أتمنى أن يكون صحيحًا كلام المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري بشأن حياد المجلس بين مرشحي الرئاسة ووقوفه على مسافة متساوية بينهم جميعًا، لكن مواقف عملية على الأرض تشي بغير ذلك، كان أبرزها وصول المرشح عمر سليمان إلى لجنة الانتخابات وسط حماية الحرس الجمهوري كما لو أنه لا يزال في موقع نائب الرئيس، أو أنه أصبح رئيسًا فعلاً، كما أن التوكيلات التي جمعت له على عجل من بعض الجهات الأمنية وتحمل أرقامًا متسلسلةً تكشف تحرك رجاله في تلك الأجهزة لعمل التوكيلات، ومن هنا فلنا أن نتوقع أن يتحرك هؤلاء الرجال لاحقًا لدعم رئيسهم، أو مرشحهم مستخدمين إمكانيات الدولة خاصة الأمنية وخبرات التزوير في ظل وجود نص قانوني يحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات من الطعن.

 

لا أدري بأي وجه يتقدم عمر سليمان لرئاسة مصر التي ثارت عليه وعلى رئيسه وقدمت من أجل خلعهما مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين، والتي هتف شبابها في الميدان "ارحل ارحل يا سليمان موش عايزينك أنت كمان"؟!، ولا أدري هل كان الرجل في كامل وعيه وهو يكتب بيان ترشحه مدعيًا أنه سيحقق أهداف الثورة؟ّ!!.

 

لا خوف من منافسة متكافئة مع عمر سليمان أو غيره، فهو في ذاته ليس مبعثًا على القلق، لكن مجرد ترشحه هو استفزاز لمشاعر كل من شارك في الثورة، وكل من شارك في صنع التغيير وكسر أنف الاستبداد، فقد أخرجت الثورة هذا الرجل من الباب ليحاول العودة إلى سدة الحكم من الشباك، ولو قدر له الفوز فعلينا أن نقرأ الفاتحة على الثورة، وعلينا أن نجهز مقابر جديدة لشهداء جدد، بل علينا أن نستعد للعودة إلى عهد القهر والاستبداد وامتهان الكرامة في الداخل والخارج.

 

الخوف من عمر سليمان هو أنه لا يؤمن بالديمقراطية، وقد عبَّر عن ذلك صراحةً في أحاديث سابقة منها حديثه لقناة "إيه بي سي" الأمريكية قبيل تنحي مبارك حين قال إن الشعب المصري غير مهيأ للديمقراطية، وبالتالي ففي حال فوزه بطريقة ديمقراطية فإنه سينقلب على الديمقراطية بعد أن يكون قد درس تجربة ثورة 25 يناير وثغراتها بهدف عدم السماح بتكرارها، وسيجد في سبيل ذلك دعمًا من الفلول ومن أنظمة عربية وقوى عالمية على رأسها بطبيعة الحال إسرائيل التي سيصبح سليمان بالنسبة لها كنزًا إستراتيجيًّا جديدًا.

 

الخوف أيضًا أن بعض أجهزة الدولة العميقة تحركت فور ترشح سليمان وحتى قبل ترشحه، بل إن بعضها من سعى لتهيئة الأجواء لترشحه عبر بث الفتن والفرقة بين قوى الثورة من إسلاميين وليبراليين ويساريين، ومن ذلك جس النبض بلقاء سري عقده مدير جهاز أمني كبير مع عدد من رؤساء التحرير وبعض الكتاب والإعلاميين، أغلبهم من رموز النظام القديم وبعضهم ممن ينتمون للقوى الليبرالية واليسارية لبحث فرص فوز سليمان حال ترشحه، ورغم أن البعض اعترض على الترشح من منطلق ثوري ووطني إلا أن آخرين أيدوا الترشيح، خاصة بعد أن طمأنهم مدير الجهاز بوجود مستندات تثبت الجنسية الأمريكية لوالدة حازم صلاح أبو إسماعيل، وبالتالي خروجه من السباق، وبعد أن ألمح إلى حصول المرشح عبد المنعم أبو الفتوح على جنسية قطرية وهو ما ثبت كذبه لاحقًا.

 

كما أن ذلك اللقاء خلص إلى نتيجة مفادها أن فرص المهندس خيرت الشاطر ضعيفة بسبب بعض الإشكاليات القانونية المرتبطة بقضية العفو، والسياسية المرتبطة بتراجع شعبية الإخوان بعد تشكيل الجمعية التأسيسية والترشح للرئاسة (متجاهلين نتائج الانتخابات النقابية والطلابية التي جرت بعد قرار الإخوان بالترشح للرئاسة والتي فاز مرشحو الإخوان بغالبية مقاعدها)، ولكل ذلك خلص الاجتماع إلى وجود فرصة قوية للواء عمر سليمان، وهذا يعني أن ذلك الجهاز الأمني سيضع إمكانياته في خدمة ذلك المرشح، وقد شرع في التنفيذ فعلاً عبر جمع التوكيلات، وعبر توجيه وسائل الإعلام الرسمية لدعم سليمان، وشن حملة على المرشحين المنافسين الأقوياء خصوصًا المهندس خيرت الشاطر وجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة وهو ما يحدث بهمة ونشاط عاليين هذه الأيام.

 

لقد عاد الإعلاميون المتحولون إلى خنادقهم القديمة ليعلنوا دعمهم لعمر سليمان بعد أن ركبوا موجة الثورة، ولبسوا أردية الثوار، وراحوا يشهرون سيوفهم في وجه الجميع بدعوى حماية الثورة، لقد تسامح الشعب مع هؤلاء الإعلاميين المتحولين من قبل باعتبارهم كانوا مكرهين على تلك المواقف المخزية في دعم النظام المخلوع، لكن الشعب لن يتسامح معهم مرة أخرى بعد أن منحهم فرصة التوبة فإذا الطبع يغلب التطبع كما يقول المثل.

 

لقد فتحت الثورة ودماء الشهداء أبواب الحرية أمام المصريين ليختاروا رئيسهم لأول مرة في التاريخ القديم والحديث، ورغم أن المصريين هم من عزلوا الوالي خورشيد باشا وعينوا محمد علي بدلاً منه، إلا أن ذلك حدث عن طريق أهل الحل والعقد، أو لنقل، النخبة السياسية في ذلك الزمن وليس بمشاركة كل المصريين، أما اليوم فإن كل مصري بلغ السن القانوني للتصويت أمامه فرصة للتغيير، ولاختيار رئيسه بمطلق حريته، وبالتالي فإننا نتوقع من المصريين وفاءً لدماء الشهداء أن يختاروا من يحترم تلك الدماء لا من سفكها أو رضي بسفكها.

 

اليوم وبعد أن خرجت قوى الثورة المضادة من جحورها بعد تشتت القوى الثورية، واختلافها على تقاسم مغانم الثورة، لا بديل من عودة هذه القوى الثورية للتوحد والتماسك مرة أخرى، وأظن أن حكم محكمة القضاء الإداري بحل الجمعية التأسيسية للدستور هو فرصة لإعادة هذا التماسك حيث ينبغي على جميع هذه القوى التوصل إلى معايير مرضية لاختيار اللجنة الجديدة حتى يتفرغ الجميع لمواجهة غزو الفلول.