اعتدت أن ألتقيه كل فترة؛ لأستنير برأيه فيما يجرى من أحداث؛ ولأنه ممن قيل فيهم: تذكرك الله رؤيته، وقد عرك الحياة وعركته، وقرأ وسافر وتنقل هنا وهناك، وشارك فى أحداث وراقب أخري، فهو محلل واع، صادق أمين، لا يفتر عن الذكر، ولا يقصر فى طاعة، له عينان حادتان، إحداهما تطل على الدنيا والأخرى على الآخرة..



- سألته: هل مرّت عليك محن كالتى نعيشها الآن؟


- أجاب: نعم، لكنها لم تكن ببشاعة هذه المحنة وفُجر من قاموا بها.


- كيف؟!


- فى المحن الأولى كانت المؤامرة عالمية كما هى الآن، لكنها لم تكن بهذا السفور والإجرام، كان (الأشاوس) يتلقون الأوامر من الغرب لضرب الإسلام، لكنهم فى الوقت ذاته يفعلون ما يظنه الناس خدمة للدين وإضافة للدعوة، أما هؤلاء فلم تعد تعنيهم جماهير ولم يعودوا يتوارون بما يرتكبون من جرائم ضد الدين والوطن، بل يفتخرون -أحيانًا- بالتخطيط لهذا الإجرام.


- وما الحل إذًا؟!


- كثير من الصبر والثبات، ثم كثير من الصبر والثبات.


- وهل هذا حل؟!


- هذا طريق الأنبياء والرسل، ولا حل سواه.


- لكن الله أمر برد الاعتداء، والدفاع عن النفس، وفرض الجهاد وسن الإنفاق من أجل ذلك؟


- أعلم ذلك، لكن ذلك يكون مع غير المسلمين ممن أعلنوها حربًا علينا، واجتهدوا فى فرض الكفر على أبناء ملتنا.


- والذين قتلوا الشباب والأطفال والشيوخ، واغتصبوا النساء وصادروا الأموال؟


- كل أمر يقدر بقدره.


- كيف؟


- يحاسب هؤلاء على ما فعلوه؟


- من يحاسب من؟


- أنا أتحدث عن فترة قد تطول، لكن القاتل سوف يحاسب على قتله، والمغتصب سوف يحاسب على ما فعل.


- متي؟


- إن ثبت الناس، ولم يتخلوا عن مبادئهم، ورابطوا على ما هم عليه حتى يزهق الباطل ويندحر.


- هذا كلام غير منطقى ولا يقبله الشباب بعدما رأوا القتل والسحل والإهانة من مجرمين لا يعتبرونهم مسلمين.


- وما البديل؟


- أنا أسألك، كيف يقتص أهالى القتلى والمنكوبون إذا الجهات التنفيذية كلها مسيسة متواطئة مع هؤلاء القتلة.


- أعتقد جازمًا أن هؤلاء القتلة يودون أن يلجأ الشباب إلى هذا البديل، بديل المواجهة، وهذا سيخلق ساحة عظيمة من الفوضى والدماء، سوف يخسر فيها الجميع، أما الرابح فهم الصهاينة والغرب - تمامًا كما يحدث فى سوريا الآن.


- إذًا، أنت ترى أن يظل الناس يدورون فى هذه الدائرة، يستسلمون للقتل والسجن والمطاردة، وتصادر أموالهم وتنتهك أعراضهم وهم صابرون؟


- أبدًا، لم أقل هذا، إننى أؤكد أن طريق النضال السلمى هو الأسلم والأوفق، وقد أمرنا به إذا كان الخصم مسلمًا يدعى الإيمان ولو كان منافقًا خالصًا، ولم نؤمر بغير هذا الطريق،  أما غيره من الطرق والبدائل فمحفوفة بالضياع ونتائجها كارثية بكل تأكيد، خصوصًا أننا مستهدفون من أطراف خارجية هى التى توجه هؤلاء فى الداخل، وهى حريصة -أى هذه الأطراف الخارجية- كل الحرص على أن تقع المواجهة، فهؤلاء لا يهمهم هؤلاء العملاء فى الداخل قدر اهتمامهم بإفناء البلاد وضياع العباد.


