- صعود الدور الشبابي والأسري أبرز منجزات الثورة

- الثورة بريئة من التغيير السلبي والعنف المستجد

- العلاقة الطبيعية عادت بين المسلمين والأقباط

 

تحقيق- يارا نجاتي، صفية هلال:

بعد عام على الثورة التي فجرتها الإرادة المصرية، استطاع المصريون القضاء على "السلبية" التي اتسموا بها لعقود طويلة قبل الثورة، فأسقطوا النظام الذي حكم لأكثر من 30 سنة، وما زالوا يناضلون لاستكمال ثورتهم، وبعدها بدءوا في التأسيس لحياة اجتماعية جديدة مليئة بالتغيرات والتحولات التي تسير في اتجاه الديمقراطية والتعاون والعزة والكرامة.

 

تغيرت الشخصية المصرية إلى الأفضل في كثيرٍ من صفاتها، التي كان أبرزها التكافل الاجتماعي، الذي تمثَّل في فكرة اللجان الشعبية لحماية المنشآت والمباني المهمة في بداية الثورة من البلطجة؛ بسبب الغياب الأمني، وأصبح المصري بعد الثورة أكثر ميلاً للانفتاح على الآخرين والمشاركة في الأعمال الاجتماعية.

 

وبرزت أدوار جديدة لفئات مجتمعية ألغى دورها النظام السابق، كصعود الشباب في العمل السياسي، والظهور كنجوم البرامج الإعلامية في الفترة الأخيرة؛ ما وفَّر لهم مساحات للتعبير عن آرائهم وطموحاتهم، وعزز بداخلهم الانتماء الوطني، وثاني أبرز هذه الأدوار هو التطور الذي حدث داخل الأسر المصرية كاملةً؛ حيث تغير الحديث ليكون أكثر تعبيرًا عن الشأن العام، وارتفعت قيمة قبول الرأي الآخر بداخلها.

 

الإيجابية والفعالية

تؤكد الدكتورة ثريا عبد الجواد (أستاذ ورئيس قسم علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنوفية) أن الإيجابية والفعالية أحد التغيرات التي أبرزتها الثورة، وطرأت على الشخصية المصرية بعد ثورة يناير المجيدة، فالخوف والسلبية والانكماش، وتفضيل الصمت كان يخيم على الشخصية المصرية قبل الثورة، وأصبح أكثر جرأةً على المطالبة بحقوقه وأكثر إيجابية وفعالية وظهر هذا بوضوح، كما حدث في الاستفتاء على التعديلات الدستورية والانتخابات البرلمانية الأخيرة.

 

وتشير إلى أن ما يبدو على السطح من تغييرات سلبية من (عنف وبلطجة وحرق وتدمير) في سلوك بعض طوائف الشعب المصري ليست بفعل الثورة، وإنما هي سلبيات متأصلة لدى فئات معينة، ساعد على صعودها على السطح الغياب الأمني، وغياب تطبيق القانون.

 

ديمقراطية الأسرة

وتشير إلى أن هذا التغيير بعد الثورة انسحب على الأسرة المصرية والتجمعات البشرية من نوادٍ ومجتمعات وغيرها، فأصبحت أكثر اهتمامًا بالسياسة، وحديثًا عن الشأن العام، وارتفع الولاء لدى أفرادها بعد أن كان الجميع يتمنى الرحيل قبل الثورة من قسوة ما كان يشعر به من مرارة الظلم والكبت والفقر في عهد المخلوع، وارتفعت الرغبة والسعي إلى تغيير الأوضاع إلى الأفضل قائلة: أضف إلى ذلك حالة الديمقراطية التي انتشرت داخل الأسرة الواحدة والإعلاء من قيمة القبول بالرأي والرأي الآخر.

 

القيادة الشبابية

وتوضح أن الثورة المصرية كان من أبرز نتائجها صعود الشباب واعتلائهم مناصب قيادية، ورئاستهم لحركات شبابية مثلت عنصر ضغط للدفع بعجلة الإصلاح إلى الأمام، مؤكدة أن المجتمعات الحية هي التي يلعب فيها الشباب دورًا بارزًا، مشيرة إلى أن الدور الشبابي قبل الثورة كان شبه مختف بفعل النظام المخلوع الذي كان لا يعطي الفرصة لظهور صف ثانٍ أو صعود شبابي في أي مجال، بالرغم من أن بداية التقدم في أي دولة يبدأ بالتجدد وتداول السلطة، والدوران لمراكز القوة في المجتمع.

