يشعر الكثيرون بغصة تجاه الإعلام المصري تجعلهم يخلطون الحابل بالنابل، ويضعون جميع الصحفيين والإعلاميين في قفص الاتهام، وبالتالي يتمنون لهم الويل والثبور، عقابا لهم على ما جنوه بحق الوطن والشعب والثورة والتجربة الديمقراطية الوليدة.

 

يغفل هؤلاء الغاضبون أن هناك من الصحفيين والإعلاميين من دعوا للثورة على نظام مبارك، ودفعوا من أجل ذلك أثمانا، وأن منهم من شارك في ثورة يناير منذ يومها الأول، سواء بشخصه أو بكلمته المنطوقة أو المكتوبة أو المصورة، وأن منهم من سقط شهيدا ضمن أوائل شهداء الثورة( الشهيد أحمد محمود)، الذي تبعه لاحقا شهداء آخرون لهذه المهنة، بدءا من صلاح حسن والحسيني أبو ضيف، ومرورا بأحمد عاصم وأحمد عبد الجواد وحبيبة عبد العزيز ومصعب الشامي وتامر عبد الرؤوف ومحمد حلمي ومصطفى الدوح وميادة أشرف، وصولا إلى شريف الفقي شهيد الألتراس، بالإضافة إلى الصحفي البريطاني مايك دين.

 

لقد استشهد هؤلاء الصحفيون والمصورون وهم يؤدون واجبهم في نقل الحقيقة التي أراد لها العسكر أن تختفي تجت بياداتهم ومجنزراتهم، ورغم مرور أكثر من ثلاثة أعوام على أول شهيد للصحافة، ومرور أكثر من عشرين شهرا على بعض الشهداء الآخرين، لم يتم القصاص العادل لهم ممن قتلهم.

 

وفي هذه الأيام، التي تشهد حملات انتخابية للمرشحين لانتخابات نقابة الصحفيين التي ستجري الجمعة المقبلة، كنت أتوقع أن يكون القصاص لشهداء المهنة بندا رئيسيا في برامج المرشحين، كما كنت أتوقع أن تكون المطالبة بالإفراج عن سجناء الصحافة، وعددهم يقارب المئة، بندا رئيسيا أيضا لدى جميع المرشحين، باعتباره أمرا فوق الخلافات السياسية كما كان دوما من قبل.

 

تجاهل نقابة الصحفيين لمطلب القصاص لشهداء المهنة، وتجاهلها لحوالي مئة صحفي وإعلامي سجين ،وقبولها بإغلاق 27 وسيلة إعلامية (قنوات-صحف-إذاعات أو وكالات أنباء خاصة) يكشف غلبة الانحياز السياسي على الانحياز المهني، ولنتذكر ما فعلته نقابة الصحفيين مع الحسيني أبو ضيف، ووقائع أخرى لسجناء صحفيين ينتمون لليسار أو الناصريين من قبل.

 

جاهل ضحايا الحقيقة لم يقتصر على نقابة الصحفيين وغيرها من النقابات ذات الصلة، بل امتد للمنظمات الحقوقية المعنية بحرية الصحافة والتعبير، التي حرصت على تقزيم المشكلة في نطاق أقل من حقيقتها، بالادعاء أن عدد القتلى أربعة فقط، وأن عدد السجناء بحدود العشرة، ومرد هذا التجاهل الحقوقي أيضا إلى غلبة الانحياز السياسي على الأداء المهني للقائمين على هذه المنظمات، الذين ينتمون في معظمهم للتيار اليساري والناصري، وقد تسبب تجاهل هذه المنظمات في الوضع المأساوي الذي وصلت إليه حرية الصحافة والتعبير في مصر في غياب أو نقص المعلومات لدى المنظمات الحقوقية الدولية والمؤسسات الدولية المعنية بحرية التعبير، وقد لمست ذلك خلال زيارتي الأخيرة لكل من باريس وجنيف على هامش اجتماعات الدورة الثامنة والعشرين لمجلس حقوق الإنسان، حيث قدمت لعدد من المسؤولين والمختصين بملف حرية الإعلام والتعبير في الأمم المتحدة وبعض المنظمات الحقوقية الدولية معلومات موثقة عن الشهداء والمحبوسين والصحف والقنوات المغلقة والبرامج والمقالات الموقوفة والقيود الجديدة على حرية الصحافة، وفاجأتهم أن عمليات وقف الصحف أو وقف طباعة بعض أعدادها طالت صحفا مؤيدة للسيسي، منها جريدة الوطن التي أوقفت السلطة طباعتها قبل يومين فقط من لقائي بمسؤولين في الأمم المتحدة، كما أن القتل و الحبس طال شخصيات من خارج التيار الإسلامي.

 

إن صمت نقابة الصحفيين وبقية النقابات والجمعيات والمنظمات والمراكز الحقوقية عن قتل وحبس الصحفيين وإغلاق الصحف والقنوات التي يختلفون معها سياسيا، شجع السلطة العسكرية الحاكمة على المزيد من الانتهاكات والضربات لحرية الصحافة، طالت من دعموا الانقلاب ولايزالون يساندونه، وسوف تستمر هذه الانتهاكات طالما استمر الانقلاب العسكري من جهة وصمت الصحفيين من جهة أخرى، وليتذكر الجميع دوما المثل(أكلت يوم كل الثور الأبيض).

--------
* نقلاً عن "عربي21"