قامت الثورة المباركة في مصر؛ من أجل تغيير النظام الفاسد تغييرًا جذريًّا، واستعادة الحرية والسيادة والكرامة في ظلِّ ديمقراطية حقيقية، وتمت عدة إنجازات كان أهمها إجراء انتخابات مجلس الشعب بطريقة نزيهة، شارك فيها ثلاثون مليونًا من المصريين، وأصبح المجلس هو الممثل الحقيقي للشعب المصري، وعقد عدة جلسات رائعة تبنى فيها مطالب الثورة وعلى رأسها محاكمة قتلة الشهداء، وتعويض أهلهم، ورعاية المصابين، وكذلك وقف بشدة في وجه محاولة سلبه بعض اختصاصاته التشريعية بإصدار قانوني الأزهر الشريف، والانتخابات الرئاسية قبل اجتماعه بأيام قلائل.

 

ولكن ذلك لم يرق لبعض الأفراد والمجموعات، بعضها ادعى بطلان مجلس الشعب، وعلو شرعية الميدان على شرعية البرلمان، ومن ثم قرأنا وسمعنا من يتنادى منهم بمنع أعضاء البرلمان من دخوله، ومنهم من هدد بالعدوان عليهم، ومنهم من ادعى أنه سوف يصدر أمر تكليف لنواب الشعب بتنفيذ مطالب الثورة في مزايدة إعلامية واضحة، واستغلوا في هذه المجالات شعارات متفق عليها من الشعب كله مثل "القصاص للشهداء" ورحيل المجلس العسكري، وهذا الأمر الأخير محل خلاف في توقيته فقط، فهم يطالبون برحيله الآن فورًا، والآخرون ونحن منهم نطالب برحيله بعد استكمال سائر المؤسسات الدستورية ليتسنى تسليم السلطة لمؤسسات شرعية، كما أن رحيله الفوري سوف يترك فراغًا أمنيًّا يكون ساحةً لفوضى عارمة في البلاد، خاصة في غياب دور الشرطة الفعال، ونحن مع ضغط الفترة الانتقالية الباقية إلى أقل مدة ممكنة شريطة أن تتوافق الإجراءات مع مواد الإعلان الدستوري الذي استفتي عليه الشعب في مارس 2011م.

 

والغريب أن هؤلاء الذين يطالبون الآن برحيل المجلس العسكري فورًا هم الذين كانوا يتوسلون له أن يبقى لمدة سنتين أو ثلاث؛ لأنهم غير جاهزين للانتخابات والإخوان فقط هم الجاهزون، وكانوا يطالبون بالدستور أولاً قبل الانتخابات، والآن يطالبون بانتخابات الرئاسة أولاً قبل الدستور، ويهاجمون الإخوان ويسبونهم وفي نفس الوقت يطالبون بتسليم رئاسة الدولة لرئيس مجلس الشعب، ونحن على يقين بأنه حتى لو استجيب لكل طلباتهم لاستحدثوا أسبابًا جديدة لافتعال المشكلات والأزمات وتعويق مسيرة الديمقراطية والثورة ما دامت لم تأتِ في البرلمان بمن يريدون.

 

إننا نطالب المجلس العسكري ووزارة الداخلية بتحمل مسئولياتهما في حماية البرلمان وسائر مؤسسات الدولة التي تتبنى بعض تلك المجموعات نظرية وجوب هدمها جميعًا بما فيها مؤسسة الجيش قبل إعادة بناء الدولة.

 

كما نطالب المجلس العسكري ووزير العدل بالإسراع باتخاذ الإجراءات القانونية ونشر المعلومات التي تمَّ التوصل إليها من التحقيقات التي طالت مدتها بخصوص هؤلاء الأفراد والمجموعات التي تلقت التمويل والتدريب في الخارج من دول أجنبية، ويتم استخدامها حتى الآن في تمويل عمليات الفوضى والعدوان والتخريب، ويتم التنسيق بينها بصورة ملحوظة في كلِّ سيناريو، فإن التستر على هذه المعلومات تفريط في حقِّ مصر وشعبها، وتشجيع على استمرار عمليات الهدم، لا سيما أننا سمعنا من كثير من المسئولين عشرات الوعود بالكشف عن هذه المخططات.

 

إن هناك كثيرًا من وسائل الإعلام، لا سيما تلك التي يمتلكها بعض رجال أعمال لهم صلة بالنظام البائد تؤجج نيران هذه الفتنة، وتنفخ فيها وتروج الإفك؛ في محاولة لتوجيه الرأي العام المصري ضد البرلمان وضد الإخوان المسلمين نظرًا لتوجهات بعض الإعلاميين العلمانية والليبرالية واليسارية، الأمر الذي يثبت كراهيتهم للديمقراطية التي طالما تغنوا بها، وعدم احترامهم لخيار الشعب وإرادته.

 

وفي النهاية فإننا نتوجه إلى الشعب المصري الحبيب أن يتمسك بثورته وأهدافه ومبادئه، ويحميها برفض أساليب الهدم والتخريب والعدوان، وعدم الانخداع بالشعارات الرنانة التي هي من قبيل الحق الذي يراد به باطل، وأن يحرص على إتمام المسيرة الديمقراطية، ونقل السلطة بطريقة سلمية هادئة؛ للتحول إلى حالة الاستقرار التي هى شرط للبناء والنهضة والتقدم، وإن الإخوان المسلمين الذين طوقتم أعناقهم بثقتكم الغالية لن يفرطوا في الأمانة، ولن يحيدوا عن الطريق، ولن يتخلوا عن الأهداف والمطالب من أجل مصر ومن أجل شعبنا العظيم، مهما نالنا من أذى مادي ومعنوي، وشعارنا لمن آذونا (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)) (إبراهيم).

الإخوان المسلمون

القاهرة في : 9 من ربيع الأول 1433هـ الموافق 1 من فبراير 2012م.