ماذا يحدث؟ ماذا يجري؟ ولماذا يحدث ذلك؟.. لقد اندلعت ثورتنا منذ أكثر من عامٍ من أجل الإصلاح والرقي بهذا الوطن وشعبه، ورأينا كيف انتفض الشعب بكل فائته وطوائفه ليزيحوا ويهدموا أركان الباطل والاستبداد بكل أنواعه ومعاونيه، وحدث ذلك بفضل الله.

 

لكن خلال العام ما تقدَّم الوطن ولا نهض الشعب وما زالَ أركان الطغيان كاملاً، بل حدثت الفرقة والاختلافات بين رفقاء الميدان، وأصبح الجميع ينظرون لبعضهم البعض نظرةً فيها تخوين وتشكيك، بل وصل الحال للتناحر حول السيطرة.

 

لقد سقطت حكومة تلو الأخرى لعدم تحقيقها أهداف الثورة التي قامت من أجلها وعلى رأسها استقرار الوطن وإشاعة الأمن والأمان، وجاءت حكومة الجنزوري ولها أهداف محددة ستنفذها بمساعدة المجلس العسكري.

 

عمدت الحكومة إلى تجاهل ملف إعادة الأمن إلى الوطن والمواطن، حتى زادت نسبة الخطف وتكونت دولة البلطجية داخل الوطن فعاثوا في الأرض فسادًا دون رادع، حتى وصل الحال بمذبحة بورسعيد، والتي راح ضحيتها أكثر من 70 مواطنًا مصريًّا.

 

كما عمدت الحكومة إلى إثارة البلبلة والأزمات بين صفوف الشعب، فاختفى الغاز، كما اختفى السولار، فتعطلت المخابز والمصانع والمحاجر، وبارت الأراضي الزراعية لجفافها، بل تقلصت الرقعة الزراعية بعد بناء الكثير عليها ولا رادع لذلك.

 

عمدت أيضًا الحكومة إلى إهانة الشعب المصري وإذلاله بالسماح للمتهمين في قضية التمويل الأجنبي بالسفر دون علم أحد، بعد أن ورطت الوطن في هذه الاتهامات.

 

عمدت الحكومة إلى بيع الأراضي والمشروعات إلى رجال الأعمال السابقين، والذين نهبوا البلاد في عهد المخلوع مبارك.

 

عمدت الحكومة إلى تبديد الأموال الموجودة في الصناديق الخاصة وتصفيرها حتى لا تترك مجالاً للحكومة التي تليها في النهضة بالبلاد، بل لجأت للقرض الخارجي دون السعي للاستثمار الداخلي والاستفادة من مقدرات الوطن.

 

نهيك عن التباطؤ في استرداد الأموال المنهوبة، وحل الأزمات والإضرابات، بل وصل الحال بتعيين آلاف الموظفين دون وجود رصيد كافٍ لهذه الوظائف.

 

كل ذلك قامت به حكومة الجنزوري وحينما قام البرلمان الذي انتخبته الإرادة الشعبية بمحاولة محاسبة الحكومة وردعها بل وسحب الثقة منها وتشكيل حكومة وطنية قوبل ذلك بالرفض الشديد، وذلك لتعجيز البرلمان.

 

بدأت الحكومة في خطة إلهاء الشعب في عدة قضايا عما تقوم به من تخريب الوطن، وبالفعل انشغل الشعب في قضية مرشحي الرئاسة، فأصبح مؤيدو كل مرشح يتعصبون له، وقامت الحروب الإعلامية والاتهامات، ثم كان ترشح المهندس خيرت الشاطر بالإضافة لقضية جنسية والدة الأستاذ حازم أبو إسماعيل، فلا تشخصنوا القضايا وليكن هدفكم الوطن.

 

استغلت الحكومة كل هذه الأحداث المتشابكة، وبالتعاون مع إعلام وصحف مأجورة، ومحسوبة على رجال النظام السابق بتبني قضية إلهاء الشعب عما تقوم به الحكومة، فوجدنا القنوات الفضائية– حتى التليفزيون المصري- يُغذي هذا الشعور.. واختفت مناقشات القضايا التي تهم الوطن كأنبوبة الغاز ورغيف العيش، بل إن الكثيرين تجاهلوا قناة الشعب التي تستمع لمناقشات البرلمان وأصبحوا يتابعون هذه المساجلات والمناحرات على شاشات الفضائيات.

 

لقد ساهم الشعب أيضًا الحكومة على تخريب الوطن في السير وراء خططها بالتخلي عن القضايا المهمة والسعي وراء القضايا الفرعية كقضايا المرشحين للرئاسة وقضايا الدستور وغيرها.

 

رسالة للإسلاميين:-

أنتم فصيل وطني كبقية الفصائل الموجودة في الوطن؛ لأنكم من أبناء هذا الوطن، فانتبهوا لما يُحاك للوطن ولا تساعدوا القائمين على الوطن بتخريبه بالدخول في قضايا جدلية، واهتموا بالقضايا التي من أجلها اختاركم الشعب لحلها.

