في أول كلماته للشعب بعد انتخابه، قال السيد الرئيس "محمد مرسي": "كلنا متساوون في الحقوق والواجبات.. كلنا علينا واجبات تجاه الوطن.. وكلنا لنا حقوق متساوية.. أما أنا فلا حقوق لي".

 

بدت كلماته صادقة اللهجة، عفوية المنطق، تفضح تواضعه، وتنبئ عن نفس متجردة عازفة عن زخرف الدنيا، غير أن كلماته الأخيرة لم ترق لي "أما أنا فلا حقوق لي"، كيف ذلك سيدي الرئيس؟، كيف لا يكون لزعيم أمة حقوقًا عليها؟، كيف يترك شعب رئيسه المنتخب دون أن يؤدي له حقه، ثم يطلب منه أن يوفي له بوعده؟، هذا ليس عدلاً.

 

سيدي الرئيس...

إن لك حقوقًا علينا جميعًا لا مناص لنا من الوفاء بها، ولا يحق لك أن تتنازل عنها، بل يجب عليك أن تطالبنا بها إذا قصرنا، وتذكرنا بها إذا نسينا، ودعني أعدد بعضها:

- من حق الرئيس علينا، أن ندعو له كما ندعو لأنفسنا، وكيف لا نفعل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم (أي تدعون لهم) ويصلون عليكم"، وكيف لا نفعل وقد قال الإمام أحمد بن حنبل: "لو علمت دعوة صالحة لصرفتها للسلطان؛ لأن بصلاحه تصلح الرعية"، وكيف لا نفعل وهو في أمس الحاجة إلى دعوة صالحة من قلب طاهر ولسان ذاكر في جوف ليل وبظهر غيب.

 

- من حق الرئيس علينا، أن نفخر به ونفاخر، وأن نرفع رءوسنا عاليًا وسط أمم الدنيا كلها، وحق لنا أن نفعل، فلأول مرة في تاريخنا تسود إرادة الشعب، وتعلو كلمة الأمة، ويحكمنا من اخترناه، لا من اختارنا.

 

- من حق الرئيس علينا، أن نحترمه ونبجله ونوقره، صحيح يجب ألا نصنع منه فرعونًا آخر فنصفه بكل كمال وننفي عنه كل نقص، لكن هذا لا يمنعنا أن نتعامل مع الرئيس كما نتعامل مع آبائنا وأساتذتنا وكبرائنا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا"، أعرف أننا شعب لطيف "ابن نكتة" لكنني أدعو فقط إلى التزام الآداب العامة مع رجل يمثل الأمة ويسعى لخيرها.

 

- من حق الرئيس علينا، أن نحترم خصوصياته، فلا نخلط بين "د. محمد مرسي" و"السيد الرئيس"، من نتابعه ونراقبه هو رئيسنا، أما أموره وأمور أسرته الشخصية فلا نتتبعها، ولا نتقول عليها، ولا ننشر الإشاعات حولها.

 

- من حق الرئيس علينا، أن نراقبه ونتابع أفعاله وأقواله، فالأمة اليقظة لا تترك قادتها لأنفسهم فيضلوا، أو لبطانتهم فينحرفوا، بل تراقبهم أولاً بأول، وقد وقف الصحابي لعمر بن الخطاب يصرخ فيه: "والله يا عمر لو وجدنا فيك اعوجاجًا لقومناه بسيوفنا".

 

- من حق الرئيس علينا، أن ننصح له، ونقترح عليه ما نراه يصلح الأمة، فالوطن وطننا جميعًا، والهم همنا جميعًا، والمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة"، قالوا: "لمن يا رسول الله؟"، قال: "لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم".

 

- من حق الرئيس علينا، أن نشجعه إن أصاب، ونمدح فعله إن أحسن، فمن يعمل فيصيب يزيده المديح حماسة، ويدفعه التشجيع للتفاني في عمله، ويدله ثناء الناس أنه يسير في الطريق الصحيح، لا تتركوا رئيسكم كمن يلعب دون جمهور، فإنه إن أحرز هدفًا عندها لن يحرز الآخر.

 

- من حق الرئيس علينا، أن نقومه إن أخطأ فنرده إلى الصواب، فكل عامل لا بد له من الخطأ، وتلك طبيعة البشر، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمن صوب خطأه فنصحه بالحق: "لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها".

 

- من حق الرئيس علينا، أن نمنحه فرصة للعمل قبل أن نحاسبه، فلا نقع في ذات الخطأ الذي أوقعنا فيه أعداء الثورة من قبل، فنحاسبه قبل أن يعمل، ونطالبه بما لا يستطيع، ونسخط عليه بعد أيام أن لم يقدم لنا حلولاً سحريةً لمشكلاتنا المزمنة، إننا لا نتربص برئيسنا بل نسانده وندعمه.

 

- من حق الرئيس علينا، أن نعينه بكل ما نستطيع، بكلمة صادقة تنصحه وترد عنه، وعمل مخلص كل في مجاله وصنعته، فالرئيس لن يبني المجد للأمة وحده، بل بسواعدنا جميعًا، فلنكن عونًا له لنبني المجد معًا.

 

- من حق الرئيس علينا، أن نطيعه ونمتثل أمره، ما أمرنا بمعروف فيه صلاح الأمة، وما نهانا عن منكر يدفع عنها الشر، فلا معنى لقيادة دون طاعة وامتثال، طاعة مبصرة تدرك المصلحة، وامتثال عن علم وحب وقناعة، وقد تمثل هو قول الصديق رضي الله عنه: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم".

 

- من حق الرئيس علينا، أن نسانده ضد المؤامرات عليه وعلى الثورة، فما تزال قوى الشر متربصة، وما يزال أعداء الثورة متحفزين، وسيكون هدفهم الأول شق الصف بين الشعب وبين رئيسه، فهل نحن منتبهون؟

 

- من حق الرئيس علينا، أن نحترم آراءه، ونقدر اختياراته، حتى ولو اختلفنا معه فيها، فيقينا لن ترضي اختياراته كل الناس، وستكون هذه هي الثلمة التي سيحاول معها أعداء الثورة النفاذ لتفريق الصف وبث الخلاف، فلنحترم اختياراته ونراقبها، ثم ننصحه ليصوبها، وفي كل الأحوال نكون معه.

 

- من حق الرئيس علينا، أن نلتف حوله دون ردائنا الحزبي والفكري، فهو رئيسنا جميعًا، رمز الوطن والأمة، وقد ضرب لنا المثل من قبل في ذلك فخلع رداءه الحزبي، وتجرَّد من خلفيته الفكرية، لقد اختار أن يكون لنا جميعًا، فلنكن جميعًا له.

 

- من حق الرئيس علينا، أن نترك له مجالاً للمناورة والعمل السياسي، فلا نحاصره بآرائنا، ولا نقيده بطلباتنا، فالسياسة- كما هي الحرب- كر وفر، ومناورة ومحاورة، والسياسة فوق ذلك "فن الممكن"، فلنترك لرئيسنا فرصة للمناورة وهو يقود سفينة الوطن إلى برِّ الأمان.

 

إذا أردنا "محمد مرسي" أن يكون "عمر بن الخطاب"، فلنكن نحن عثمان وعلي وأبو عبيدة وابن الوليد، وعائشة وفاطمة وأم سلمة والخنساء، فكما تكونوا يُولى عليكم.

--------------------

* [email protected]
http://www.facebook.com/drnigm?ref=profile