ما يجري على ساحتنا اليوم:
 نبَّه (الإخوان المسلمون) الأذهانَ له منذ خمسينَ عامًا!!

قبل أكثر من نصف قرن كانت الحروب الساخنة والباردة- بين الشيوعية والرأسمالية- على أشُدّها، ولقد استمعت لأحد (الإخوان المسلمين) في ذلك الوقت يقول: "إنه ليس من مصلحتنا  نحن- ولا من مصلحة الإنسانية- أن تتغلَّب الآن إحدى الكتلتين على الأخرى، وتمحوها من الوجود محوًا، فنحن في دور استكمال وجودنا الطبيعي في الحياة، واستنقاذ مصالحنا المغصوبة، بأيدي المستعمرين"...

ومعنى انتصار كتلة على الأخرى، أن المعركة تدور في أرض ثالثة، ستدور على أرض إسلامية وعربية، وهذا ما حدث اليوم، دارت المعركة في البوسنة والهرسك، وامتدت المجازر إلى أفغانستان والعراق، وأُطلقت أيدي الصهيونية تفعل بأهل فلسطين ما تريد، ولولا رحمة الله- عز وجل- ثم قيام الانتفاضة المجاهدة- التي ردت كيد يهود في نحورهم، وفعلت بهم ما يستحقون- لكان الأمر خطيرًا، ولكنْ الحمد لله، ولقد امتدت معارك القطب الواحد إلى منابع البترول، واجْتاحت العراق بعد أن اجْتاحت أفغانستان، وصارت تَعيْث فسادًا في السودان، وتهدد سوريا والسعودية ومصر، فهذه القوة المنفردة كغيرها، لا تبغي لنا الخير، ولا تُطيق أن يكون لنا في الحياة كرامة، إنها تريدنا خاضعين تابعين لها، لا أن يكون لنا كيان محترم أو وجود ذاتيّ، إنها اليوم تدمر موارِدَنا، وتحطِّم حياتنا.

إن القوة التي تنْفرد اليوم بالهيمنة على العالم تسعَى لإدارته بأساليب وطُرُقٍ وفْق إطار سياسات لا تلتزم القيم والمثل، وقد جعلت كلَّ همها تغليب المصالح الأمريكية على حساب مصالح كل الشعوب، وخاصةً الشعوب العربية والإسلامية، كما غلبت عليها نزعة الغطرسة والاستكبار والشعور بالتفوُّق العنصري إزاء كافة الأمم، كانت تبيّت شرًا مستطيرًا لعالمنا العربي والإسلامي، منذ أن وطأت أقدام جنودها أرضَه أثناء الحرب العالمية الثانية، وكشفت عن وجْهها مع انتهاء الحرب، وبعد أن ورثت الامبراطوريتين الاستعماريتين "البريطانية" و"الفرنسية"، وكانت باكورة شرّها يوم أن أعلنت انحيازها للصهيونيين في عدوانهم على قطْر عربي مسلم، واغتصابهم لأرض وديار شعبه، وتشتيت الملايين من أبنائه، وذبح الألوف مع هدم مدنه وقراه، وإقامة كيان لهم فوق أشلاء آلاف الضحايا، وأطلال مئات القرى والمدن التي أزالوها من الوجود.

وبدأ هذا الشرّ يستفحل مع غوص الأصابع الاستعمارية في شئون وأمور العرب والمسلمين، وعملها الدؤوب من أجل السيطرة عليهم، والتحكم في مصيرهم، فعالمهم هو السبيل والطريق المضمون، والذي يضمن السيطرة والهيمنة على العالم..

فموارد الطاقة وفيرة، ومصادر الثروة والموارد بلا حدود، وشبكات وخطوط المواصلات ترسم وتحدد- بحكم موقعها وأهميتها الفائقة- معالم الحاضر والمستقبل بالنسبة للآخرين، كما أنها السوق الواسعة الممتدة التي تصبّ الثروات في الخزائن الأمريكية.

وقد ساعد ومهَّد الطريق لنـَزْعة الهيمنة والعدوان الأمريكي أمران، كان لهما- ومازال- الشأن الكبير والخطير فيما وصلت إليه من شعور بالتجبُّر والكبر، واستخفاف الأرواح والدماء العربية والإسلامية.

