أطفال انتفضوا، نساء ورجال خرجوا، الكل عبر وتجاوز عروش الخوف وأثبتوا أن الإنسان العربي ما زالت تكمن بين ثناياه النخوة والشجاعة، والعزة والكرامة، والشموخ والإباء، حاولوا إسكاتهم فإذا بهم بكل مرة يأفكون بهم يزدادون قوة ومنعة، وإرادة وإصرارًا وتصميمًا، فهم ما خرجوا ليعودوا، وما انتفضوا ليقعدوا، وإنما كان لهم وما زال لديهم هدف أوضح من عين الشمس ألا وهو سقوط الظلم والطغيان.

 

هرب الأول مذعورا، وخلع الثاني عنوة، وأُعدم الثالث قصاصًا، واعتزل الرابع محروقًا. أما الباقون فما زالوا يمنون النفس ويغررونها، ويطمئنونها بأن ثورة بركان سرعان ما تخمد، وعاصفة سرعان ما تهدأ، ولكنهم بذلك أساؤوا الفهم، وأخذتهم الغفلة، واستملكتهم العزة بالإثم، فهم أخطأوا هذه المرة، فالشعب يريد إسقاطهم وحذف أسمائهم من على أسطر كتبت بحبر رخيص على صفحات كتب تاريخنا الحديث.

 

الشعوب تتطلع لمستقبل يعانق الماضي وينبذ الحاضر، لا يعانق الماضي ببيوت الطين والجمل والحصان، وإنما يعانق الماضي بتلك المنعة والقوة والهيبة للأمة، يعانق الماضي يوم كان الروم يقدمون الجزية صاغرين لهارون الرشيد، يعانق الماضي لما قدر وانتصر صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين وحرر البيت المقدس ثم عفا عنهم وأحسن معاملتهم، يعانق الماضي يوم كنا أمة واحدة لا تفرقنا عرقيات ولا لغات ولا لون ولا قومية ولا أي شيء منتن يقطع أوصال الأمة ويحولها لأشلاء متناثرة الكل يتلاعب بها.

 

في الأفق ألمح فجر عهد جديد سيطل علينا، وستغطي أشعة ذلك الفجر أرجاء المعمورة لتنيرها ولتبدد ظلمة حقب خلت من الظلم والضلال، ستشرق شمس الحرية وسننعم بأشعتها ونورها ودفئها وسنعود. فاشحذ أقلامك يا تاريخ، فكتابك قد أفاقوا وسيخطون التاريخ كما يريدون وما يريدون إلا الإنصاف والعدل، وإنه لقريب.

-------------

* [email protected]-- جمهورية التشيك