- د. محمد عمارة: البنا رسم خريطة واضحة للعودة إلى الخلافة
- د. مختار المهدي: اليوم فرصتنا لتبني منهج البنا في التربية
- د. عبد المنعم البري: بصماته ورسائله ما زالت حيةً متجددة
- عادل علام: كان نموذجًا للمسلم الشامل من الأخلاق للسياسة
تحقيق: الزهراء عامر
63 عامًا مضت على استشهاد مجدد القرن العشرين الإمام "حسن البنا"، الذي نال الشهادة في نحو الثالثة والأربعين من عمره، بعد أن أسس جماعة "الإخوان المسلمين"، أكبر الحركات الإسلامية وأكثرها عملاً في مجالات الدعوة والإصلاح منذ أكثر من 80 عامًا.
وكان البنا بحسب وصف مَن عايشوه طاقةً إيجابيةً هائلة، وحيوية متدفقة، فهو لا يكل ولا يمل من الدعوة ومسارات الإصلاح، وكان مع قوته وجهاده ذا حسٍّ مرهف وقلب رقيق وحياء عظيم، ومع عمله الواسع وفصاحة لسانه ورجاحة عقله، يتزين بالتواضع والبساطة في المظهر والملبس والحديث والمعاملة.
يقول عنه الشيخ محمد الغزالي- رحمه الله-: كان الإمام حسن البنا حيث حلَّ يترك وراءه أثرًا طيبًا، ولا لقيه امرؤ في نفسه استعداد لقبول الخير إلا وأفاد منه؛ ما يزيده صلة بربّه، وفِقهًا في دينه، وشعورًا بانتمائه للإسلام والمسلمين.
وتحدَّث عنه الشهيد سيّد قطب رحمه الله، تحت عنوان: حسن البنا وعبقرية البناء فقال: "في بعض الأحيان تبدو المصادفة العابرة قدرًا مقدورًا وحكمةً مدبرةً في كتاب مسطور، وحسن البنا إنها مصادفة أن يكون هذا لقبه؛ ولكن من يقول: إنها مصادفة؟! والحقيقة الكبرى لهذا الرجل هي البناء وإحسان البناء بل عبقرية البناء؟!.. وإن استشهاده عملية جديدة من عمليات البناء، عملية تعميق للأساس وتقوية للجدران.
ويتابع قائلاً: وما كان ألف خطبة وخطبة، ولا ألف رسالة للفقيد الشهيد لتلهب الدعوة في نفوس الإخوان كما ألهبتها قطراتُ الدم الزكي المهراق.. إنّ كلماتنا تظلُّ عرائس من الشمع، حتى إذا مُتنا في سبيلها دَبَّت فيها الروح، وكُتبت لها الحياة، وعندما سلَّط الطغاة الحديد والنار على بناء حسن البنا والعاملين فيه، استطال على الهدم؛ لأن الحديد والنار لا يمكن أن يهدما فكرةً في يومٍ من الأيام".
ومع تجدد ذكرى استشهاده تحدَّث علماء ومفكرون لـ(إخوان أون لاين) بكلماتٍ رقيقة وموجزة عن فكر الإمام حسن البنا وحياته.
الفكر الوسطي
د. محمد عمارة |
ويوضح أن الإمام كان ينتظر يوم أن ينجلي عن مصر من يقف في وجه تقدمها الذي يعتبره الخطوة الأولى لإعادة دور مصر المحوري، والذي سيحتضن البلدان الإسلامية، وبالتالي تعود الخلافة الإسلامية التي أرسى النبي صلى الله عليه وسلم قواعدها في ربوع مكة ويعكف علي إتمامها أتباعه من أمته، والذي كان حسن البنا رحمه الله من أنصاره ويريد تطبيق سنته ومنهاج ربه عزَّ وجلَّ.
ويشير إلى أن الإمام البنا كرَّس حياته لخدمة دينه ووطنه فكافح ضد الإنجليز وساهم بشكلٍ جلي في حرب فلسطين عام 1948م وأعطى كل ما يملك لخدمة الناس ونشر الدعوة ليس في سبيل شيء سوى الحق ونشر الدعوة.