الأمر الأول: تمثل- ومازال يتمثل- في قيام نظم حكم في أقطار العرب والمسلمين، أعلنت بالقول والعمل فصلها بين الدين والدنيا، فلا شأن للإسلام في مفهومها بأمور الاقتصاد والسياسية، والحرب والجهاد، والتقدُّم والنهوض، والسبق في العلم، والتفوق في الابتكار والاختراع، والأخلاق والقيم والمُثُل، بل انحصر الهمّ والفهْم في بهرج وزخرف الدنيا، والافتتان بما لدى الوافد الدخيل، من أنماط وسبل المتاع وأساليب الحياة والعيش، فصار وبقي التقليد والاتباع عند مستوى المظهر، في إعْراضٍ بل غفلةٍ عن المضمون والموضوعية والجوهر.

الأمر الثاني: أن نظمنا الحاكمة قد اعتمدت سياسة تهميش الشعوب، وانفردت بالسلطة والسلطان والقرار، في حرمان تام للشعوب من حق المشاركة، بعد أن صادرت حقها في الأمن والحرية، معتمدةً على أجهزتها الأمنية في قمْع الرأي، وإسْكات الآخر، وقد ترتب على ذلك القهر غياب الشورى، وافتقاد العمل المؤسسي؛ مما أدَّى إلى غياب وافتقاد الرأي الصائب والقرار المدروس، وصدور وظهور القرارات التي افتقدت الحكمة، وجافت مصلحة الأمة، وأوقعتها في أزمات طاحنة، بعد أن وصلت إلى مستوى غزْو أو شنّ الحرب على الجار العربي المسلم، إضافةً إلى سيادة روح الخلاف والصراع بين الحكَّام والحكَّام، وظهور واتساع الهُوَّة بين الحكام والشعوب، في غياب أو تغييبٍ تام لروح وأواصر وصلات الأخوة التي زرعها الإسلام، وأكد عليها الحق تبارك وتعالى في قوله، وهو أصدق القائلين: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (آل عمران:103).

وإذا كان هناك من يضيف إلى ذلك انهيار القوة الثانية التي برزت مع أمريكا مع نهاية الحرب العالمية الثانية- كعامل له أثره على انفرادها بالهيمنة ولجوء إدارتها الحاكمة إلى سياسة التوسع والعدوان في سفور مع بداية القرن الواحد والعشرين، وهو عامل دون شك له دوره في التفرد الأمريكي- إلا أن الحال العربي والإسلامي، خاصةً على مستوى نظم حكمنا، يبقَى هو العامل الأساسي والرئيسي في إتاحة الفرصة والساحة أمام العدوان الصهيوني والأمريكي؛ ليصادر الأرض، ويسعى لإحكام الخِناق حول الأعناق، ويهدد الوجود والمصير والدور الحضاري، الذي نهض به المسلمون لقرون طوال، حين تمسكوا بشريعة ربهم وسنة رسوله- عليه الصلاة والسلام-، وأكدوا على الحرية والأمن من خلال مفهومهم الصحيح للإسلام حقًا فطريًا لكل إنسان، وعلى الإيمان أساسًا لحركتهم وتحركهم، وعلى العلم سلاحًا يحقق التقدم والنهوض، ويدعم الأمن والأمان، ويحقق العزة والكرامة، ويردع العدوان والمعتدين، وعلى القيم والمثل- خاصةً قيم العدل، والإنصاف، والمساواة، والسلام، والاستقرار، والطمأنينة- حقًا لكل الشعوب، وقد امتثلوا لقول الحق تبارك وتعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية110)، وقوله تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (المائدة: من الآية8).

حقيقة لم تعد خافية:
وإنَّ ثمَّة حقيقة لم تعُد خافية، وهي أن العدوان الذي يقع على الأمة الآن- في ظل انفراد أمريكا بالقوة والهيمنة وتهميشها للمنظمات الدولية- هو نتاج وإفراز سياسة مرسومة ومدروسة، وعوامل داخلية على ساحة العرب والمسلمين، مهدت لنجاحها وتحقيقها للعديد من أهدافها، فالفرصة سانحة ومهيأة، والرابطة والعلاقة بين الاثنين أكثر من وثيقة، وكان لابد أن يصل الحال بعالم العرب والمسلمين إلى الواقع الذي يعيشه اليوم، يهدده ويتهدده الخطر على مستوى الداخل، ويحدق به ويحوطه على مستوى الخارج.

