أمنية صهيونية كاملة على الضفة الغربية، ووجودًا أمنيًّا صهيونيًا دائمًا في "غور الأردن"، واعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني.



وخلال كلمة "فريدمان" أمام المؤتمر السنوي للجنة العلاقات العامة الأمريكية - الصهيونية، كشف السفير الأمريكي، عن ثلاثة محددات أساسية لخطة واشنطن لحلّ القضية الفلسطينية، المعروفة إعلاميًا باسم "صفقة القرن" هي: "السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية المحتلة، والوجود الأمني الإسرائيلي الدائم في منطقة غور الأردن (بين الضفة والأردن)، واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل".

وينتمي فريدمان إلى أفراد الفريق الثلاثي الذي يعمل على إعداد "صفقة القرن"، إلى جانب كبير مستشاري الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، والمبعوث الخاص للمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات.

وقال السفير الأمريكي إنه "إذا تَغلّب الإرهاب على يهودا والسامرة (الاسم التوراتي للضفة الغربية) بالطريقة التي حلّت بقطاع غزة بعد انسحاب جيش الدفاع الصهيوني من هذه المنطقة، هل يمكن أن نترك هذا لإدارة (في إشارة إلى الإدارة الأمريكية التي ستخلف إدارة دونالد ترامب) قد لا تفهم حاجة الصهاينة إلى الحفاظ على السيطرة الأمنية المهيمنة على يهودا والسامرة، وموقع دفاع دائم في غور الأردن؟".

وتكشف هذه التطورات عن أن الإدارة الأمريكية الحالية خرجت عن القواعد التي سارت عليها جميع الإدارات الأمريكية السابقة، التي رفضت الاعتراف بمدينة القدس عاصمةً للكيان الصهيوني، ورفضت نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، ورفضت نزع صفة (محتلة) عن الضفة الغربية وقطاع غزة.

القادة العرب مشاركون في المؤامرة

وتشير تصريحات المسئولين الأمريكان لأن القادة العرب متورطون حتى آذانهم في هذه الصفقة ويعلمون بها ومستعدون للتنازلات رغم التصريحات العنترية عن رفضها أو محاولة الظهور بما لا يعلم عنها شيئًا، كما يحاول قائد الانقلاب رغم أنه هو بنفسه قال لترامب على مسمع من أعلام العالم: إنه خادمه المطيع ومستعد لتنفيذ دوره الذي يأمره به ترامب في هذه الصفقة.

ومن المتوقع طرح "صفقة القرن" التي يطلقون عليها اسم "بنود مشروع السلام الجديد في المنطقة العربية" عقب الانتخابات الصهيونية 9 أبريل 2019، بعدما بلورها صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب جاريد كوشنر، وتسوقها بعض الدول العربية في سبيل الضغط على دول أخرى.

وهو ما يعني أن تتحول المنطقة العربية لواقع أمني جديد، وتشهد تطبيق ما يشبه "سايكس بيكو" جديدا يحمل عنوان "السلام بالقوة"، يقوده جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، والذي قد يغير كل معادلات السلام في الشرق الأوسط وفقًا لما يراه ترامب كصفقة سياسية تجارية بين تل ابيب والأنظمة العربية، ما سيكون شرارة ثورة شعبية جديدة ضد هذه الانظمة الخائنة المتنازلة عن الأرض.

حيث تعول أمريكا على عدد من الدول العربية، كالسعودية ومصر والأردن، للعب دور الشريك تارة، والضاغط تارة أخرى لتحقيق هذا المشروع، بينما تتجاهل الفلسطينيين أصحاب القضية.

فمن المخطط له أن تتكفل دول الخليج بتوفير نحو 10 مليارات دولار لإقامة الدولة الفلسطينية وبنيتها التحتية، ومنها مطار وميناء بحري في غزة، إلى جانب مشاريع للإسكان والزراعة ومناطق صناعية ومدن جديدة.

وهناك تفاصيل أخرى عن صفقة القرن أوردها الصحفي الأمريكي "مايكل وولف" في كتابه "النار والغضب" توضح بشكل جلي انحياز المشروع لخدمة مصالح الكيان الصهيون بالدرجة الأولى وتجريد الفلسطينيين من حقهم في إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وبمقتضى هذا المشروع الجديد، فإن الأردن ستأخذ جزءًا من الضفة الغربية، ومصر ستأخذ غزة، وهو ما يتسق مع تسريبات أمريكية وصهيونية بأن يتم ضم غزة لسيناء بدعاوى إشراف مصر عليها بينما الواقع هو التنازل عن أجزاء من سيناء.

