يُعرب الإخوان المسلمون عن رأيهم في الأحداث المحلية والإقليمية فيما يلي:
أولاً: الشأن الداخلي:
منذ قيام الثورة ونجاحها لم تتوقف محاولات احتوائها وإعادة إنتاج النظام البائد بصورةٍ جديدة، بدأت هذه المحاولات منذ وقتٍ مبكرٍ حينما طرح الدكتور يحيى الجمل (نائب رئيس الوزراء وقتئذ) دعوةً لما أسماه (الحوار الوطني- نحو عقدٍ اجتماعي جديد) ضمنه عدة محاور، كان المحور الثالث فيه (قواعد التعامل مع أعضاء ورموز النظام القديم ومشاركتهم في المجتمع الجديد وشروط المصالحة)، وكان ذلك قبل إلقاء القبض على أي من رموز النظام القديم وتقديمهم للمحاكمة، ولكن الضغوط الشعبية أفشلت هذا المخطط سريعًا، ثم سارت الأمور في ارتباكٍ حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن لدينا مجلس للشعب وآخر للشورى، ونقف على أبواب انتخاب جمعية تأسيسية تضع الدستور وانتخاب رئيس للجمهورية؛ حيث يتم تسليم السلطة بعد حوالي ثلاثة أشهرٍ من الآن، وإذا بنا نلاحظ أن الوزارة القائمة الآن تجرف الأرض أمام الوزارة القادمة بعدها، فهي تسعى سعيًا حثيثًا في تبديد الأموال الموجودة في الصناديق الخاصة والمقدرة بمائة مليار جنيه حتى تتركها خاويةً على عروشها، وفي ذات الوقت تقتفي أثر الوزارات السابقة لها في التقاعس عن استرداد الأموال المنهوبة والمهربة إلى الخارج لحساب رءوس الفساد وكبار اللصوص، ليس ذلك فحسب بل تتفاوض من أجل قرضٍ من صندوق النقد الدولي مقداره 3.2 مليار دولار، فبعد أن رفض المجلس العسكري الميزانية التي قدَّمها الوزير سمير رضوان وزير المالية في وزارة عصام شرف الأولى لأنها تحتوي على قرضٍ بنفس القيمة بدعوى أننا لا يجوز أن نُحمِّل الأجيال القادمة ديونًا تنوء بها كواهلهم إذا بهم جميعًا يلهثون من أجل الحصول على القرض مرةً أخرى، إضافةً لافتعال أزماتٍ يومية في البوتاجاز والسولار والبنزين ورغيف الخبز، والإعلان عن تآكل رصيدنا من العملة الأجنبية، وانعدام الشفافية في قضية الحسابات الخاصة باسم الرئيس المخلوع، ولو أضفنا إلى ذلك قضية ضحايا إستاد بورسعيد، وسفر المتهمين الأجانب في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، والبيان الهزيل الذي قدَّمته هذه الوزارة لمجلس الشعب لقطعنا بدون أدنى شك أن هذه الوزارة فاشلة، ويجب ألا تبقى ليومٍ واحد، وأن هناك خطةً لإغراق البلد وتيئيس الناس من إمكانية تحقيق أهداف الثورة، وعليهم أن يقنعوا بإعادة إنتاج النظام السابق بوجوه جديدة.
وهذا كله إنما يهدف لوضع العراقيل أمام مَن انتخبهم الشعب ولحصار دورهم في مجال الكلام والتشريع، أما التنفيذ والعمل فيبقى في أيدي أولئك الفاشلين وأيدي الكارهين للثورة، في حين أن الشعب يطالب نوابه بأن يقوموا بتحسين الأوضاع، فالشعب لن يعيش على الكلام ولا حتى على الحرية والتشريع فحسب، ومن ثمَّ لا بد أن يتقدم مَن يمثلون الشعب لاستلام السلطة التنفيذية من الحكومة الفاشلة إما بإقالتها عن طريق المجلس العسكري أو استقالتها أو سحب الثقة منها حتى ننقذ ما يمكن إنقاذه من أموال وحسابات قبل تبديدها، وتخفيف المعاناة عن الشعب، والامتناع عن افتعال الأزمات اليومية وتطهير المؤسسات من بقايا الفاسدين، وتنفيذ البرامج العملية العاجلة لإصلاح الأحوال، وتقديم القدوة لأفراد الشعب في الإخلاص والعمل والزهد والنزاهة والشفافية والشرف.
لذلك يجب على كل المخلصين للوطن أن يتصدوا لمخطط إجهاض الثورة بالإضرار بمصلحة الوطن لا سيما وقد تسربت الأنباء بأن جهات أجنبية تتعاون مع بعض المجموعات الداخلية لإنشاء حزب مدعوم من هذه الجهات يسعى لإفشال ممثلي الشعب لاسيما في المجال الاقتصادي عن طريق وضع العقبات والعراقيل وإثارة المشكلات والاحتجاجات حتى يصل هذا الحزب إلى السلطة بعد تأليب الرأي العام على الممثلين الشرعيين للشعب.
