ينبغي أن تكون ذكرى الإمام حسن البنا هذا العام 12 فبراير 2012م، بشكل آخر وبطعم مختلف لا سيما بعد أن حررنا الله من الاستبداد والطغيان والقهر الذي فرغ الإنسان من مضمونه، والأوطان والمجتمعات من محتواها.

 

ومما اشتهر من أحاديث على ألسنة الناس أن حسن البنا شُغل بتأليف الرجال عن تأليف الكتب، وهذا صحيح وملموس ومُشاهَد في واقعنا، فقد خرَّج حسن البنا بل ألف رجالاً وقلوبًا وعقولاً ملأت الدنيا علمًا، وشغلت الناس دعوةً، بما ينبغي أن يُدرس ويبرز؛ لبيان آثارِ مدرسة الإخوان في النهضة العلمية الشرعية والفكرية والإنسانية في القرن العشرين، وما بعده.

 

لكن تراث حسن البنا الذي جمع ونشر في أربعة عشر مجلدًا- تراثًا شرعيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا ودعويًّا- فرض تعاطيًا جديدًا مع حسن البنا بحسبانه أحد أعلام الدعوة الإسلامية، وأحد مجددي الإسلام على مر التاريخ.

 

وإن النظر الصحيح الذي يعتبر حسن البنا أحد مجددي الإسلام، وأحد رواد النهضة في عصرنا ليستدعي- ضرورةً- القول بأن هذا التجديد وتلك النهضة قامت وارتكزت على رصين من العلم، وعميق من الفكر بما يوازي- أو يزيد- سعةَ الحركة، ودقة التنظيم، وإحكام البناء، ودأب الدعوة، وعظيم الهم بواقع الأمة ومستقبلها، فالعلم إمام العمل وحاديه وضابطه ومُحرِّكه وقائده إلى صراط مستقيم.

 

وهذا الذي ظهر من تراث البنا منذ عام 2004م، حتى الآن- إضافة إلى ما نشر له من قبل من رسائل ومذكرات ورسائل مختصرة في قضايا متنوعة- يستنفر جماعته وأبناءه ومريديه ومحبيه في شتى بقاع الأرض أن يتوفروا لهذا التراث بالدرس والتحليل- والنقد أيضًا إن لزم الأمر- وبيان قيمته من الناحية الشرعية والدعوية والإصلاحية، في ضوء السياقات التاريخية التي عاشها الإمام البنا، والأعراف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية- وحتى الشرعية- التي سادت عصره؛ فاستحضار هذه السياقات المختلفة ضرورة علمية لمن رام وضع الرأي في نصابه الصحيح، وإلا فسيكون الحديثُ العلمي صيحةً في واد أو نفخة في رماد!.

 

لقد ضرب حسن البنا بسهم طيب ومبارك في مجالات مختلفة: عقدية وأصولية وتفسيرية وتشريعية ومقاصدية وفقهية وإفتائية وتربوية ودعوية وتاريخية وسياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية وعمرانية، تستحق أن يتوقف أمامها الدارسون والمتخصصون لبيان قيمتها العلمية والإصلاحية في ضوء ظروفها وملابساتها وسياقاتها المتنوعة.

 

ومن نعمة الله علينا- وعلى الناس- أنْ جُمع تراث الرجل، ونشر، وتدوول الآن في أيدي المهتمين، ولم يبق إلا أن نقوم بواجب الوفاء له، وأول من يجب عليهم الوفاء هم أتباعه في كل مكان، ومحبوه وحواريوه وتلامذته، وما أكثرهم في أنحاء العالم!.

 

إنني أدعو المتخصصين في هذه العلوم وطلاب الدراسات العليا أن يقوموا بخدمة هذا التراث وإبرازه، لا سيما أننا دخلنا- بفضل الله تعالى- في عصر جديد لن نجد فيه من التعقيدات الإدارية الأكاديمية ما يحول دون دراسة موضوع من هذه الموضوعات وبيان قيمتها، فضلاً عن الدراسات الحرة، وكيفية الإفادة منها في واقعنا المعاصر.

 

وأدعو قبلهم شباب الحركة الإسلامية عامة، وشباب الإخوان والأخوات وكهولهم خاصة، أن يتدارسوا هذا التراث ويفيدوا منه في لقاءاتهم وأعمالهم؛ تنويرًا للعقل، وترسيخًا للفهم، وتقويمًا في السلوك، وترشيدًا في الحركة، وسعيًا إلى عمل الخير ونفع الغير وخير العمل.

 

إن رجلاً مثل حسن البنا بعد أن ملأ الدنيا عملاً وحركةً ونهضةً وإصلاحًا، وأصبحت جماعته اليوم في عدد من البلدان قاب قوسين أو أدنى من التمكين، آن لنا أن نبرز سُهْمتَهُ وقيمته العلمية؛ شرعيًّا ودعويًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا وحضاريًّا.

 

------------------------------------

* دكتوراه في مقاصد الشريعة الإسلامية- [email protected]