وتنص هذه الصفقة كذلك، وفقًا لما تم تسريبه حتى الآن، على إنشاء دولة فلسطينية تشمل المنطقة "أ" و"ب" وأجزاء من منطقة "ج" منزوعة السلاحِ في مناطق من الضفة الغربية بسيادة فلسطينية على أراضيها محدودة وليست مطلقة، وقبول بقاء المستوطنات الصهيونية في الضفة، والتخلي عن القدس عاصمة لفلسطين واستبدال بلدة "أبو ديس" بها، فيما يتنازل اللاجئون الفلسطينيون عن حقهم بالعودة، ويحصلون على تعويضات مالية.

وتسعى واشنطن إلى استغلال العلاقة الجيدة التي تربط بين الرئيس الأمريكي وصهره من جهة، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان من جهة أخرى إلى دفع السعودية لتسويق هذا المشروع وتحويل بوصلة احتلال الصهاينة أراضي عربية إلى التركيز على إيران كعدو بديل يشكل خطرًا أكبر على المنطقة، بحسب واشنطن وتل أبيب وبعض العواصم العربية.

وهذا ما يفسره كشف صحيفة "هآرتس" العبرية أن كلاًّ من السعودية والإمارات تتقاسم بشكل دائم مع الصهاينة الكثير من المعلومات الاستخبارية، وأن رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو استنفر للدفاع عن محمد بن سلمان في أعقاب اغتيال خاشقجي.

وقالت الصحيفة: إن "التقاء المصالح السعودية الصهيونية أسفر عن تشكل واحد من أهم المحاور الإقليمية في الشرق الأوسط، على الرغم من أنه لا يتم الحديث عنه بتوسع"، مشيرة إلى أن منظومة العلاقات التي تربط الرياض بتل أبيب بالغة الحساسية.

دور السيسي في الصفقة

تقوم الخطة علي ضم أجزاء من سيناء الي قطاع غزة، أو ضم القطاع إلى سيناء تحت سيادة مصرية ودعم سعودي، بحسب ما يعلن، لذر الرماد في العيون، ونفي وجود تنازلات للسيسي عن أرض سيناء، وهذا جزء من تنازلات السيسي لترامب لتمرير التعديلات الدستورية وحماية أمريكا لنظامه وتثبيت بقائه في الحكم، في ظل خسارته لقواعده الشعبية المحلية؛ بسبب الانتهاكات الإنسانية المتتالية.

ومقابل هذه التنازلات المصرية - ومنها التنازل عن تيران وصنافير  - ستدعم السعودية مصر بمنح مالية، علمًا أن السعودية دعمت السيسي وفقًا لما هو معلن في تصريحات وزيرة التعاون الدولي والبنك المركزي خلال الـ5 سنوات الماضية، بنحو 70 مليار دولار، قُدّمت على شكل استثمارات ومشروعات ودفعات لسد العجز المالي، بالإضافة إلى توفير حاجة مصر النفطية لمدة 5 سنوات.

فبالنسبة لغزة، يقوم التصور المطروح على دمجها فيما سيتبقى من الدولة الفلسطينية الجديدة في الضفة، بشرط موافقة حركة "حماس" على نزع السلاح، هي وكافة الفصائل الفلسطينية، وفي المقابل سيتم منح تسهيلات لحركة الفلسطينيين، ورفع الحصار عن القطاع، فضلًا عن إعادة إعمار القطاع بمليارات الدولارات، تتكفل بها الدول الخليجية.

ولا يعرقل هذه الخطط سوي الموقف الفلسطيني الرافض لمشروع صفقة القرن جملةً وتفصيلاً، وهو ما دفع ادارة ترامب لتشديد الحصار على السلطة وغزة بوقف التعاون مع السلطة وتقليص المنح الأمريكية ووقفها وبمنع وصول منحة أمريكية بقيمة 10 ملايين دولار من العراق إلى الفلسطينيين كان من المفترض أن يتم تسليمها من خلال جامعة الدول العربية.

كما قلّصت الولايات المتحدة مساعدتها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"؛ ما سبّب أزمة مالية كبيرة، دفعت لطرد عدد كبير من الموظفين وإيقاف جزء من المساعدات.