بقلم: الأستاذ صالح عشماوي
 
احتفل المسلمون أمس بذكرى من أجلِّ الذكريات، ومعجزة من أروع المعجزات، تلك هي معجزة الإسراء والمعراج، ولست أريد سرد الوقائع والحوادث فقد تكفَّلت بذلك كتب السيرة، ولست أرمي إلى التحليل واستخلاص العبر، وما أكثرها في هذه المعجزة الخالدة، وأخيرًا لن أتعرَّض للدفاع عن ثبوت هذه المعجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الإسراء والمعراج كانا بالجسم والروح معًا وإلا لما كان هناك وجه للغرابة ولما استحقت أن تكون معجزةً.

لن أتناول شيئًا من هذا كله بالتفصيل، وسيرى من هذا كله بالتفصيل، وسيرى القارئ الكريم هذه النواحي جميعًا وقد عالجها إخواني وزملائي الكتاب في غير هذا المكان من "الدعوة".

وإنما أريد أن ألفت نظر المسلمين في يوم ذكرى هذه المعجزة الخالدة لسيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، وإلى لطيفة ربانية وإشارة إلهية، وردت في سورة الإسراء فقد قال تعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)﴾ وحين نزلت هذه الآية الكريمة لم يكن في بيت المقدس "مسجد أقصى"، وإنما كان هناك معبد، ولكن القرآن الكريم عبَّر بما سبق في علم الله وقدّر في الأزل، من إقامة المسجد الأقصى في هذه البقعة المباركة.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجه في صلاته إلى بيت المقدس في الوقت الذي كان يتمنى فيه على الله أن يتجه إلى المسجد الحرام، وظل الحال كذلك إلى أن نزل الوحي بالتوجه إلى المسجد الحرام، فتحوَّل الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه ومن ورائه المسلمون من القبلة الأولى إلى المسجد الحرام، قبلة المسلمين جميعًا إلى يوم الدين، وسجل القرآن الكريم ذلك في قول الله ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ (البقرة: من الآية 144).

وقد فهم الرسول عليه الصلاة والسلام وفهم الصحاب رضوان الله عليهم، هذه الإشارة الربانية؛ فحققوا قول الحق تبارك وتعالى وفتح المسلمون بيت المقدس في عهد عمر رضي الله عنه، وتحول المعبد القائم هناك وقتئذ إلى "المسجد الأقصى".

وما أحوج المسلمين في هذه الأيام أن يفقهوا من تعبير القرآن الكريم في سورة الإسراء عن المسجد الأقصى معنى كريمًا يدفعهم إلى حفظ الأمانة ولو بذلوا في ذلك دماءهم وأموالهم، ففي هذه الأيام قامت- ويا للأسف في قلب العروبة وفي صميم وطن المسلمين- دويلةٌ لقيطة تُدعى "إسرائيل"، وقد قامت على أكتاف شذَّاذ الآفاق وطريدي الشعوب الذين استطاعوا بمعاونة دول الاستعمار أن يستوطنوا أرض العرب، وأن يخرجوا سكانها الأصليين وأهلها الشرعيين هائمين على وجوههم مشردين ولاجئين!.

وهذه العصابات اليهودية لم يكفِها ما احتلت من أراضي فلسطين، وما استوطنت من أرض العرب والمسلمين، بل إنها لتطمع في وقاحة في توسيع رقعتها حتى تمتدَّ من الفرات إلى النيل! وأكثر من هذا أنها تحلم بضمِّ القدس وهدم المسجد الأقصى وتشييد هيكل سليمان على أنقاضه!.

وقد بدأت إسرائيل العربيدة في تنفيذ خطتها الإجرامية، واعتدت مرارًا على حدود الأردن وسوريا، وليس الاعتداء الوحشي على القوات المصرية في غزة ببعيد.

 وعلى هذا فالدرس الأول والمعنى البارز الذي يجب أن يفهمه المسلمون اليوم من تعبير القرآن الكريم في سورة الإسراء؛ هو أنه يجب أن يبقى المسجد الأقصى مسجدًا في أيدي العرب والمسلمين، ولا يتحول أبدًا إلى هيكل في أيدي اليهود، وبذلك يحافظون على الأمانة الغالية التي تسلَّموها من أسلافهم الصالحين وأجدادهم الأولين، وبذلك يبقى تعبير القرآن الكريم سليمًا وصحيحًا متجدِّدًا على مر الدهور وكرِّ العصور.

 وعلى المسلمين أن يعتمدوا بعد الله على أنفسهم وسواعدهم وعلى تضحياتهم ودمائهم، ومن الغفلة أن نعتمد على مجلس الأمن أو مجلس اللصوص، وقد خذلنا في جميع قضايانا، وعلى رأسها قضية فلسطين، وها قد رأينا أخيرًا كيف وضع بيرتز تقريره عن الاعتداء الوحشي الأخير، وفيه أيَّد "إسرائيل" وناصر وجهة نظر الصهيونيين!.

 فليفقه المسلمون قرآنهم كما فهمه الصحابة من قبل، ولينفذوا آياته وليوطدوا أنفسهم على رد العدوان بالقوة والعاقبة للمتقين .
ـــــــــــــــ 
#الوكيل العام لجماعة الإخوان في عهد الإمام البنا والمقال نشره  "إخوان أون لاين" في 14 يوليو 2009 ضمن مقالات نادرة جمعها عبد الحليم الكناني وعبده مصطفى دسوقي.