عندما علم الدكتور محمد مرسي مساء الثلاثاء 17/4/2012م بقرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية باستبعاد المهندس خيرت الشاطر بشكلٍ نهائي من السباق الرئاسي ردد وقتها جملة واحدة أعتقد أنها خرجت منه دون أي تفكير مسبق؛ حيث قال "حسبنا الله ونعم الوكيل.. لله الأمر من قبل ومن بعد"، وظلَّ الرجل حزينًا لاستبعاد المهندس خيرت الشاطر، مؤكدًا أنه كان الأصلح لقيادة الوطن لما يمتاز به من إمكاناتٍ لم تعد خافيةً على أحد.

 

هذا المعنى الذي أشار إليه الدكتور محمد مرسي ربما وصفه آخرون على غير معناه، فكثيرٌ ممن قرأت معهم المشهد السياسي المتقلب في كل أجزائه، حصروا المنافسة بعد خروج الشاطر بين اثنين أو ثلاثة من المرشحين، وربما ساعد على ذلك عدد كبير من وسائل الإعلام، إلا أن هناك أمرًا ربما كان خافيًا على أصحاب هذا الرأي بأن الجماعة والحزب عندما رشحوا المهندس الشاطر كان معه الدكتور مرسي، وأيًّا من كان منهما أساسيًّا أو احتياطيًّا، إلا أن المهم أنهما يمثلان جماعة لها أقدام راسخة منذ أكثر من ثمانين عامًا، وحزب يكتسب كل يوم أرضًا جديدةً في الشارع المصري، وهو ما يميز الإخوان عن غيرهم.

 

ولعل هذا يجعلني ألقي الضوء على جوانب من شخصية الدكتور محمد مرسي الذي ظلَّ لسنوات طويلة أحد الوجوه السياسية البارزة للإخوان المسلمين، سواء خلال جوده في برلمان 2000 أو من خلال وجوده في مكتب الإرشاد، وحتى تمَّ انتخابه من مجلس الشورى العام رئيسًا لحزب الحرية والعدالة في أبريل 2011م، والذي كان وقتها تحت التأسيس.

 

والدكتور محمد مرسي من مواليد عام 1951م بمحافظة الشرقية، وقد تخرَّج في كلية الهندسة بجامعة القاهرة عام 1972م، وحصل على درجة الدكتوراه في الهندسة من جامعة ساوث بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد عمل بنفس الجامعة حتى وصل إلى درجة أستاذ مساعد، وعاد بعدها لجامعة الزقازيق وتدرَّج في سلكها التدريسي حتى أصبح رئيسًا لقسم المواد، وهو التخصص الذي كان سببًا أساسيَّا في مواجهاته الساخنة مع حكومة عاطف عبيد عندما فاز د. مرسي في انتخابات مجلس الشعب عام 2000م، وكان أحد نجوم هذا البرلمان باستجواباته القوية حول حادث قطار العياط الذي راح ضحيته مئات المصريين، وبعدها استجوابه الخطير عن انهيار عمارة مدينة نصر، والذي لقَّن فيه درسًا في علوم الإنشاء والبناء لوزير الإسكان وقتها محمد إبراهيم سليمان، ولعل هذا الاستجواب الذي فضح منظومة الفساد العائلي الذي تسبب في نهب ثروات مصر، كان سببًا في اتخاذ قرارٍ من النظام السابق بعدم فوز د. مرسي في انتخابات البرلمان عام 2005م من خلال تزوير فج لانتخابات الدائرة الأولى بالزقازيق شهده العالم كله.

 

هذه التجربة البرلمانية دفعت بمرسي إلى الحقل السياسي الذي قدَّم فيه أداءً كبيرًا؛ فهو يمتاز بثقافةٍ عاليةٍ وقدرة على قراءة الأحداث السياسية وتقديم رؤى وأطروحات في القضايا المختلفة، وهو ما يرجع إلى قراءاته المتعددة في مختلف المجالات، واطلاعه على كثيرٍ من التجارب والثقافات؛ ولذلك لم يكن غريبًا أن يجد النظام المصري في مظاهرات دعم استقلال القضاة عام 2006م فرصةً لاعتقاله لمدة سبعة أشهر، ليعود بعدها إلى العمل السياسي بشكلٍ أكثر قوةً، وكان داعمًا قويًّا للهيئة البرلمانية للإخوان في برلمان 2005م، حتى اختارته الجماعة متحدثًا إعلاميًّا باسمها.

 

وفي 18 يناير عام 2011م أي قبل الثورة المصرية بأسبوع أجريتُ مع الدكتور مرسي حوارًا متلفزًا لموقع (إخوان أون لاين) حول أحداث تونس ومدى إمكانية تكرارها في مصر، ووقتها قدَّم مرسي رؤيةً واضحةً حول الأوضاع في مصر التي بدأت تقترب بقوةٍ من الثورة الشعبية، وطالب نظام مبارك وقتها باتخاذ خمسة إجراءات عاجلة لنزع فتيل الاحتقان لدى الشعب المصري، وهي إلغاء حالة الطوارئ، وحل مجلسي الشعب والشوري المزوَّرين، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتعديل المواد الدستورية المشوَّهة، والتي أدَّت إلى تزوير الانتخابات الماضية، وسيكون لها تأثير في انتخابات الرئاسة القادمة، وهي المادتان 76 و77 المتعلقتان بشروط ومدة رئاسة الجمهورية، والمادة 88 المتعلقة بالإشراف القضائي على الانتخابات، وسرعة إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية طبقًا لهذه التعديلات، وأخيرًا إقالة حكومة نظيف، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تستجيب لمطالب الشعب المصري، مؤكدًا أن مظاهر الاستفزاز التي يتعرَّض لها الشعب من رموز السلطة والنظام الذين اغتنوا وكوَّنوا الثروات بالفساد واحتكار صناعات إستراتيجية، كصناعة الصلب والإسمنت وغيرهما، كفيلة بأن تجعل الشرارة تنتقل من تونس إلى القاهرة.

 

ما أشار إليه الدكتور محمد مرسي في هذا اللقاء الذي استبق الثورة بأيام قليلة يترجم طريقة قراءته للأحداث السياسية وسبل حلها، وهو في ذلك يرتكن لمؤسسة الجماعة، ومن بعدها الحزب مدعومًا في ذلك بلجانٍ فنية ومستشارين ومختصين في مختلف المجالات جعلوا غايتها الأولى خدمة مصر والعبور بها إلى برِّ الأمان.

--------------

* [email protected]