- برلمان التزوير ضاعف احتقان المصريين وسخطهم

- هروب بن علي من تونس الشرارة التي أشعلت الثورة

- "الجمل" محت آثار خطاب الخداع وأظهرت دموية النظام

 

تحقيق: أحمد جمال

 

هي 5 أسابيع فقط سبقت ثورة 25 يناير، إلا أنها استطاعت أن تلخص وتحكي تاريخ أكثر من 30 سنة من الاستبداد والفساد والمقاومة والثورة..

 

ففي يوم 19 ديسمبر 2010م توقفت شوارع وسط القاهرة وأصاب مرورها شلل كامل، لتأمين زيارة الرئيس إلى مجلس الشعب ليشهد الجلسة المشتركة لمجلسي الشعب والشورى بمناسبة بداية الدورة البرلمانية الجديدة.

 

وعلى سلالم البرلمان وقف رئيسه أحمد فتحي سرور وبجواره صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى ومعهما وكلاء المجلسين لاستقبال مبارك، الذي دلف إلى البرلمان يرفع يده في كبر أمام الكاميرات متفاخرًا بفوز حزبه بنتيجة قاربت 100% من كراسي البرلمان.

 

 الصورة غير متاحة

 سرور والشريف في استقبال المخلوع

فيما تبادل المواطنون المحبوسون في سياراتهم وعلى الأرصفة وبالطرقات عبارات السخرية والاستهزاء من برلمان التزوير الذي شهد العالم كله تزييف نتيجته أمام الكاميرات، وعبر آخرون عن سخطهم بعبارات وهتافات تنادي بسقوط ذلك البرلمان وبطلانه، أو بالاعتراض على الشرطة التي تؤمن زيارة الرئيس، باعتبارها المدافع عن نظام الظلم والاستبداد.

 

سرور.. "موافقة"

وافتتح الجلسة رئيس المجلس المزور أحمد فتحي سرور والمعروف باسم "سرور موافقة" لدوره في تمرير قوانين النظام المخلوع وألقى كلمة رحب فيها بمبارك، مؤكدًا أن "نواب الشعب وهم يشرفون باستقبال الرئيس مبارك اليوم تحت قبة البرلمان يستلهمون من خطابه لهم خطط عملهم لدورة جديدة".

 

خليهم يتسلُّوا

 الصورة غير متاحة
أما مبارك فاستكمل نهج التزوير والتزييف بزعم متانة وقوة الاقتصاد المصري بفضل سياسات "الإصلاح الاقتصادي" التي أعطته قوة جديدة ودفعت به لـ"انطلاقة قوية" بمعدلات نمو مرتفعة، وأن الدولة تعمل من أجل انطلاقة جديدة للاقتصاد المصري.

 

وفي تعليق على فكرة البرلمان الموازي الذي أنشأه عدد من التيارات السياسية المعارضة والبرلمانيين السابقين ببرلمان 2005م ممن تم تزوير الانتخابات ضدهم، قال مبارك خارج نص كلمته ""خليهم يتسلوا""، داعيًا الشعب إلى عدم الالتفات لـ"الإشاعات" التي يطلقها البعض أحيانًا حول أمور تمس مصلحة الوطن والمواطن.

 

ولم ينس الحديث عن الانتخابات التي أشرف على تزويرها مع قادة نظامه وتابعيه فقال: "إنني أؤكد اليوم ما قلته الأسبوع الماضي.. فالانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب بما كشفت عنه من إيجابيات وسلبيات هي خطوة مهمة على الطريق.. وكل انتخابات نجريها إنما تضيف لتجربتنا الديمقراطية.. وتطرح دروسًا للتمعن فيها والاستفادة منها".

 

وصاحب دوي التصفيق داخل المجلس وهتافات التأييد للزعيم الخالد، زمجرة وغضب آلات التنبيه للسيارات المحبوسة في شوارع وطرقات وسط القاهرة، وجلس في أحد شرفات المجلس عدد من رموز المجتمع بجوار كبار رجال نظام مبارك، لادعاء تأييد الشعب كله لحكم مبارك، وفي مقدمتهم أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الأسبق، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية البابا شنودة الثالث، والنائب العام المستشار عبد المجيد محمود، والدكتور على جمعة مفتي الجمهورية، وكبار قادة القوات المسلحة، وقادة الشرطة، والهيئات القضائية، ورؤساء الجامعات، ورؤساء تحرير المؤسسات الصحفية القومية، ومحافظ القاهرة الدكتور عبد العظيم وزير.

 

 الصورة غير متاحة

شيخ الأزهر والبابا شنودة والمفتي خلال كلمة المخلوع

وقد شهدت الجلسة المشتركة حضور 7 من رؤساء الأحزاب، وهم رؤساء أحزاب "الوفد، وشباب مصر، والسلام الديمقراطي، والعدالة الاجتماعية، والشعب الديمقراطي، والأحرار وحزب مصر العربي الاشتراكي".