 

وتضيف أن التركيبة الطبيعية والسكانية في مصر يمثل فيها الشباب نسبة 65%، آملة أن تنعكس هذه النسبة على إدارة شئون المجتمع ليس بحكم السن وفقط وإنما بحكم أن الشباب يمتلك مهارات وعلوم وفنون العصر والإدارة العصرية للمؤسسات، والفكر الجديد للنهضة والتقدم، قائلة: نتطلع إلى دور أكبر للشباب في المرحلة القادمة.

 

وحدة المسلمين والأقباط

فالعلاقة بين المسلمين والأقباط قبل وبعد الثورة كانت دائمًا يسودها روح التوحد والانسجام والاتفاق، فالشعب المصري لا يعرف إقصاء الآخر المختلف دينيًّا وعرقيًّا وهو شعب يؤثر ولا يتأثر، فمصر البلد الوحيد الذي لم يستطع الاحتلال أن يؤثر فيه، مؤكدة أن معظم حوادث الفتنة الطائفية التي شهدتها فترة ما قبل وبعد قيام الثورة كانت بتدبير من عناصر النظام المخلوع الذي كان يستفيد منها، ويبني قوة سلطانه على التفرقة بين طوائف المجتمع، فقديمًا قالوا في المثل (فَرِّق تسد) فعندما تستطيع القوى الحاكمة أن تجعل أبناء الوطن فرقاء، وأن تنزع الود من بينهم تصبح هي المستفيد الوحيد، وتنجح في إحكام السيطرة وفرض الهيمنة عليه.

 

الأخلاق إلى الأمام

تشير عبد الجواد إلى أن الأخلاق عنصر ثقافي لا يتبدل بين يوم وليلة، وكل شعب له مكنون أخلاقي إيجابي، واصفة مفهوم الأخلاق بأنه نسبي يخضع لطبيعة أداء النظام السياسي والاجتماعي، فكلُّ شعب له مكنون أخلاقي (إيجابي وسلبي) فإذا كان النظام الحاكم للبلاد قائم على العدل والمساواة ونشر الحرية وإعلاء قيمة الإنسان شاع الجانب الإيجابي، وإذا تعمد النظام إشاعة الفرقة والانقسام والظلم بين المواطنين انتشر الجانب السلبي، وطفى على السطح، فأداء المواطن في دولة القانون خاضع لأداء النظام.

 

الوعي السياسي

الوعي السياسي.. هو أبرز ما ظهر من تغيّر في شخصية المواطن المصري كما يرى الدكتور علي ليلة أستاذ النظرية الاجتماعية بكلية الآداب جامعة عين شمس، موضحًا بعض صور الوعي السياسي المصري كنتيجة لثورة 25 يناير، أولها أن الشعب أعاد اكتشاف نفسه من جديد وأنه فوق الحاكم، وليس خاضعًا له، لذلك فأي مسئول غير معفي من المحاسبة على أدائه تجاه الشعب.

 

كما تآكلت ثقافة الخضوع والسلبية وأصبح الشعب إيجابيًّا، مستعدًا للبناء على أسس سليمة بدون أي فساد.

 

ومن أحد صور الوعي السياسي التي ظهرت من خلال ملايين الناخبين الذين خرجوا ليشكلوا الطوابير التي وصلت إلى كيلومترات أمام اللجان الانتخابية، وكذلك في الاستفتاء على التعديلات الدستورية بعد التنحي مباشرة، هي إدراك المصريين لقيمة التحول الديمقراطي النظيف وأهميته.

 

ويبين أن قيام ثورة 25 يناير هو الذي دفع إلى التغيير، وكشف عن القيم المخفاة في المصريين بفعل القهر والضغط الذي تعرضوا له لسنوات طويلة، واشتياقهم إلى الحياة النظيفة في كل شيء، فرفض المصريين الرشى الانتخابية، وركزوا على البرامج والدعاية، وحاولوا التعرف على المرشحين أنفسهم.

 

ويشير إلى أن الاستعداد للتغيير كان موجودًا لفترات طويلة، فكان من السهل ظهوره وإخفاؤه؛ لأن الصمت عرض الشعب إلى الإيذاء والخضوع والاستجابة للقهر بكلِّ سهولة.

 

ويوضح أن الجوانب المادية تغيرت في المجتمع المصري خلال السنة الأولى من الثورة، كالوعي السياسي والقيم الديمقراطية، بينما الجوانب المعنوية تحتاج إلى بعض الوقت؛ لأنها تتغير ببطء كالقيم الأخلاقية والانضباط، الذي بدأ قطاره ولكنه يحتاج إلى المزيد ليكمل مشواره.

