من الملاحظ والغريب أن هناك دعوات من البعض- وإن بدأت تقل كثيرًا بعد محاكمة مبارك– بأنك لست مجبرًا على الاختيار.. لا تختار.. والتساؤل هنا ليس سياسيًّا إطلاقًا ولكنه تربوي محض.. فكيف نشأ جيل يمكن أن يعتبر أن النعامة حل؟ وأن بإمكاننا تجاهل الواقع الذي نحياه بكل جوارحنا ومشاعرنا؟ وكيف يتم التأثير على رأيه وقراراته لدرجة تجعله غير واعٍ تمامًا بالمعطيات والحقائق؛ بل وليَّها ليجعل النعامة هي الأكثر وطنية وثورية وتحدٍّ؟
إن أجيال جديدة من الأطفال تصنع الآن.. تشاهد الثورة وتتعلم من كل كلمةٍ ننطقها ومن كل فعل وردة فعل.. ونريد أن نستغل ذلك لصالح أبنائنا تمامًا.. فينشأ جيل بعيدًا عن الحائط ! ولا يقبل طريقة النعامة! يفكر فيقرر.. ينفذ فينجح.
توريث القرار!!!
إن أول تربيتنا لأبنائنا أن ندرك أنه مهما كانت صحة قراراتنا وتبنينا للقضايا العظيمة فعلينا ألا نتعامل مع أبنائنا بشأنها على أنها مسلمات بل عليهم أن يسمعوا منا دائمًا عن الأسباب والمعطيات.. علينا ان نبدأ معهم من الصفر.. من البداية.. لا حيث وصلنا.. لماذا هذا القرار أو التبني لهذه القضية؟ ما الأثر الذي سيعود منها؟ وما أثر تركها؟ هل من إمكانية للتغيير؟ ما هي الخطوات؟
إن التعامل مع الأبناء كفرد ناضج نقنعه ونوضح له وندربه على الأسس الصحيحة لاتخاذ المواقف والقرارات سينشِّئه على أن يكون متفاعلاً ومقيِّمًا لا مستقبِلاً فقط لكل ما يسمع..سيربِّيه على وزن الأمور وتقييمها والبحث وراء أسبابها دومًا.. فلا يُترك ليكون فريسة لتوجيه أو تغييب.
القرار خطوة خطوة
1. ما القرار الذي نحتاج لاتخاذه؟.. ما الموضوع والهدف أصلاً.. وتلك أهم خطوة وأول خطوة وهي تجيب عن السؤال (ماذا؟)
2. ماذا تعرف؟ ما المعطيات والمعلومات لديك في هذا الأمر؟ إن هذا أول ما يجب أن يتعلم أن يفكر فيه..ثم يتأكد.. هل هذه حقائق صلبة؟ ما مصدرها؟ دقتها؟
3. ما البدائل؟ الإمكانية 1 والإمكانية 2 والتحدي 3...
4. قيم وزن البدائل كلها.. مميزات وعواقب كل منها.. ما هو الصحيح؟ وما الأصح؟.. ما الذي سيرضي ربي عني؟ ما الذي سيكون أكثر نفعًا لي وللآخرين؟ ما أثرها علي وعلى الآخرين؟ ما التحديات؟ وما الصعوبات؟ ما أسوأ ما يمكن أن يحدث؟ وما أفضل ما يمكن أن يحدث؟
5. استشر ناصحًا أمينًا
6. خذ قرارًا.. (تشجيع الطفل على عدم التردد ولا التراجع طالما المعطيات لم تتغير)
7. نفذ.. مهما كانت الصعوبات ولا التحديات طالما أنك متأكد من أنه الصواب..
8. قيم.. ليس بهدف التندم ولكن بهدف قرار أعمق وأصح في المرة القادمة.. وحين نقيم علينا تقييم العملية كلها لا النتيجة النهائية فقط فلربما كان الخطأ من المعلومات التي لم تكن دقيقة بما يكفي وعلينا أن نعلم الطفل التقييم البناء الذي يكشف له موضع الخطأ بالبعد عن اللوم والنقاش والتساؤل معه بهدف الوصول لنتيجة تعليمية وخيرة نافعة
من الوسائل التي يمكن الاستعانة بها لتبسيط تلك الخطوات للصغار هي استخدام جدول بسيط جدًّا كالتالي لعرض أهم المعلومات والمميزات كما العيوب في الخيارات
مؤثرات على صناعة القرار
الانفعال: حين يرانا أطفالنا نتخذ قرارات غاضبة ونعاقبهم ونحن غضبى فإنهم يتعلمون أن ذلك ممكن.. يتعلمون أن اتخاذ القرار حال الانفعال أمر طبيعي.. ويتناسوا كما تناسينا موقف سيدنا على (حين قام من فوق الكافر الذي بصق عليه قبل ان يقتله وكان سيدنا علىّ على وشك قتله ليبدأ معه القتال من جديد حتى لا يتصرف على أساس انفعاله وغضبه الشخصي منه ولكن ليقاتله ليحق الحق ولتكون كلمة الله هي العليا )
التأثير العاطفي: من الجميل أن تتحرك مشاعرنا ومشاعر أبنائنا بكل العاطفة والتأثر ولكن من الخطـأ كل الخطأ أن يتخذوا قرارًا على أساس العاطفة حتى وإن كان القرار سيكون واحدًا في النهاية ولكن التفكير فيه واتخاذه بعد معرفة عواقبه وتحدياته سيجعل متخذه أكثر ثباتًا حين يواجه ما يواجه من التحديات والآلام لأنه اتخذ قراره وهو مدرك لأبعاده مستعد لها
النعامة(تجنب القرار): على غير ما نتوقع فإن سياسة النعامة تمثل الكثير من حياتنا فحين نلجأ للخصام بدون توضيح للآخر ولا تصحيح للخطأ الذي وقع ولا محاولةٍ للإصلاح فإن النعامة تبرز لأننا لن نلغي هذا الشخص من الحياة ولن نمحيه من الذاكرة ، كما أننا لا نصحح الأوضاع فنقف معلقين على السلم كالطفل يرفض الفسحة التي سنذهب إليها ويرفض كذلك العودة للمنزل ولا يريد أن يناقشنا على بديل واقعي ! إن خطورة النعامة الحقيقي يكمن في أنها سياسة لتفادي الصعب وعدم مواجهة الحقيقة.. يكمن في الضعف الذي سيتأصل كل يوم ومع كل نعامة..
