الناس تلهو والقدر جاد، إن حياة الإنسان ليست مشهدًا متاحًا إعادته لاستدراك ما فات على طريقة الإخراج السينمائي؛ فحياتنا على الأرض مرة واحدة؛ قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)) (المؤمنون).

 

فيا أخي يجب علينا ألا نضنَّ بحياتنا فلا نبذلها هباءً؛ فنكون مثالاً سبقت حكايته في القرآن حينما تتحسر نفسٌ على ضياع حياتها في غير مرضاة الله؛ فقال تعالى: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (58)) (الزمر).

 

ونفسٌ تتندم على حب المال وشهوة جمعه وقد تركته للورثة؛ فتتمنى العودة للاستدراك فلا يستجاب لها؛ فقال تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)) (المنافقون).

 

ونفسٌ تصرخ وتصرخ وتتوسل أن تعود لتعمل الصالحات بدلاً من الطالحات التي اقترفتها؛ فقال تعالى: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)) (فاطر)، فيا لها من حسرات وصرخات ولا مغيث وما ثمّ إلا الندم وانقطاع الأمل والمصير المحتوم؛ فمن أجل ذلك نقول كما قال الشاعر:

الأمر جدٌّ وهو غير مزاح فاعمل صالحًا ينجيك يا صاحِ

 

وما الحل؟:

إن الإيمان هو الحل؟ الإيمان بأن لنا ربًّا لا مفر من لقائه، فلنعِدّ له ما يرضاه، فقد قال تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42)) (النجم).

 

الإيمان بأننا سندخل قبرًا لا بد أن نعمره قبل أن نسكنه؛ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار" الإيمان بأنه سيأتي يوم نخرج فيه من زينة الدنيا؛ فقال تعالى: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)) (سبأ).

 

ولذلك كان الصحابة يسارعون في الخيرات؛ لأنهم مؤمنون بأن الدنيا مزرعة الآخرة؛ فرقَّ وشفّ الجدار بينهم وبين الآخرة، أما نحن فسَمِيك ومظلم، وإن الصحابي كان يعيش على الأرض وموقن بأنه سيموت، ويمكن أن يدخل الجنة أو النار؛ لذا لم يُضيِّع الصحابة حياتهم فيما لا يعود عليهم من خير الآخرة، وكان حاديهم نحوها إيمانهم بما ورد في القرآن يبشر بفرحة المؤمنين: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)) (الحاقة) وفرحة الفوز بجنة رب العالمين: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)) (فاطر).

 

فيا أخي الحبيب تب إلى الله وعش حياتك كما أحبها ربنا للمؤمنين، فقال تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)) (النساء).

 

ورحم الله الشيخ أحمد ياسين حينما قال: "أملي أن يرضى الله عني"، فاللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

--------------------------------

* مدرس لغة عربية- [email protected]