قامت ثورة 25 يناير ضد الظلم والاستبداد الذي مارسه النظام السابق لعقود من الزمن، قام فيها بشتى الطرق بإهانة الشعب المصري والاستيلاء على أمواله وممتلكاته لصالح فئة بعينها ممن يلتفون حول الرئيس المستبد، الذين قاموا بتزيين ما يفعل، مؤكدين له أنه صاحب الفكر والرأي السديد، بالإضافة إلى تقزيم دور مصر على المستوى الإقليمي والدولي.

 

وكان من هؤلاء اللواء عمر سليمان؛ الذي تولَّى رئاسة المخابرات المصرية لفترة طويلة، حاول من خلال منصبه حماية النظام السابق والدفاع عنه وتأمين مستقبله، وكان الشخصية الوحيدة المُقرّبة من الرئيس المخلوع؛ لدرجة أنه كان يجلس معه في جلسات خاصة يحكي له النكت التي يتداولها الشارع المصري، حسب ما سمعته من أحد المقربين منه، وليس هذا فحسب، بل كان رسوله إلى الكيان الصهيوني والمناطق الساخنة؛ لتقديم التنازلات والتضييق بكل الوسائل على الفلسطينيين لصالح الكيان.

 

وكان دوره أثناء الثورة في غاية الخطورة، تمثل في أنه كان صاحب اليد المؤثرة في كل الأحداث التي حدثت، وقام بتوجيه كل أفراد وإمكانيات جهاز المخابرات المصري للقضاء على الثورة والثوار.

 

ولعلنا نسترجع أيضًا المنظر الدرامي أثناء إلقائه بيان التنحي ومدى الحزن والألم والأسى الذي ظهر عليه بعد أن تولَّى منصب نائب الرئيس المخلوع، ناهيكم عن الجولات العديدة التي قام بها مع القوى السياسية وبعض الشباب لمحاولة القضاء على الثورة.

 

والسؤال المطروح: هل بعد الثورة التي قامت ضد هذا الظلم والفساد وضد رموزه يمكن أن يظهر علينا مرةً أخرى عمر سليمان لإعادة نفس النظام والقضاء على الثورة؟!

 

أتصور أن المخرج الوحيد للوقوف ضد إعادة النظام البائد هو توحيد القوى الثورية ولمّ الشمل الذي تمزَّق في الفترة الماضية؛ بسبب مجادلات ومشاكسات أدَّت إلى انتهاز الفرصة من عناصر النظام السابق لمحاولة الانقضاض على السلطة مرةً أخرى.

 

والغريب في الأمر أننا نجد عضو مجلس الشعب مصطفى بكري يُقاتل من أجل تصدُّر عمر سليمان المشهد، ووقوفه بقوة ضد تشريع قانون يمنع رجوع الفلول مرةً أخرى، وهذا يضع علامات استفهام كثيرة.

 

أقول إن المشهد العام مُرتبك ومُلتبس، ويؤكد أن هناك قوى خارجية تريد أن تعبث بمصر وثورتها، ولعل ما قاله بنيامين بن أليعازر عضو الكنيست الصهيوني- والذي كان على علاقة وثيقة بالرئيس المخلوع حسني مبارك- إن مدير المخابرات المصرية السابق عمر سليمان هو المرشح الأفضل لرئاسة البلاد من حيث مصلحة الكيان؛ ليس هذا فحسب بل تقول الدكتورة ميرا تسوريف المحاضرة في مركز (ديان) بجامعة تل أبيب: إن تولي عمر سليمان مقاليد الأمور بعد مبارك يمثل بالنسبة للكيان (استمرارية مبارك)، مشيرةً إلى أن طريقة حكم مصر عندها لن تتغير، بل تصبح فقط أكثر لينًا ومرونةً.

 

إن محاولة إعادة النظام السابق والقفز على الثورة وتصدير الأزمات ستُدخلنا في نفق مظلم قد يؤدي إلى ثورة جديدة، ووقتها لن يرحمنا التاريخ؛ لأن الشعب المصري لن يقبل أن يعود إلى الوراء مرةً أخرى.