 

الكرامة

 ويرى الدكتور عبد اللطيف عمارة (أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة المنصورة) أن الثورة المصرية أثرت بالإيجاب على الشخصية المصرية في كثير من جوانبها؛ حيث ازداد شعور المواطن بعدها بعزته وكرامته، وليس أدل على ذلك مما شهدناه على شاشات التلفاز من اعتزاز المصريين بأنفسهم وإصرارهم على عدم إعطاء أصواتهم في الانتخابات الأخيرة إلا لمن يستحقها، على الرغم من وجود الرشى والمغريات الكثيرة لبيع الأصوات.

 

الانتماء

ويضيف أنه بعد الثورة تعزز الانتماء الوطني لدى أفراد الشعب المصري؛ حيث صار انتماءً مشرفًا لدولة يحترم فيها قرار الجماهير، فبعد أن كان المواطن مهزومًا بداخله، مسلوبة إرادته وشخصيته وهويته، وكان يعامل على أنه نكرة وليس له قيمة من النظام المخلوع، استعاد قدرته على العطاء في شتى المجالات، وثقته بنفسه على جميع المستويات (زوج وزوجة وأبناء) وصار الجميع يتعاونون بشفافية ووضوح على حلِّ جميع المشكلات التي تقابلهم، ويحدوهم الأمل في مستقبل مشرق في ظل حكومة ورئيس منتخبين.

 

ويؤكد عمارة أن العلاقة بين المسلمين والأقباط ظهرت في أبهى صورها أثناء فعاليات الثورة في ميدان التحرير، وتطورت إلى الأفضل بعدها، وثبت أن النظام البائد هو الذي كان يزرع ويروي هذه الفتن ويغذيها وليست "أحداث كنيسة القديسين منَّا ببعيد؛ حيث أشارت التحقيقات إلى فاعلها الحقيقي وهو النظام المخلوع، معربًا عن سعادته وفخره بقول البابا شنودة: بأن جميع التيارات السياسية وعلى رأسها الإخوان المسلمون شاركته في الاحتفال بعيد الميلاد، وذلك إيذان بعهد من الود والتسامح، وتقديم التهاني بين المسلمين والأقباط.

 

الأفضل والأسوأ

ويشرح الدكتور وليد رشاد الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن الثورة المصرية جاءت من مجتمع افتراضي وهو عالم الإنترنت و"الفيس بوك" والمواقع الاجتماعية المختلفة، بما تضمنه من قيّم اجتماعية كالحرية والديمقراطية، وظهور للقيادة الجماعية وليس الفردية، واختفاء الأيديولوجيات أو التوجهات الفكرية المختلفة، مضيفًا أن هذه القيم توحدت مع بداية الثورة خلال فترة ما قبل التنحي في الميادين، فصار الجميع بدون هوية يد واحدة.

 

ويقول: إن الشعب المصري خرج في بداية الثورة لرفع مطالب اجتماعية، تغيرت بعد إسقاط الرئيس إلى مطالب سياسية، وعادت الأيديولوجيات مرة أخرى للظهور، وخاصة مع السماح بإنشاء الأحزاب المختلفة على الساحة السياسية في مصر بكل حرية، فلم يستطع الشباب أن ينقل هذه القيم إلى واقع المجتمع خارج الميدان.

 

ويبين أن الانقسامات وضحت بين المصريين بسبب ما تقوم به وسائل الإعلام، التي أثرت في نفوسهم؛ بسبب التوجيه مع أو ضد قوى واتجاهات سياسية.

 

ويرى أن الثورة المصرية أظهرت أفضل ما في الشخصية المصرية من الشباب الذي يناضل من أجل الحرية والعدالة والمساواة، وحوّل مطلبه الاجتماعي إلى مطلب سياسي ودولة مدنية ودستور جديد وانتخابات.

 

كما أفرزت أسوأ ما في الشخصية المصرية؛ بسبب الانفلات الأمني الذي أظهر بعض أعمال البلطجة والعنف والشغب التي كانت موجودة من قبل؛ لكنها غير ظاهرة.

 

ويؤكد أن الحديث عن الشخصية المصرية هو مجرد انطباعات وآراء شخصية للباحثين؛ لأن أحدًا لم يجر أبحاثًا ميدانية أو اختار عينات دراسية محددة من الشعب أو قام باختبارات لمعايير القيم المصرية أو مقاييس نفسية، على المجتمع المصري.

 

وحول التغير في علاقات المسلمين والمسيحيين خلال الشهور الأخيرة من الثورة، يؤكد أنه لم تكن هناك مشاكل طائفية من قبل بينهم، وما كان يحدث هو فتنة الثورة المضادة.