وإذا كانت أمريكا في أعقاب نهاية الحرب الثانية قد احتضنت الكيان الصهيوني الغاصب، ورعت وجوده، وتولت دعمه، ثم أعلنت أنها مسئولة عن أمنه، بل وتفوّقه على كافة العرب والمسلمين، فإنها مضت في هذا الاتجاه في إطار سياسة اعتمدت أيضًا عدَّة خطوط أكثر من خطيرة وخبيثة، منها:
1- فرض حصار علمي حول العرب والمسلمين، يحُول دون ولوجهم أبواب العلم، أو سعْيهم للاغتراف من نهله، فإضافةً إلى فتح أبوابها أمام العقول العربية والإسلامية؛ للهجرة إليها والإغداق عليها، وحرمان عالم العرب والمسلمين من ثمار علمها وتفوقها، فإنها حرصت على حرمان العرب والمسلمين من التكنولوجيا وعلوم العصر، وكافة ما يتصل بالأسلحة المتقدمة والمتطورة؛ حتى تحرمها بالتالي من فُرَص وأسباب التقدم والمنافسة، وفُرَص وأسباب الدفاع عن النفس، وردع العدوان، واستِخْلاص الحقوق.
2- الحرص على استغلال واستنفاد الموارد، مع السيطرة على مصادر الطاقة والتحكم، والسيطرة في أهم المواقع والمفاصل وطرق الاتصال والمواصلات، مع التحكُّم في التجارة، وزرع أسباب الفقر والحاجة والاحتياج؛ ليَصل الأمر إلى مستوى استيراد رغيْف الخبز والملبس.
3- تقطيع أواصر وأسباب الوحدة والاتحاد، وبثّ أسباب وعوامل الخلاف والتنافر والتطاحن، ودعم وتأييد الكيان الصهيوني الغاصب، والإصرار على تفوقه سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، والسعي لإيجاد نظام شرق أوسطي، يمثل فيه العدو دور القائد والمركز والموجه والمسيطر، ويأتي ذلك في إطار سياسة تحارب وحدة العرب والمسلمين، وتحرص على إحياء أسباب وعوامل الفرقة والابتعاد بينهم.

إن الحملة المسعورة على الإسلام والمسلمين اليوم- والتي تتراوح بين اجتياح وغزْو وتدمير الأقطار، ونهب الثروات، وقتل وإبادة الأبرياء، واعتقال وتعذيب الضحايا، والسعي لاقتلاع جذور الهوية، وتغيير وتبديل المناهج الإسلامية الصحيحة والأصيلة- تنطلق من فهم للإسلام يَعرف ويُدرك حقيقة أبعاده ومعالمه، وحقيقة وفاعلية دوره.

فالإسلام الذي جاء وأمر بالعدل والإنصاف والمساواة، جاء وأمر بالتصدّي للظلم والظالمين، كما أنَّ الإسلام الذي جاء وأمر بالوحدة والاتحاد بين العرب والمسلمين، نهى عن الفُرقة والاختلاف، وحرَّم وجرَّم بثّ أسباب الفتنة والتناحر والتشتت.

كما أن الإسلام الذي أكد على الإيمان- أساسًا لبناء وحدته- دعا إلى تأكيد هذا الإيمان وتعميقه بالعلم والتدبر، كما أمر بالعلم سلاحًا للتقدم، وسبيلاً للنهوض بالدور الحضاري الريادي العالمي، وأيضًا سبيلاً للمنعة والعزة، والتصدي للطغيان والظلم، أو الهيمنة والانفراد بالقوة، أو الشعور بالتفوُّق العنصري، وقهر الآخر...

ولأن الإسلام دين الفطرة، أنزله رب الناس، وهو وحده الأعلم بما فيه صالحهم ونفعهم وخيرهم، فقد جعل الحرية والأمن حقًا فطريًا للإنسان، في العبادة وفي إبداء الرأي، وفي الانتقال والسكن والعمل، وقد جسَّدها الفاروق "عمر"- رضي الله عنه- في قوله لـ"عمرو بن العاص"- حين كان واليًا على مصر، ووقع ظلم من ابنه على قبطيٍّ من مواطنيها-: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا"؟!.

ومن ثمَّ فليس غريبًا أن تعلن أمريكا الحرب على الإسلام- العقيدة، ومنهاج الحياة، ونظامها الرباني- كما ليس غريبًا أن تدعم (الديكتاتوريات) والنظم المستبدة على ساحتنا، وتشملها بالرضا على امتداد عقود طوال، بعد أن أعلنت الفصل بين الدين والدنيا.

