من الواضح أن الحضور الجبري للواء عمر سليمان لمشهد السباق الرئاسي له خلفيات عديدة ومتنوعة، القليل منها معلوم والكثير منها مجهول.

 

الرجل حضر للمشهد رغم أنفه! على مستواه الشخصي أراد أن يبقى بعيدًا حفاظًا على نفسه وسمعته وما يملكه من ثروات معلوماتية ومادية، لكنَّ الرجل ليس ملك نفسه؛ فهو على المستوى المحلي جزءٌ لا يتجزَّأ من منظومة الاستبداد والفساد والقمع، وعلى المستوى الإقليمي والدولي هو المسئول الأول عن ملفات مصر الخارجية الحرجة: الاقتصادية والتجارية والسياسية والأمنية، خاصةً مع الكيان الصهيوني والطرف الأمريكي.

 

من الطبيعي أن لدى الرجل على البعض ملفات سوداء، لكن أيضًا شاء أم أبى لدى البعض أيضًا ملفات أشدّ سوادًا عليه وعلى فرق عمله ونظامه المخلوع والموجود، هذه هي معادلة التعامل في الميدان المخابراتي.

 

على هذه الخلفية دُفع الرجل دفعًا لنزول حلبة السباق الرئاسي، نزلها بعقلية ونفسية المتهم أمام من أجبروه، وبالتالي- ولا إراديًّا ودون وعي- حدث الإسقاط النفسي لتفريغ كوابيسه وفزَّاعاته ومخاوفه على من حوله حمايةً لنفسه ومن دفعوا به، فبدلاً من طرح البرامج والرؤى والأفكار بدأ الرجل بنفس العقلية الأمنية والنفسية المريضة التي تعودت الكذب والفبركة حين ادَّعى أنه هُدَّد بالقتل من أطراف إسلامية، ثم التهديد بفتح الملفات السوداء لخصومه.

 

إلى هنا لا جديد.. فهذه هي البضاعة الوحيدة والمعيبة التي يملكها الجنرال وفرق عمله التي ظلت تكذب وتتحرَّى الكذب على الشعب المصري طوال عقود المخلوع مبارك، هدّد الرجل بفتح ملفات خصومه بدعم مالي لا سقف له من رجال المال الفاسد في نظام مبارك الذين نهبوا ثروات الوطن، وغطاء إعلامي لا أخلاق له ممن أرادوا تصفية الحسابات وتعويض الخسائر بعيدًا عن السجال الديمقراطي إلى مربعات أخرى غير وطنية ولا سلمية.

 

أتصور أن الرجل وفرق عمله المحلية والإقليمية والدولية قد أخطأت تقدير الوقت والعنوان، فخصومة الجنرال ليست مع فرد أو حزب أو جماعة.. خصومته مع شعب وأمة ومنطقة بالكامل؛ لأنه ومن على شاكلته في دول المنطقة تجرَّدوا من الواجبات الشرعية والمسئوليات الوطنية حين انحازوا لأشخاص وعائلات لا إلى شعب ووطن.

 

طبيعة وظيفة الجنرال تستوجب علمه بكل صغيرة وكبيرة في مصر والمنطقة، وبالتالي كان الجنرال على علم كيف نهبت ثروات الوطن ومقدَّرات الشعب؟، كيف هرِّبت المليارات؟ كيف تمَّت الصفقات للغاز والذهب وأراضي الدولة وشركات القطاع العام؟ وكيف تمَّ اختطاف المصريين داخل مصر وخارجها، وكيف تم تعذيبهم وقتلهم بالوكالة لحساب دول تدعي حقوق الإنسان؟ وكيف كانت الصفقات والمؤامرات العالمية في حصار غزة وقتل شعبها؟ وكيف تمَّت مؤامرة انفصال جنوب السودان؟

 

الملفات كثيرة ولا أستبعد أن يتطوع العشرات بل المئات بالطرح العلني دون مزاد للعديد من المعلومات والملفات التي تخص الرجل الذي أصرَّ هو دون غيره على تحويل السباق الرئاسي إلى صراع مخابراتي.

 

الرجل دون وعي ولعله قدر الله الطيب فتح على نفسه وبقايا النظام في كل مؤسسات الدولة بابًا لن يغلق، وهو إعادة المحاكمات، وردّ المظالم، وإعطاء دفعة جديدة للثورة التي يريد عمر سليمان وفرق عمله إجهاضها.. الرجل سيفاجأ بأن الشعب الثوري اليقظ الذي سبق النخبة والنظم يسبق- وبامتياز- الجنرال وفرق عمله بكمٍّ من المعلومات أو الفضائح ربما قد نسيها الرجل بفعل سرعة الأحداث، وضغوط الأطراف وكبر السن وتواضع الصحة.

 

العجيب أن الرجل قد نسي أو تناسى أحداثًا قريبة جدًّا.. أنه والفريق أحمد شفيق كانا على منصة الحكم خلال موقعة الجمل وقُتل الشهداء وأحرقت الممتلكات وأشيعت الفوضى.

 

الجنرال طرف وشريك متضامن مع المخلوع مبارك؛ لذا فمكانه الطبيعي معهم في المشفى أو المزرعة حسب دفتر الأحوال.

 

------

* كاتب مصري.