- ما إن صدر قرار تشكيل الجمعية التأسيسية بنسبة 50% من داخل البرلمان، 50% من خارجه وبأغلبية 80% من أعضاء مجلسي الشعب والشورى حتى قامت الحملة العلمانية واليسارية بوصف ما حدث بالمصيبة أو الكارثة التي حلت بالدستور- حسب قولهم- وتنادوا نداءات شتى، فبعضهم ادعى أن هذا القرار مخالف للمادة (60) من الإعلان الدستوري، وبعضهم طالب برفع دعاوى أمام محكمة القضاء الإداري، أو المحكمة الدستورية العليا، والمصيبة أن يصدر هذا كل من بعض كبار القانونيين وأساتذة القانون، وهو جهل فاضح بالدستور والقانون واللغة العربية وقواعد التقاضي، ويبدو أنه محاولة للتدليس على العامة بأن هذا القرار غير دستوري، وذهب بعضهم إلى أن المادة (60) من الإعلان الدستوري ليست من المواد التي جرى الاستفتاء عليها في مارس 2011م، وهذا القول مغالطة كبيرة فقد كانت ضمن المواد المستفتى عليها، وزعم بعضهم أن دساتير العالم لم تضعها البرلمانات في حين أن عديدًا من الدساتير وعلى رأسها الدستور الألماني وضعه البرلمان بكامله، وادعت إحدى الصحف- كذبًا- أن محكمة القضاء الإداري حكمت ببطلان قرار تشكيل الجمعية التأسيسية في حين أن المحكمة حكمت بعدم الاختصاص؛ لأن هذا القرار ليس قرارًا إداريًّا، وطالب بعضهم بتسيير مسيراتٍ والقيام بوقفات احتجاجية على القرار، وقام بعضهم بتحريض المجلس العسكري للتدخل لإلغاء القرار، في حين أن المجلس العسكري لا يملك أية صلاحية للتدخل في هذا الأمر من قريبٍ أو من بعيد، وطالب أحد الأحزاب المجهرية بمقاطعة الجمعية التأسيسية، ورفضت جميع الأحزاب الأخرى الاستجابة لطلبه.
وهذا كله إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن هؤلاء جميعًا لا يحترمون مبادئ الديمقراطية ولا قواعدها التي طالما صدعوا رءوسنا بالتغني بها، فإذا جاءت على خلاف ما يهوون صبُّوا عليها جامَّ غضبهم ولعناتهم، والسؤال هو هل لو كانت لهؤلاء القوم أغلبية البرلمان، هل كانوا يفعلون ما يقولون؟ أم أنهم وقتها كانوا سيتمسكون بقواعد الديمقراطية ومبادئها؟
ثم لماذا كل هذا الغضب والادعاء بأن الدستور سوف يأتي ممثلاً لفصيل واحد، وذا لون معين؟ هل يعلمون الغيب؟ وهلا انتظروا حتى يروا بنيان الدستور ونصوصه؟ ثم ألن يُستفتى عليه الشعب ليقول فيه رأيه؟ أم أن الشعب لم يبلغ رشده ونضجه- في عُرف هؤلاء القوم؟
ثانيًا: الشأن الإقليمي:
- لا تزال المجازر البشعة اليومية التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه مستمرة بلا انقطاع، وهذا يؤكد أنه لا مخرج من هذه الكارثة الإنسانية والوطنية إلا برحيل النظام، وأن ذلك ما سوف يحدث- بإذن الله- وعلى جميع القوى الداعمة للنظام الديكتاتوري في سوريا أن تعلم ذلك، وأن تسعى لتنفيذه قبل أن تصبح التكلفة باهظة على المستوى الإنساني.
- تغرق غزة في ظلامٍ دامس، وتتوقف فيها كل الأنشطة التي تعتمد على الوقود؛ نظرًا لنفاد رصيد الوقود في القطاع كله، فعلى جميع الدول العربية أن تتحمل مسئوليتها تجاه هذه الأزمة.
- وقع انقلاب عسكري في جمهورية مالي واستولى العسكر على السلطة وعطلوا الدستور والمؤسسات الدستورية في البلاد، وكنا نعتقد أن زمن الانقلابات العسكرية قد ولَّى ولكن يبدو أنه لا يزال في بعض دول إفريقيا السمراء قائمًا، وهو أسلوب مرفوض من كل الدول والشعوب المتحضرة؛ لذلك نرجو أن يعود هؤلاء العسكريون إلى رشدهم ويحترموا إرادة شعوبهم وأن يعودوا إلى ثكناتهم ويعيدوا الدستور والمؤسسات الدستورية إلى دورها، وأن يتجنبوا الخوض في الدماء مراعاةً لمصلحة البلاد واحترامًا للديمقراطية الشعبية.
القاهرة في: 1 من جمادى الأولى 1433هـ الموافق 24 من مارس 2012م