- أنت إذًا تفرّق بين الكافرين وبين هؤلاء المسلمين الذين ارتكبوا أفعال الكافرين؟


- نعم، وهذه قضية تحتاج إلى تمحيص وتأن، فإنى وأنت لا نملك تكفير هؤلاء وإن كان ما يقومون به يشبه أعمال الكفار، لكنهم -حقيقة- لم ينطقوا بكلمة الكفر، ولم يأتوا أفعالا يأتيها الكافرون، وحتى لو قالوا وفعلوا ما يعد كفرًا فتبقى كلمة العلماء فيهم، وأقصد بالعلماء: الإجماع من طائفة ثقات يثبتون ذلك ويؤكدونه، وليس عالمًا وحيدًا يصدر فتوى منفعلة لا يقدر ما وراءها.


- بصراحة، هذا يعنى رضاءنا عن الواقع الكارثي، وتسليمنا بالهوان، وقبولنا باستقرار الدمويين واستعلائهم علينا؟


- لا يقبل مسلم واع بما تقول، وإنما يستنبئ شرع ربه ويستفتى الفقهاء الثقات، ولا شك أن شرع الله هو الأوجب فلا شرع غيره، والاتفاق بين العلماء الآن على أن المسلمين صنفان اثنان -بخلاف ما كانوا على عهد النبي-:  مسلمون وكفار، أما المنافقون فنياتهم إلى الله، فالمسلمون لا يحاربون وإن أتوا بأفعال كبيرة، فإن ثبت عليهم كفر -كما سبق- يحاربون فى الحال.. والانقلابيون المجرمون لا يزالون يظهرون صلاتهم وصيامهم وسائر نسكهم، من ثم فإنهم يحتمون بمظلة الإسلام، ويلوذون به مثلما يفعل سائر المسلمين.


- حسن، فهل توجز لنا ما يجب فعله من جانب أصحاب الشرعية والثوار وأصحاب الحقوق، كى يقتصوا لمن قتل ويحاسبوا من انقلب ويردوا الحقوق لأصحابها؟


- الناس فى جهاد سلمى منذ ما يزيد على السنة ونصف السنة، قد لا يرى البعض نتائج هذا الجهاد، لكنى بخبرات السنين أرى أن هناك إنجازات ومكاسب لا حصر لها، كان من المستحيل تحقيقها لو صارت حربًا ومواجهة بين الفريقين، فريق الحق وفريق الباطل.


- إنجازات؟!!


- نعم، لقد كان هذا الانقلاب كاشفًا، كشف الفساد والمؤامرات، وعرى الأصنام، ولو طال بنا العمر لانكشفت سوءات أخرى ما كانت لتنكشف لولا الجانب السلمى المحترم والراقى من جانب الثوار، فلو تبادل الطرفان النيران لاستوى الجميع فى انعدام الأخلاق وغياب الضمير والعمالة لجهات خارجية، ولضاعت القضية وتفرق الدم وصارت مصر صومالا أخري، من أجل ذلك لا بد أن يستمر أهل الحق فى طريقهم المرسوم، جهاد لا ينقطع، بضوابطه الشرعية، ونضال حسب ما سنته الشريعة وقررته الحضارات المعاصرة، والنتيجة محسومة لهم لا شك فى ذلك، لا أقول هذا بناء على انفعال عاطفى أو من زاوية دينية، بل هكذا التاريخ، فما ضاع حق وراءه مطالب..


- قلت: أستأذنك فى نشر ما دار بيننا، وليكن انطلاقة لحوار طويل يحسمه القراء.


- قال: أذنت لك.. والله المستعان.