ولم يكن غريبًا أن تسعَى وتضغط لتغيير مناهج التعليم، وحذف آيات الجهاد من برامج تعليمنا، ولم يكن غريبًا أيضًا أن يبلغ عداء الإدارة الأمريكية إلى حدّ اعتبار مقاومة الشعب الفلسطيني للغاصبين الصهاينة إرهابًا وعنفًا يجب حصاره ووقفه وتفكيك منظماته، مع ممارسة الضغوط على حكوماتنا؛ من أجل إحكام هذا الحصار، ومشاركتها في وأْد الانتفاضة الفلسطينية، مع اعتبار إجرام ووحشية الصهاينة ومجازرهم الرهيبة في حق الشعب الفلسطيني دفاعًا عن النفس، إضافةً إلى اعتبار مقاومة الشعب العراقي للاحتلال الأمريكي وتدميره لمدن وقرى العراق إرهابًا يجب قهره والقضاء عليه.

إن العَداءَ السَّافر من الإدارة الأمريكية- الذي نراه ونلمسه، وتعيش الأمة العربية والإسلامية آثارَه كل يوم، ويجسّده ما يجري على أرض فلسطين، وإزاء المسجد الأقصى، من عدوان صهيوني وحشيّ على شعبها الشقيق تستخدم فيه كافة أنواع أسلحة الدمار والتدمير، وتدعمه المعونات الأمريكية الهائلة- إنما يأتي في إطار سياسة استعمارية بدأت رحلتها في اتجاه الهيمنة على عالمنا العربي والإسلامي من قديم، ومضت في مسيرتها العدوانية طوال القرن العشرين؛ لتُسفر عن وجْه الظلم والطغيان السافر في تدميره لأفغانستان مطلع القرن الواحد والعشرين، ثم غزوه واجتياحه وتخريبه للعراق، ثم السعي لإحكام الحصار الخانق حول الشعب الفلسطيني من الخارج؛ ليوازي حصار الصهاينة الإجرامي لهم على مستوى الداخل لوأد انتفاضته، وإسكات أصوات الأبرياء العزَّل، ثم تصفية قضيته وتمهيد الطريق أمام الصهاينة لابتلاع كل الأرض، مع الإعلان على الملأ ودون مواراه أن ما جرى في العراق إنما هو النموذج، وما سيجري في غير العراق فإنما سيكون على غرار ذلك النموذج.

تُرى هل يدرك حكامنا أبعاد وحقيقة الموقف!!، وأن ملاذهم ومنجاتهم إنما هو في الإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة، لا فاصل فيه بين الدين والسياسة، ولكنه الرباط من عند الله لا ينفصم ولا ينفصل، وأن كل محاولة للفصل أو التجزئة أو التبعيض إنما فيها الدمار والضياع.
ذلك هو وحده طريق النجاة والفلاح، إن ذلك وحده هو المخرج، في مواجهة تهديد للأمة كلها بالإبادة أو الخضوع والاستسلام.

إن للأمة سلاحها الذي لا يهزم صاحبه أبدًا، ولن تنال منه الأيام والليالي، وسلاحها أولاً هو الحق: فنحن أصحاب حق، وهو النقطة الثابتة التي يقف عليها من يؤمن به، ولا يفرط فيه، ويضحي ويبذل لاسترجاعه، فلا تتزحزح قدماه، ولا تضطرب خطاه؛ لأنه يقف على الأرض الصلبة الثابتة، وكل ما حول المؤمنين من نُظُم أو كيانات فهي مضطربة، لا ثبات لها، ولا استقرار، قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ﴾ (الرعد: من الآية17) ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء:81) ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلامُ الْغُيُوبِ، قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ (سـبأ: 48-49).

فمن تجاوز طريق الحق أو فرَّط فيه، زلَّت قدماه في ذلك المضطَّرب المائج، وفقدَ الثبات والقرار، وهو أبدًا في أمرٍ مريجٍ، لا يستقرُّ على حال.

ثانيًا العقيدة الإيمانية: وأزمة العالم اليوم أزمة عقيدة صحيحة تستولي على القلوب والعقول، وتأخذ بالأيدي إلى الرُّشد والرشاد، وتثمر الثبات والقوة والشجاعة، وتصنع البطولات التي ترفَع الراية، وتردُّ العدوان، وتعمِّر الكون، وتنشر العدل، وتبشر بالأخوَّة بين أفراد المجتمع، وهي تجاهد في سبيل الله، لتردَّ كيد الأعداء، وتتصدَّى لمخططاتهم.

إن أعظم آثار العقيدة والإيمان ما فعله أهلُ أُحد، بعد البلاء الذي مرَّ بهم في الغزوة، فقد سمعوا أن قريشًا يعدُّون أنفسهم للهجوم على المدينة، ورغم جراحاتهم خرجوا لا يخشون عدوًا، ولا يهابون أحدًا إلا الله، وقد صور القرآن هذا الموقف العظيم، وأثنى على هؤلاء الأبرار فقال: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ (آل عمران: 173-174).