الألعاب تدرب
يمكن استخدام وقت اللعب عمومًا لتدربيه على القرار واتخاذه ومن ذلك مثلاً: أن نعلمه وهو يتزحلق في النادي أنه بقي على موعد رحيلنا 10 دقائق ونسأله هل يفضل أن يظل على هذه الزلاجة أم يذهب ليجرب لعبة أخرى؟
قد يبدو الموقف الماضي بسيطًا وتلقائيًّا إلا أنه مفيد جدًّا خاصة مع تكراره في مواقف أخرى متعددة..كما أنه يساعده على التنبه لعوامل كثيرة منها الوقت وأهمية تقديره وتقدير الأمور والتفكير فيما يريد في وقت محدد
مثال آخر : الطفل الصغير حين نجلس لملاعبته نسأله أولاً ماذا تريد أن تلعب؟ إن اختار مثلاً القص واللصق فبدأ بسؤاله: هه ماذا سنقص اليوم؟ ما الذي تفضل؟... ثم نخبره قبل الانتهاء أنه باقٍ رسمة واحدة فقط لنقصها؛ لأنه عليَّ أن أذهب لأجهز شيئًا.. فماذا ستختارها؟ ولا ننهي اللعب فجأةً.
جعل بعض القواعد على هيئة قرارات فمثلاً عندما يريد الابن اللعب على الكمبيوتر قبل آداء واجباته الدراسية نخيره ما بين أن يلعب لعشر دقائق فقط قبل الواجبات أو أن ينهيها تمامًا ويلعب بشكل مفتوح حتى موعد النوم.. إن هذا القرار ربما يكون موجهًا إلا أنه يساعده على التفكير واتخاذ قرار سليم.
استخدام طريقة التخيير بدلاً من إلقاء الأوامر.. هل تساعدني في نشر الغسيل أم تغسل الصحون؟.. تدريب جيد كما أنه بسيط وسيعمل على أن يساعده في التفكير "أي الأمرين أسرع أو أسهل أو أكثر فائدة لي؟؟".. بدلاً من إلقاء الأوامر بشكل مستمر وإشعاره أنه ملزم طوال الوقت ومسير لا مخير.. فيشارك ويساعد بقرار منه فيما يفضل.
ومن الألعاب التي تساعد على التدرب على اتخاذ القرار والتخطيط:
- لعبة معركة المراكب (BATTLE SHIP): وهي تباع كما يمكن تحميلها من على الانترنت
الشطرنج :و التدرب عليها بشكل مستمر مفيد جدًّا كما أنه مسل وممتع لهم حين نشاركهم التحدي
ماذا لو: و هي لعبة نخترعها ونحن نجلس معًا بشكل مرح لكنه سيكون موجهًا من الأب والأم.. وفيها من مواقف الحياة المرحة.. ويمكن فيها الاقتراح والاستمرار فيها.. فمثلاً: ماذا لو ركبت تاكسي ثم اكتشفت أنك لا تملك مالاً؟.. سأطلب منه العودة للمنزل.. ماذا لو عدت فلم تجد أحدًا؟.. سأستعير مالاً من الجيران.. ماذا لو رفض الجيران؟.. وهكذا
مواقف مصممة :فيمكن لنا تصميم بعض المواقف لأبنائنا كما في ألغاز "من القاتل؟" وحثهم على التفكير في الحلول واتخاذ قرار ثم نطلب منه توضيح كيف وصل لهذا القرار خطوة خطوة ونقيم معه أسسًا القرار لا القرار نفسه
الرياضة وخاصة الجماعية والألعاب وحتى الكثير من ألعاب الكمبيوتر تساعد أبناءنا في عملية اتخاذ القرار وتدريبهم عليه
القرار المؤلم
أخيرًا علينا ونحن نربيهم ونوعيهم بأسس وبكيفية اتخاذ قرار ما أن نعرفهم على حقيقة هامة..ألا وهي أن القرارات كثيرًا ما تكون صعبة وأحيانًا ستكون مؤلمة.. وربما تكون قاتلة.. إن قرارًا مثل قرار (ألا أؤدي الواجب له عقوبة).. إن قرارًا مثل قرار الحرية له تضحيات.. إن قرارًا صائبًا سيكون من الواجب أن أصر عليه ولا بد له من تبعات وإن اختلفت من وقت لآخر.. على أن أعلمه وأدربه على ذلك بشكل نظري وعملي وأما النظري فسيكون بالقصص والمناقشات والفيديوهات المرئية وغيرها، وأما العملي فسيكون بأن أترك له المجال بأن يتحمل تبعات قراره بدون أن يجد مني إنقاذًا حين لا يفعل الواجب يومًا أو أن يتأخر عن موعد حافلته أو أن يهمل في وضع أشيائه فأخفيها عمدًا أو حين يتشاجر مع زميله، مع متابعته ومناصحته بهدوء ومراقبته عن بعد.