جاء القرار الذي كان ينتظره الجميع من جماعة الإخوان المسلمين والذي جاء مفاجئًا وغير متوقع بترشيح المهندس خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية؛ وانقسم الناس إزاء هذا القرار في وسائل الإعلام- المسموعة والمقروءة والمرئية- وعلى شبكات الإنترنت مابين مؤيد يمدح، ومعارض يذم، ولم يحاول الكثيرون أن يفكروا بتؤدة وروية وأن يمنحوا الفرصة لعقولهم أن تتجرد من كل هوى ومن كل تعصب ثم تقرر في النهاية من تختار.

 

مع العلم أنه من حق أي مواطن أن يختار من شاء من المرشحين.. فله مطلق الحرية في الاختيار وفي اتخاذ القرار، لكن ما حدث من حربٍ ضروس، ومن اتهامات ومن سب وقذف من هذا الطرف أو ذاك من مؤيدي كل مرشح لا يليق بنا أبدًا كمسلمين أو ندعي الإسلام والالتزام بتعاليمه وأحكامه.

 

إن علينا أن نراعي أدب الاختلاف، واحترام الرأي والرأي الآخر، ولا يغيب عن الأذهان بحالٍ من الأحوال اختلاف الصحابة- رضوان الله عليهم- في بدر أو في أحد أو في يوم الأحزاب والرسول صلى الله عليه وسلم بينهم، وفي كثير من الأحايين كان للرسول صلى الله عليه وسلم رأي آخر، وليس من العيب أن نعلن مَن سنختار ولماذا؟ ولا ينبغي أن يفهم من ذلك أن هذا تسفيه لآراء الآخرين- حاشا لله- أو التقليل من شأن أحد المرشحين، بل هو مجرد رأي ربما يكون صواب وربما يكون خطأ.

 

لذلك أعلن رأيي وبكل صراحة ووضوح اختياري للمهندس خيرت الشاطر رئيسًا للجمهورية لهذه الأسباب:

 أولاً: الالتزام بقرار الجماعة، فهذا من حق الجماعة عليّ وعلى كل مَن ينتمون إليها أخذًا بمبدأ السمع والطاعة أو بما يسمى عند الآخرين- الالتزام الحزبي- وهذا ما دافع عنه وبكل قوة الأستاذ الفاضل حازم أبو إسماعيل عندما سُئل عن مبدأ السمع والطاعة عند الإخوان المسلمين، فقال: إنها من المسلمات البديهية للجماعة وهذا من أروع ما فيها.

 

ثانيًا: أن الشاطر ليس هو مَن رشح نفسه أو سعى لذلك وإنما طُلبت منه وكان يأبى، وهذا من وجهة نظري يعد فارقًا جوهريًّا ينبغي مراعاته في مسألة الإمامة انطلاقًا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الرحمن بن سمرة- رضي الله تعالى عنه قال: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فأت الذي هو خير" متفق عليه.

 

ثالثًا: الابتلاء قبل التمكين عندما سًئل الإمام الشافعي– رضي الله عنه- أيهما أولى للرجل يُمّكن له أم يبتلى؟، فقال الشافعي لا يمكن للرجل حتى يبتلى؛ وأن الابتلاء قبل التمكين هو تدرج طبيعي لسنة كونية هي سنة التدرج؛ ونحسب أن الرجل ابتلي مرات عديدة فصبر وشكر لآخر لحظة وما هان وما لان وما ضعف وما استكان، وجاء دور التمكين ليصير الرجل بإذن الله حاكمًا للبلاد ومسئولاً عن نهضتها، قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) (العنكبوت).

 

رابعًا: أن القرار الناتج عن الشورى دائمًا ما يكون أفضل من قرار الفرد؛ ومسألة ترشح المهندس خيرت الشاطر هو نتيجة قرار شورى جماعة الإخوان المسلمين التي تعد أكبر الجماعات الإسلامية على الساحة وعلى حد قول القائل رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها وأيضًا استنادًا إلى القاعدة التي تقول (كدر الجماعة خير من صفو الفرد)، فإنا نستبشر خيرًا بقرار الشورى ونأمل فيه الخير الكثير.

 

خامسًا: أنني ألمح في الأفق أن من تمرد على قرار الشورى الأصغر– شورى الإخوان بعدم ترشح أحد-، ربما يتمرد على قرار الشورى الأكبر- شورى الشعب- وهذه ملامح ديكتاتورية نرفضها حتى ولو كانت يسيرة.

 

سادسًا: الهجوم الشرس والحملة الضارية المنظمة على الإخوان منذ أعلنوا قرار الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وكأنهم ارتكبوا جريمة في حق الوطن وفي حق الدنيا كلها، وقد تعلمنا من دروس ومواقف سابقة- قبل الثورة وبعدها- أن في أعقاب كل هجمة يأتي النصر والتمكين ويأتي الفرج بعد الكرب، وتأتي المنحة بعد المحنة، وإنا لمنتظرون إن شاء الله.

 

سابعًا: أن مصر في هذه الفترة الحرجة بحاجة إلى عقلية اقتصادية ناجحة تعرف كيف تدير الأزمات وتعبر بالبلاد إلى بر الأمان اقتصاديًّا في المقام الأول ثم سياسيًّا ودينيًّا واجتماعيًّا.

 

ولا يسعني مع كل ما قلت إلا أنني أدعو الله عز وجل أن يولي أمورنا خيارنا ولا يولي أمورنا شرارنا، أن يرزقنا بالقوى الأمين إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

--------

* داعية إسلامي