 

وفي 25 من شهر ديسمبر حضر المخلوع المؤتمر السنوي للحزب الوطني ليثني على أداء حزبه في الانتخابات والنتيجة التي حققها، مدعيًا أن السبب في هذا الفوز نتيجة لما قدمته الحكومة ونواب الحزب الحاكم في 5 سنوات، متناسيًا التزوير المنظم الذي قاده رجاله تحت سمعه وبصره لتحقيق برلمان خالٍ تمامًا من كل أشكال المعارضة.

 

العائلة الحاكمة

وفي مشهد يثبت سيطرة أسرة المخلوع على السلطة والاستمرار في خطة التوريث وتظهر الجمهورية المصرية في الصورة الملكية، كان الحضور الأكثر بروزًا لجمال مبارك الأمين العام المساعد وأمين السياسات بالحزب الوطني مع شقيقه علاء في حراسة مشددة من الحرس الجمهوري، قد صاحب قدومه موكب رئاسي للحراسة والتأمين، وتغطية إعلامية مميزة تمهِّد للوريث، وكان ظاهرًا في هذه المشهد جلوس الشقيقين "مبارك" في موقع متقدم على كل صنائع النظام وحتى القيادات العسكرية.

 

 

 الصورة غير متاحة

نجلا المخلوع جمال وعلاء

كما ظهرت سوزان مبارك زوجة المخلوع والعقل المدبر لمسلسل التوريث وسط عدد من السيدات "قيادات العمل النسائي" في إحدى شرفات المجلس وكأنها تشرف بنفسها على خطتها لوصول جمال لكرسي الحكم وهي تشعر أن الخطة أوشكت على التحقيق، وكانت سوزان ثابت تحظى بمعاملة رئاسية راقية فتتم معاملتها على أنها الملكة الحاكمة.

 

أما علاء فهو رجل البر والإحسان- كما صوره الإعلام- الذي يقيم المشروعات الخيرية وينفق على الفقراء دون انتظار المقابل.

 

فها هي الجمعية الخيرية التي أنشأها باسم ابنه المتوفى محمد تبدأ عملها ولا يمر يوم دون أن تنشر الصحف عن نشاطات هذه الجمعية، وعن الجهود الكبيرة التي يبذلها علاء وزوجته للتخفيف عن المرضى والفقراء.

 

قبل العاصفة

مع بداية العام 2011م كان باديًا على مبارك تجاهله لكل دعوات للتظاهر والتغيير واثقًا في استحالة انهيار أركان عرشه، فمارس حياته بشكل طبيعي يشارك في الحفلات ويفتتح المشاريع ويراسل الرؤساء والزعماء والملوك.

 

ويوم 9 يناير حضر المخلوع احتفالات عيد القضاة الأول، وألقى كلمته في الحفل من منصة دار القضاء العالي، معتبرًا أن حديثه من هذه المنصة دليل على استقلال القضاء- على حد قوله- بالرغم من كونه رأس المؤسسة التنفيذية التي استغلت القضاء للتنكيل بالمعارضين، وسحلت القضاة المطالبين بالاستقلال على أعتاب دار القضاء العالي.

 

وتمر الأيام حتى نصل إلى الجمعة 14 يناير حين هرب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، ليحدث طفرة في دعوات التظاهر والنزول يوم 25 يناير لطلب الإصلاح والتغيير.

 

إلا أن مبارك استمر في غطرسته وتجاهله لهذه الأحداث واستمر في تحركاته الشكلية التي تهتم بإظهاره صاحب دور في الأحداث الخارجية مع إهمال كامل للغليان في الشارع المصري، ثم ترأس القمة الاقتصادية العربية يوم 19 يناير من مدينته المحببة "شرم الشيخ".

 

ولاهتمامه المتزايد بحماة نظامه، توجه حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق يرافقه أعضاء المجلس الأعلى للشرطة إلى القصر الجمهوري بعابدين يوم 21 يناير لتوجيه الشكر إلى رئيسهم بمناسبة عيد الشرطة، واجتمع مبارك يوم 23 يناير بالمجلس الأعلى للشرطة، واحتفل مبارك معهم مجددًا يوم 24 يناير بعيد الشرطة في مقر أكاديمية الشرطة بالتجمع الأول بالقاهرة الجديدة.

 

وكان مما قاله في الاحتفالية: "أقول بعبارات واضحة.. إننا لن نتردد- قط- في اتخاذ ما نراه محققًا لأمن مصر وشعبها.. سوف نتصدى لدعاة الفتنة.. ونحاسب المروجين لها والمحرضين عليها.. وسوف نتصدى للإرهاب ونهزمه.. سنتعقب مرتكبيه ونلاحقهم في الداخل والخارج.. ولن يفلتوا أبدًا من العدالة".

