لعل أقسى ما ورثته مصر من خطايا النظام البائد هو حالة التدهور والخراب الاقتصادي الذي يعتصر الجميع في مصر، منتجين ومستهلكين، عاملين ورجالً أعمال؛ حيث مارس هذا النظام أبشع أنواع الفساد والاستبداد  والسلب والنهب، والتي قدّرت بما لا يقل بحال عن ألفي مليار جنيه، خلال السنوات الأخيرة، وترك بنية أساسية متهالكة ونظامًا تعليميًا فاشلاً وإنسانًا مصريًّا  بائسًا، فقد الأمل فى حياة حرة كريمة.

 

وبنظرة سريعة على الوضع الاقتصادي المصري نجد أن حجم الدين العام المحلي والخارجي قد بلغ حوالي 1350 مليار جنيه، يعادل 90% من الناتج المحلي الإجمالي، يكلف الموازنة العامة سنويًّا مبلغ 206 مليارات جنيه تكاليف لخدمة هذا الدين تمثل حوالي 62% من الإيرادات السيادية للموازنة العامة، كما أورثنا نظامًا عجيبًا للدعم لا مثيل له في العالم كله، بلغت تكلفته  حوالي 156 مليار جنيه، منها 97 مليار جنيه لدعم الطاقة يذهب 80% منها للأغنياء، فضلاً عن نظام أجور يتسم بالفوضى وعدم العدالة والشفافية واعتصامات وإضرابات فئوية تكاد تشل الحياة العامة وتوقف عجلة الإنتاج، بالإضافة إلى خلل هيكلي في بنية الاقتصاد الوطني؛ حيث نعتمد على موارد ريعية ولا توجد قاعدة إنتاجية ولا صادرات تتناسب مع مكانة مصر وإمكانياتها؛ حيث يمثل الاستيراد الخارجي أكثر من 70% من احتياجاتنا الغذائية؛ مما يهدِّد الأمن القومي المصري ويرهن إرادتنا وقرارنا السياسي، وترتب على هذا الوضع الاقتصادي البائس تدهور الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية وبرامج الرعاية الاجتماعية؛ حيث يقبع أكثر من 40% من المصريين تحت خط الفقر، وزادت معدلات البطالة عن 18% من القوة العاملة فتفشت المشكلات الاجتماعية من أمراض مزمنة وأمية مريعة وعنوسة وارتفاع معدلات الطلاق والتفكك الأسري وارتفاع نسب الإعالة وأطفال الشوارع.

 

إن تحقيق آمال وطموحات الجماهير التي خرجت يوم 25 يناير لتعبِّر عن رفضها هذا الواقع الأليم تحدوها أشواق الحرية والعدالة والعيش الكريم، يحتِّم علينا جميعًا في هذه اللحظات الفارقة اختيار القائد الراشد الذي تتوافر لديه الإرادة والرؤية الاقتصادية الشاملة، ويتسم بالحكمة وبُعد النظر والقدرة على الإدارة الرشيدة؛ حتى نتمكن معه من تحقيق مشروع تنموي حضاري، يحقق آمال الجماهير وطموحاتها، ويحافظ على مبادئ وأهداف ثورتها الأبية.

 

ويظل هذا القائد الحلم الذي يمثل نموذجًا مصريًّا خالصًا لأردوغان ومهاتير محمد هو كلمة السر في تحويل أهداف ومبادئ الثورة واقعًا حيًّا معيشًا؛ حيث إن مصر لا تنقصها الموارد، بل تنقصها الإرادة الصلبة والإدارة الحكيمة القادرة على تحويل حركة المجتمع وحماس الجماهير إلى طاقة بناء دافعة لا طاقة فوضى مهددة ومبددة، وهذا ما يتوافر جليًّا في "خيرت الشاطر"؛ الرجل الذي نبغ في تكنولوجيا المعلومات وعلوم الحاسب، وكاد أن يضع مصر على أعتاب الدول الكبرى في الاستفادة من اقتصاد المعرفة الذي يمثل أهم عناصر رأس المال العالمي عام 1993م، لولا حماقة النظام الذي زجَّ به في غياهب السجن وصادر أمواله وممتلكاته.

 

إن رجلاً يُسجن أكثر من اثني عشر عامًا بعد أن فُصل من التدريس بالجامعة وتصادر أمواله مرتين ويبدأ في كل مرة من الصفر؛ لهو رجل ذو مهارات وقدرات اقتصادية وإدارية جبارة، تعوَّد أن يعمل تحت الضغوط وفي أقسى الظروف ويحقق ما لم يستطع أن يحققه غيره ممن توفرت لهم كل عناصر النجاح.

 

ولعل مسئولية الشاطر عن مشروع النهضة الذي بدأ الإعداد له منذ سنوات عديدة، ويعمل معه فيه مئات من الخبراء والعلماء في كل فروع العلم والمعرفه وسفره المتواصل إلى كثير من دول العالم؛ لدراسة تجاربها التنموية يعطي ميزةً للشاطر كرجل اقتصاد ودولة من الطراز الرفيع مما لا يتوافر لدى كل المرشحين على الساحة، وهذا ما نحتاج إليه في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا.

 

ربما يراهن البعض من المعادين للثورة الكارهين لها على سوء الأداء الحكومي الحالي وتواتر الأزمات المصطنعة التي تضرب عناصر الطاقة والغذاء وآمال الجماهير؛ مما أدى إلى شيوع الاعتصامات الفئوية في ظل حالة اليأس وفقدان الأمل؛ بما يهدِّد بثورة جياع تجتاح الأخضر واليابس وتقضي على طموحات ثورة يناير المجيدة.

 

إن ضروريات المرحلة تقتضي أن يكون في سدة القيادة رجل اقتصاد، ينزع فتيل الأزمة، ويكون قادرًا على قيادة مشروع النهضة الذي صُنِعَ على عينه وسجن في سبيله، قادرًا على استحثاث المكنونات الحضارية والإنسانية والإمكانيات الاقتصادية للشعب المصري لوضع مصر في المكان اللائق بها كقلب العالم الذي علم الإنسانية معنى الحضارة ومفاهيم التنمية منذ فجر التاريخ.

 

إن ضرورات المرحلة تفرض علينا أن يكون الرئيس القادم رجل اقتصاد بارعًا، ولذا سيظل اختيار الشاطر رئيسًا ضرورة اقتصادية تؤسس لبناء آفاق سياسية واجتماعية وثقافية وتعليمية أرحب، تحقق النهضة الشاملة وتبث أنوار الأمل لتحقيق مستقبل أكثر إشراقًا.

 

-----------

* عضو مكتب اللجنة الاقتصادية المركزية والمتحدث الإعلامي.