 

فالوطن والشعب ينتظر منكم الكثير فلا تغتروا بالمنصب ولينوا يدي الشعب وقضاياه، واهتموا بها وخففوا المعاناة عن هذا الشعب الذي انتظر هذه اللحظة الفاصلة منذ أكثر من 60 عامًا.

 

رسالة لمرشحي الرياسة:

لا يكن تنافسكم في الرياسة التنافس البغيض، بل لا بد أن نحترم البعض، فالترشح مكفول لكل مواطن، ولا تساعدوا الحكومة والإعلام بإلهاء الشعب في القضايا الفرعية.. هذا ترشح، وذاك انسحب، وهذه مؤامرة وغيرها من القضايا التي تلهي الشعب عن القضايا الحقيقية، ولا تحسوا أتباعكم على التناجز والتناحر والمعارك الفرعية، فهذا يقول مرشحي أفضل والغير أسوء، وهذا يقول هذا المرشح خائن وهذا كاذب، فاعملوا واتركوا الباقي للشعب يختار الأفضل.

 

أيها المرشحون الإسلاميون وأنصارهم.. لم نسمع لمرشحي الفلول ولا أنصارهم في الفضائيات والفيسبوك والتويتر أي صوت؛ لأنهم منهمكون في العمل والتخطيط والتواصل مع الناس، أما أنصار المرشحين الإسلاميين فكل ما يهمهم أن يروج الأباطيل عن المرشح الإسلامي المنافس، ويقدحه وينفر الناس منه، وأصبحت المعارك الإعلامية والفيسبوكية من أجل ذلك فقط، لا من أجل وضع برنامجٍ للنهوض بالبلاد أو التصدي لمرشحي الفلول.

 

رسالة إلى الليبراليين واليساريين

أنتم أيضًا فصيل وطني ولكم دوركم وفكركم في الوطن، فلنتضافر جميعًا من أجل الوطن ولا لنلتفت لمصالح شخصية أو حزبية، وليكن هدفنا جميعًا واحد، وهو استقرار الوطن والنهوض به، ثم بعد ذلك تكن منافسة شريفة، يختار فيها الشعب الأنسب لقيادة الوطن، ولا يكن همنا الوقوف أمام نجاح الوطن على يد فصيل أخر، بل لا بد أن نتعاون جميعًا، ولا نحزن على يدي من أتى الخير للوطن.

 

رسالة للإعلام

تذكروا يومًا أنكم أمام الله واقفون، وأنكم في أخطر مهمةٍ أوكلها الله لكم، فلا تستغلوها في تخريب الوطن من أجل حفنةٍ من الجنيهات، لكن فلتكن جهودكم موقوفة للرقي والإصلاح وإرشاد الناس إلى الخير والنهوض بالوطن.

 

لا تكونوا معول هدم في يدي الظالمين فكثير من الشعب يلتف حولكم ليعرف التطورات منكم، وعلى أيديكم تستقر البلاد أو تشتعل نارًا.

 

رسالة لميدان التحرير:

كنت وستظل أيها الميدان نموذجًا للفداء والشموخ، لكن واأسفاه فقد فقدت بريقك بكثرة المليونيات غير المُهدَّفة، وكثرة تناحر القوى على أرضك والصراع على الاستحواذ عليك، حتى وصل الحال بنا والاختلاف أن أصبحت مجالاً للتناحر فأصبحنا نرى دعوة مليونية من أجل نصرة المرشح فلان، وفرقة أخرى من أجل الدستور للجميع، وفرقة أخرى دورها العبث بالميدان.. فأصبح الخلاف هو شعارك الآن.

 

رسالة لأهلنا بغزة وسوريا:

سامحونا على تقصيرنا فقد استطاع نظام مبارك وحكوماته بعد الثورة أن يشغلونا عنكم وعن قضاياكم فأصبحنا نرى الصغير يذبح على يدي الصهاينة أو شبيحة بشار دون أن تهتز لنا شعرة؛ لأننا مشغولون في قضايانا الفرعية والرئيسية؛ ولذا فالذبح يحدث فيكم بدم بارد لانشغالنا عنكم ولا نصير لكم إلا الله.

 

وأخيرًا..

أفيقوا يا قومنا، فثورتنا ووطننا وشعبنا يسيروا إلى طريق مسدود يرجع بنا لصناعة نظام مبارك من جديد، فليتحد الجميع ضد ما يُحاك.. ولنقف خلف المؤسسات الشرعية المنتخبة التي خرج من أجلها الشعب، وتحمل العنت من أجل إزاحة الباطل وأركانه، والنهوض ببلدنا.. أفيقوا يا قوم.. أفيقوا قبل أن تصطدمكم الحسرة.. أفيقوا.

 

---------

* باحث تاريخي- [email protected]