في مثل هذه الأيام من عام 1954م ( 26 من أكتوبر) اخترع جمال عبد الناصر حادث المنشية، لفق الحادث للإخوان ليكون سببًا في ارتكاب أكبر مذبحة في تاريخ  مصر ضد الحريات وحقوق الإنسان.

 

لقد تم القبض على كل من ينتمي للجماعة, تم إعدام ستة منهم, أما من بقي معتقلاً فقد رأى- بدون شك- الموت بعينيه, من هول التعذيب, من بشر ليسوا بالبشر, بل هم شياطين في صورة بشر.

 

 لقد تفننوا في (سلخ) المقبوض عليهم, دون موتهم, حتى صار الموت بالنسبة لهم أرحم بكثير مما يعانونه في هذا الجحيم المسمى (السجن الحربي)، كانوا ينظمون حفلات استقبال للواردين من الإخوان بعاصفة من الصفع  والركل والضرب بالعصي والكرابيج, ثم يحشرونهم حشرًا في زنازين مميتة, لا تفتح عليهم سوى مرتين في اليوم ولمدة خمس دقائق لتغيير الماء وتفريغ جرادل قضاء الحاجة, وقد مارس الطواغيت كل أساليب الإذلال والإهانة مع المعتقلين.

 

ومن أرادوا المبالغة في تأديبه حبسوه انفراديًّا وجعلوا معه الكلاب المتوحشة الجائعة, أو رموه في زنازين مملوءة بالماء العطن, كي يحرموه النوم, وكانوا يأتون بنساء  وأخوات وأمهات المعتقلين ويهددون ذويهم بفعل الفاحشة معهن.. أما من يئسوا من التعاون معهم للكذب على إخوانهم وتلفيق التهم لهم, فكانوا يقتلونه ويكتبون في سجلاتهم (هرب من المعتقل), لقد قتلوا أكثر من مائة من الإخوان أثناء التحقيق والمحاكمات, عٌثر على جثث عدد منهم عندما  كان الأهالي يشيدون بيوتهم بمنطقة مدينة نصر, فكانوا يعثرون على جثة أحدهم وكأنه دفن اليوم- رحمهم الله جميعًا- لقد استباحوا قتل الإخوان جهارًا نهارًا حتى رأى المعتقلون- بأم أعينهم- إخوانهم يقتلون أمامهم بأخس وسائل القتل, وهم من هم, صفوة المجتمع وخيرة أبناء البلد.

 

وفي أول نوفمبر 1954م, أصدر مجلس قيادة الثورة أمرًا بتشكيل محكمة مخصوصة (محكمة الشعب) برئاسة جمال سالم وعضوية أنور السادات وحسين الشافعي لمحاكمة الإخوان، وقد نص تأليف المحكمة على إنشاء مكتب للتحقيق والادعاء يلحق بمقر قيادة الثورة يتولى القبض على المتهمين وحبسهم احتياطيًّا.

 

وقد عقدت أول جلسة لهذه المحكمة صباح يوم 9 من نوفمبر 1954م - أي بعد أسبوعين بالضبط من حادث المنشية, وقد حوكم أمامها كبار قادة الإخوان الذين كانت تستغرق محاكمة الواحد منهم ساعة أو ساعتين على الأكثر, بل نظرت المحكمة في يوم واحد (9 من ديسمبر) قضايا 28 متهمًا, وفي (21 من ديسمبر) نظرت 48 قضية, وهكذا بخلاف المهازل التاريخية الكبرى التي شهدتها تلك المحاكم، وبدا لكل ذي عينين: تعطيل تلك المحاكم للقوانين, وتناسيها جميع الشرائع وحقوق الإنسان, وإصرارها على تنفيذ خطة إبادة ضد جماعة الإخوان المسلمين وكل من له صلة بالدين.

 

وفي 7 من ديسمبر 1954م, أصدرت محكمة الشعب أحكامها بالإعدام على سبعة من قيادات الإخوان على رأسهم المرشد العام حسن الهضيبي, وفور إعلان الحكم اندلعت المظاهرات والاحتجاجات الحاشدة حول السفارات والقنصليات المصرية في السودان وسوريا ولبنان وباكستان، تندد بالأحكام وتهتف ضد الطاغية عبد الناصر، وقد تدخل زعماء العالم طلبًا لتخفيف الأحكام, وهنا سارع عبد الناصر بتخفيف الحكم عن المرشد إلى الأشغال الشاقة.

 

وفي 27 من ديسمبر 1954م, تم تنفيذ حكم الإعدام شنقًا في ستة من الإخوان هم: محمود عبد اللطيف, يوسف طلعت, هنداوي دوير, إبراهيم الطيب, محمد فرغلي, عبد القادر عودة. وقد نقل الستة من السجن الحربي إلى سجن الاستئناف في الليلة السابقة, وبذلت محاولات عديدة لإثناء عبد الناصر عن تنفيذ هذه الجريمة ولكن دون جدوى.

 

 قال عبد القادر عودة، وهو آخر من نفذ فيه الحكم: (إن دمي سيكون لعنة على رجال الثورة)، كان أول من نفذ فيه الحكم محمود عبد اللطيف, ثم يوسف طلعت, إبراهيم الطيب, هنداوي دوير, محمد فرغلي.