ويضيف: أن الإمام البنا رحمه الله كان ينتمي للمدرسة الوسطية من الدعوة الإسلامية ويدعو إليها، والتي يصفها بالوسطية الجامعة"التي تجمع بين عناصر الحق والعدل من الأقطاب المتقابلة فتكون موقفًا جديدًا مغايرًا للقطبين المختلفين؛ مع العقلانية الإسلامية التي تجمع بين العقل والنقل، والإيمان الإسلامي الذي يجمع بين الإيمان بعالم الغيب والإيمان بعالم الشهادة.
ويستطرد قائلاً: إن الوسطية الإسلامية التي يتبناها الإخوان المسلمون عن طريق مرشدهم البنا تعني ضرورة وضوح الرؤية باعتبار ذلك خاصية مهمة من خصائص الأمة الإسلامية والفكر الإسلامي، بل هي منظار للرؤية وبدونه لا يمكن أن نبصر حقيقة الإسلام، وكأنها العدسة اللامعة للنظام الإسلامي والفكرة الإسلامية.
وكان من أهم مميزات الإمام البنا كما يقول "الثبات والتضحية"، والتي من أجلها ضحَّى بالنفيس والغالي، وسار- وما زال- يسير مؤيدوه على خطى الرسول الكريم في دعوته وتضحياته، بالنفس والمال، ونال الإخوان من العذاب في المعتقلات ما لا تتحمله الجبال، والآن يعملون على رسم وتنفيذ الخطط المستقبلية لبناء مصر على أسس حديثة ذات طابع إسلامي وسطي لتكون بدايةً للعودة للخلافة الإسلامية قوية الأركان، والتي كانت الهدف الأسمى للإمام الشهيد.
ويتابع: الإمام البنا رحمه الله عكف طوال حياته لإرساء دولة العدل من خلال العمل الجاد والتطبيق العملي على أرض الواقع من خلال الفرد المسلم والبيت الصالح ثم الدولة المسلمة، ومن بعدها المجتمع المسلم الرشيد القويم وبذلك تعود فكرة الخلافة الإسلامية من جديد بصورة تتماشى مع الواقع وتساير تقدم العصر مع وجود الثوابت الإسلامية التي وضَّحها الرسول الكريم في مكة ومن بعدها المدينة.
إحياء الروح الإسلامية
د. محمد المختار المهدي
ويقول الدكتور محمد المختار المهدي رئيس الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة: لا أحدَ يختلف على أن الإمام حسن البنا هو مجدد القرن العشرين، فأحيا الروح الإسلامية وعمل بالإصلاح المتوازن بين إصلاح الروح والمجتمع؛ لأنه كان يتميز بالفكر الصوفي الأصيل الذي يرقق المشاعر ويقوي الإيمان ويزيد الصلة بالله عز وجل، موضحًا أنه كان رحمه الله داعيًا يواظب على صلاة الليل والخشوع وتدبر القرآن الكريم، ويطبق المقولة "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم على أرضكم".
ويشير إلى أن البنا انتفع بكل الحركات التي سبقته مثل حركة الجمعية الشرعية التى نشأت في عام 1912م، والتي دعت إلى العمل والاكتفاء الذاتي وعدم الاعتماد على الكلام فقط دون تفعيل المبادئ الإسلامية وظهر بينه وبين الجمعية الشرعية تعاون كبير، وكان البنا يُقدِّر الشيخ أمير خطاب الإمام الثاني للجمعية ويجله.
ويبين أن الأمام كان متواضعًا للعلماء والمصلحين وانتفع منهم، وكان يتمتع بالمثابرة والجهد المجدي والشجاعة والجرأة في إظهار محاسن الدين الإسلامي في الوقت الذي كان الاستعمار هو صاحب المبادئ السائدة في البلاد.
ويشدد على أننا بحاجةٍ إلى أن نتلمس مبادئه، ومواصلة مشواره في تربية المجتمع بعد فك الحظر عنها، مطالبًا جماعة الإخوان بأن يعيدوا ترتيب النفس البشرية بعد الستين عامًا التي قضاها الشعب المصري بين التغريب وتحطيم الآمال والروح المعنوية.
