الصورة غير متاحة

 

 

 

 

 الصورة غير متاحة

 

يغلب على ظني أن من يرى هذه البطاقة سيعتقد أنها من نسج الخيال، أو أن مضمونها أمر نتمنَّاه فقط في مستقبلنا مع قواتنا المسلحة الباسلة، ولن يَرِدَ على ذهن أحد أنها بطاقة حقيقية!!

 

ولا عجب في هذا وقد استيأس المسلمون في الحقبة البائدة من عودتنا إلى القدس، وقد خيَّم طغيان الحكام على الأمة، وانصرفت الأنظمة العربية عن دعم قضية القدس والمدافعين عنها، وسارت في ركاب الحركة الصهيونية العالمية التي مرَّغت أنوفهم في التراب، وأخضعت رقابهم وجعلتهم سيوفًا مُسلَّطة على شعوبهم.

 

هذه البطاقة نموذج من البطاقات التي كانت القوات المسلحة ترسلها قبل حرب أكتوبر المجيدة إلى أهالي المحاربين، تشحذ بها هممهم، وتلهب بها مشاعرهم، وفيها كما يبين منها:

 

سوف نعود إلى القدس وسوف تعود القدس إلينا..

 

إننا في معركتنا القادمة لسنا جند الأمة فقط، ولكننا جند الله، حماة أديانه، وحماة بيوته، وحماة كتبه المقدسة.

 

مع صورةٍ خلفيةٍ لمسجد قبة الصخرة الذي يرمز إلى المسجد الأقصى والقدس الشريف.

 


وهذه بطاقة أخرى لما بعد عبور قناة السويس:

 

 الصورة غير متاحة

 

ولعلنا نقف في هذه البطاقة مع تعبيرات أحسب أنها مقصودة، ولها دلالات مختلفة عن تعبيرات أخرى قريبة منها: دنس الصهيونية - سبيلنا هو الجهاد.

 

بهذه الروح وبهذه العقيدة كان جنودنا يقاتلون، وكان المصريون يُودِعون أبناءهم في الجيش، وأتساءل مع غيري.. ما الذي تغيَّر؟ هل ضَعُفت قواتنا المسلحة أم تغيرت نظرتها إلى هذه القضية الكبرى من قضايا الأمة؟ وهل يحق لنا أن نأمل في عودة هذه الروح من جديد؟

 

لا يشكك أحدٌ في بسالة جيشنا العظيم، الذي يستطيع بأجساد أبنائه أن يقف في وجه أعتى الآلات الحربية، حينما يستشعر معية الله عزَّ وجلَّ، وحينما يتضح أمامه الهدف ويدرك الثواب.. لا نشكك في هذا إطلاقًا، ولكنه القرار السياسي المرتعش الذي كان مرتهنًا بالقرار الصهيوني الأمريكي؛ الذي ألبس الجبن والخَوَر ثوب الحكمة والمسئولية والتعقل!

 

وقد تبدَّل الموقف المصري الرسمي من مشهد الخنوع إلى مشهد القرارات الجريئة، كما رأينا في الأيام الماضية من الخارجية المصرية، بما يعدُّ عنوانًا ومقدمة لما ستكون عليه السياسة الخارجية المصرية تجاه الصهاينة في السنوات المقبلة، وتكرار النموذج التركي في التعامل معهم.

 

أضف إلى هذا ثورة الشعوب العربية بعد ثورة تونس ومصر، وما قد تفرزه من إزاحة الأنظمة المتعفنة، وميلاد أنظمة جديدة تكون نبضًا لشعوبها، مع ما يترتب على هذا من الصحوة الإسلامية بين أبناء الأمة بعد الإخلاء بين التيارات الإسلامية والشعوب، تلك الصحوة التي كانت الأنظمة البائدة هي الحاجز الأكبر أمامها بعدما تعمدت التضييق على الإسلاميين، وتجفيف منابع التدين عند الشعوب، وهي صحوة سيتبعها غضبة إذا ما أفاق المسلمون على مقدسات مدنَّسة وأعراض منتهكة وأراضٍ مغتصبة.

 

ويلوح في الأفق أيضًا مستقبل جديد للأزهر الشريف، ينتهي فيه من دور الأداة في يد الساسة إلى دور المحرك للأمة، والباعث لقلوب أبنائها وعقولهم، ويخرج من سجن التبعية والتهميش إلى أفق الريادة والمبادرة، وينطلق- كما كان دائمًا- من نظرة الضيق التي حاصرته زمنًا إلى سَعَة العالمية، مُحقِّقًا التلاحم بين المسلمين في مختلف بلاد العالم الإسلامي، حين يجمعهم جميعًا بالرباط الأوثق والعروة الوثقى: الإسلام.

 

وحينها تتداعى القلوب والأسماع والأرواح مقبلة عليه مقدرة له حاضنة لقراراته، تستشرف آمالها على ألسنة علمائه الذين نطقوا بالحق، وشهدوا بالصدق، ونأَوْا بأنفسهم عن ظلال العروش المثخنة بالذل، وصاغوا لأنفسهم وجودَهم الخاص المفعم بالهيبة والإجلال، شأنَ الربانيين الذين لا قِبلة لهم إلا رضا ربهم، ولذا يسعون مهرولين في دروب التنمية والحضارة وإرشاد الناس إلى الخير ودلالتهم على الهدى، متفاعلين مع أحداث الأمة داخليًّا وخارجيًّا، وهذا أشدُّ ما يخافه كلُّ محارب للأمة معتدٍ على مقدساتها!

 

وإذا تصدرَ الأمةَ من يعي حاجات شعبه، ويعيش همومه، ومن ينطق بالحق ويبذله غير متهيب ولا مرتجف؛ فإن المسافة التي تفصلنا عن الأقصى خطوة واحدة، أسمع دبيبها الخفيَّ آتيًا، يحشد الآمالَ بين يديه؛ لتكون حقيقة مضيئةً على صدر الوجود.. وساعتها يدوي الهتاف في أعماق النفس الواثقة: "إني أشمُّ رائحة الأقصى"..

 

إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا..

--------

* معيد بجامعة القاهرة.