 

خطابات التهدئة

 الصورة غير متاحة

صورة من الفيس بوك لجمال يقوم بضبط رابطة عنق مبارك قبل إلقاء كلمته

وبدأ اليوم الموعود هادئًا قبل أن تتداعى المظاهرات يوم 25 يناير إلى ميدان التحرير وتجاوزت بأعدادها الكبيرة غير المتوقعة الحشود الأمنية، وتطورت الفكرة من مجرد مظاهرة إلى فكرة الاعتصام، والذي فضته قوات الشرطة بعنف كبير في نحو الثانية في صباح 26 يناير.

 

وتواصلت مواجهات متفرقة بين قوات الأمن المركزي والمتظاهرين حتى يوم الجمعة 28 يناير، الذي كان يوم الغضب فاندلعت المظاهرات في مختلف شوارع القاهرة والمحافظات، وترك المخلوع إدارة الملف لوزارة الداخلية التي فشلت في احتواء الغضب، وانهارت بعد مواجهات دامية مع الثوار، ليأمر مبارك الجيش بالنزول للشارع بعد هروب قوات الأمن.

 

وبعد منتصف ليل جمعة الغضب، خرج المخلوع ليواجه هتاف: "الشعب يريد إسقاط النظام"، بشكره لحكومة د. نظيف وإعفائها من المسئولية، مؤكدًا أن تلك المظاهرات كانت نتيجة طبيعية لديمقراطيته وإصلاحاته!.

 

ولأن مصر كانت تحدث عن نفسها، فقد رفضت قرارات المخلوع الهزيلة معلنة سقوط نظامه، فكان خطاب الاستعطاف والخداع يوم 1 فبراير والذي تم كتابته بإتقان لمخاطبة عاطفة الشعب المصري، وكان لهذا الخطاب تأثير كبير على الشعب المصري قبل أن يظهر صبيحة اليوم التالي الوجه الدموي لهذا النظام في موقعة الجمل فأفشلت هذا المخطط وأشعلت حماس الثورة.

 

وبينما كان الشعب في انتظار خطاب التنحي خرج مبارك بخطاب "الفرصة الأخيرة" محاولاً استعطاف الشعب من جديد، إلا أنه فوجئ بحجم الرفض له ولأي تفكير في بقائه يومًا واحدًا، فاضطر إلى التنحي مساء الجمعة 11 فبراير، وتلا الخطاب نائبه حين ذلك عمر سليمان.

 

القصاص

وبعد خطاب التنحي انتقل مبارك وزوجته وابناه إلى مدينة شرم الشيخ، وأقاموا بها فترة من الزمن في ظل مماطلة المجلس العسكري في مطالب تقديمهم للمحاكمة على اشتراكهم في قتل الشهداء وتورطهم في استغلال النفوذ والاستيلاء على المال العام.

 

وبعد عدد من الفعاليات والمظاهرات والضغط عبر ميادين التحرير على مستوى الجمهورية جاء القرار بإحالة المخلوع مبارك وولديه علاء وجمال إلى محكمة الجنايات بتهمة قتل المتظاهرين والاستيلاء على المال العام واستغلال النفوذ.

 

ولأول مرة في تاريخ مصر بدأت محاكمة رئيس مصر المخلوع فيما سمي بمحاكمة القرن، وكان من المشاهد اللافتة في كل جلسة من جلسات المحاكمة استقبال المواطنين لموكب السيارات المدرعة- خارج المحكمة- الذي ينقل المتهمين بالقذف بالأحذية، والهتاف: الحرامية أهم".

 

ويواجه المخلوع تهم الاشتراك بطريق الاتفاق في ارتكاب جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار للمتظاهرين، والاشتراك مع وزير البترول الأسبق سامح فهمي والمتهم حسين سالم، في تسهيل حصول الأخير على منافع وأرباح مالية بغير حق تزيد على ملياري دولار، وذلك بإسناد شراء الغاز الطبيعي المصري للشركة التي يمثلها.

 

ويواجه جمال وعلاء، نجلا المخلوع، في نفس المحاكمة تهمة التربح والتربح للغير، والتي قد تصل بهم إلى الحبس.

 

أما سوزان ثابت، زوجة المخلوع، وبعد أن وجهت لها تهمة الاستيلاء على المال العام، وبات مصير باقي أسرتها يلاحقها، فسارعت بطلب التصالح وتسديد المبلغ حجم الدعوى، وتفرغت للتنقل بزياراتها بين المجمع الطبي العالمي؛ حيث يرقد زوجها، وسجن طره لزيارة ابنيها ترافقها زوجتاهما خديجة الجمال وهايدي راسخ.

 

ووُجهت لسوزان في الآونة الأخيرة أصابع الاتهام بأنها "الطرف الثالث" و"الأيدي الخفية" التي تسببت في الكثير من أحداث العنف الأخيرة، والتي كان من أشهرها أحداث: محمد محمود، ومجلس الوزراء، وحرق المجمع العلمي، وغيرها من التهم الجنائية والمالية التي تهددها بالحبس من جديد.