بصماته ورسائله
د. عبد المنعم البري
ويقول الدكتور عبد المنعم البري رئيس جبهة علماء الأزهر سابقًا: إن الإمام حسن البنا شخصية لا يعوضها إلا الله سبحانه وتعالى على مدى التاريخ الإسلامي؛ لأن هذا الرجل كان همه وشغله الشاغل إصلاح الأمة حتى توفاه الله شهيدًا، وما زالت بصمات ورسائله حيةً لا تمحوها الأيام؛ لأنه من كان لله دام واتصل ومَن كان لغير الله انقطع وانفصل.
ويوضح أن الإمام- رضي الله عنه وأرضاه- نشر التراث الإسلامي الأصيل في المجتمع بشموليته لكل مناحي الحياة، وليس المطبوخ على أيدي المعاديين للإسلام كما ظهر في الآونة الأخيرة، فضلاً عن أنه نجح في صنع جيل يفهم الإسلام فهمًا صحيحًا، ويغير عليه بعدما أخرجهم من الملهيات واستخدامهم وسائل الانتحار غير المباشرة، وصفهم لدعوة واحدة، ألا وهي دعوة الإسلام.
ويلفت إلى أن الإمام البنا كان له الفضل في إحياء القوافل الدعوية في جامعة الأزهر، فضلاً عن دوره في نشر الدعوة بكل النواحي حتى مع بدو سيناء والوادي الجديد؛ حيث ظلَّت جماعة الإخوان تعمل هناك، حتى تتابع فراعين مصر على حكمها بدءًا من عبد الناصر حتى مبارك.
التضحية والجهاد
ويقول عادل علام أحد الرعيل الأول لجماعة الإخوان: إن الإمام البنا رحمه الله كان رجلاً واسعَ الصدر بعيد النظر طيب الخلق، نموذجًا للسياسي المسلم في هذا العصر، فعندما دعاه أحد البشوات ليشرح له أهداف جماعة الإخوان المسلمين وقدَّم له كوبًا من الـ"شربات" في كأسٍ زجاجي قاعدته ذهبية، قام الإمام بنزع الكأس من هذه القاعدة، فسأله الباشا لماذا فعل ذلك، فردَّ عليه قائلاً: "إن الإسلام نهى عن الأكل والشراب في الآنية المصنوعة من الذهب والفضة، فأردتُ أن أقبل تحيتك دون أن أعصي الله".
وعندما أراد الإخوان أن يفتتحوا شعبةً في "كفر مصيلحة" بمحافظة المنوفية قام عمدة البلد السيد عيسى بتكسير الشعبة، وبعدها أصرَّ الإخوان أن يقيموا حفلاً بمناسبة المولد النبوي في القرية، وتم دعوة الإمام حسن لحضور هذا الحفل، وعندما علم ما حدث، ذهب وطرق باب العمدة واندهش الجميع من فعل الإمام وشرح له مَن هم الإخوان المسلمون ودعاه لحضور الحفل، وبعدها تبرَّع العمدة بالشعبة للإخوان، وانتشر الإخوان في الشعبة بعد هذا الموقف الرائع من البنا.
ويُوضِّح أن تربية الإمام البنا للإخوان كانت على التضحية والإخوة والجهاد في سبيل الله بالنفس والمال، وأذكر أنه في حرب 1948م تم اختيار 3 من إخوان الشعبة للخروج فقال الإمام إنه لا بد أن يجمع الإخوان من بعضهم تكلفة الحرب، ويتعهدوا بالصرف عليهم وعلى أسرهم حتى يعودوا.
ويُبين أن الإمام إذا تحدَّث كان يُجبرك على الاستماع إليه من حلو حديثه وطلاقته وبلاغته؛ لأنه كان يحب اللغة العربية ويحفظ القرآن الكريم، وحفظ ما يقرب من 18 ألف بيتٍ من الشعر؛ ما جعل لسانه فصيحًا وعباراته حلوة.. إذا تكلَّم أسمع غيره، وإذا سمع له الناس أنصتوا له وفهموا ما يقول.
ويلفت النظر إلى أن منهج الإمام في الإصلاح كان القرآن والسنة النبوية المطهرة وسير الصالحين من الصحابة والتابعين، وكان البنا يعمل بالقاعدة الحركية "نعمل جميعًا فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه"، وربَّي عليها الإخوان وأصبحت أصلاً من أصول منهج الإخوان حتى يتواصل التعاون والإخاء مع الجميع.