* استهلال.

 

بدأت في الآونة الأخيرة بعض الأقلام تكتب عن الاقتصاد الإسلامي فمنهم من فهمه وأنصفه، ومنهم من جهله و افترى عليه بدون دليل قطعي، البرهان بسبب فكره المنحاز لأيدلوجية معينة وهذا حقه الذي كفله له الإسلام؛ حيث قال الله عز وجل: "لا إكراه في الدين"، وبالتالي لا إكراه في الفكر، فحرية الرأي والفكر مكفولة في الإسلام في ضوء القيم والأخلاق والسلوك المستقيم.

 

ومن حق فقهاء وعلماء وخبراء الفكر الاقتصادي الإسلامي أن يردوا على من لم يفهموا قواعده ومعاييره وأسسه وبرنامجه التطبيقي حتى يكونوا على بصيرة من رأيهم في إطار أدب الرد الموضوعي المنضبط بقواعد الشريعة الإسلامية، وأصل ذلك من القرآن قول الله عز وجل: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: من الآية 125). وكان هذا هو المقصد من كتابة هذا الرد لمن يفترون على الاقتصاد اٍلإسلامي جهلاً أو تجاهلاً.

 

ومن دواعي ما دفعني على كتابة هذه الدراسة هو ما كتبه الموقر المحترم الأستاذ الدكتور نادر فرجاني في جريدة الأهرام يوم 20 أغسطس 2012 صفحة رقم 10 " قضايا وآراء– (اقتصاد إسلامي أو رأسمالي منتقب) مع التقدير والاحترام له وقد أثار- على حد رأيه- بعض المسائل منها ما يليي:

 

- يرى أن من يتكلمون عن الاقتصاد الإسلامي يعنون في حقيقة الأمر اقتصادًا رأسماليًّا قحا ومنفلتا ولا مانع من أن يكون احتكاريًّا.

 

- يرى مدعو الإسلام السياسي تفضيل التجارة عن عمارة الأرض ولو شابها غش أو احتيال أو احتكار.

 

- يرى الكاتب: أن غالبية رجال الأعمال المنتمين للإسلام السياسي ليسوا إلا تجارًا عزفوا بإصرار عن إقامة المشروعات الإنتاجية... فهم محتكرين ولا نجد أي ذم للاحتكار.

 

- يرى الكاتب: أن البنوك المسماه بالإسلامية تخدع السذج (من المسلمين) بأنها لا تتعامل بالفائدة.

 

- يتهم الكاتب: الحكومة الحالية والدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية المنتخب بأنه أبرم قرضًا بفائدة مع البنك الإسلامي للتنمية بجدة مخالفًا للشريعة.

 

- يرى الكاتب مسائل أخرى لا يتسع المقام لسردها، ولكن مآربها الهجوم على  الاقتصاد الإسلامي ومفكريه ومطبقيه.

 

وحتى يمكن الرد على الأستاذ الدكتور نادر فرجاني وأمثاله من أصحاب الأيدلوجيات المناهضة للإسلام وللاقتصاد الإسلامي، لا بد وأن نبين لهم.

 

أولاً: معنى الاقتصاد الإسلامي وخصائصه المميزة والفرق بينه وبين النظم الاقتصادية الوضعية وخصوصًا الاشتراكية والرأسمالية وبرنامجه التطبيقي فـــي التنمية.

 

ثم ثانيا: نرد على المسائل التي طرحوها بمعايير موضوعية قائمة على أدب الرد كما تعلمناه من فقهائنا الكرام من السلف والخلف وبعيدًا عن التجريح والتهكم على الآخرين وأصل ذلك من القرآن الكريم قول الله تبارك وتعالى: " ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "(النحل:125).

 

* ما المقصود بالنظام الاقتصادي الإسلامي؟

 

هو إدارة حلبة الأنشطة والمعاملات الاقتصادية والاستخدام الرشيد للموارد وفقًا لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية والوسائل والأدوات والآليات المعاصرة في دولة مدنية في إطار الأصالة والمعاصرة وبما يحقق التنمية الشاملة والحياة الكريمة لكل المواطنين.

 

بمعنى إدارة المعاملات الاقتصادية في دولة مدنية معاصرة بما لا يخالف أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وباستخدام الأساليب والأدوات الاقتصادية المعاصرة المشروعة وفقًا للقاعدة: "الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها".

 

وهذا النظام يختلف عن النظام الاقتصادي الاشتراكي ذو المرجعية الاشتراكية الوضعية، وعن النظام الاقتصادي الرأسمالي الليبرالي ذو المرجعية الرأسمالية الوضعية وذلك من حيث: القيم والمثل والأخلاق والسلوكيات والمقاصد والمرجعية والآليات على النحو الذي سوف نبينه بعد قليل.

 

ولقد وجه إلى النظم الاقتصادية الوضعية العديد من الانتقادات؛ حيث فشلت في تحقيق الإشباع الروحي والمعنوي للإنسان؛ حيث ركزت فقط على الجانب المادي وأهملت الجوانب الروحية والأخلاقية؛ لأنها تقوم على الفصل بين الاقتصاد والقيم الدينية والأخلاقية وهذا ما يرفضه النظام الاقتصادي الإسلامي.

 

فلقد أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة دولة مدنية، وكان من أركانها النظام الاقتصادي ذو المرجعية لإسلامية، ومن أهم معالمه: بناء السوق الحرة الطاهرة من الفساد، وتنشيط التجارة المحلية والعالمية، وإلغاء نظام الربا، وتطبيق نظام الزكاة والصدقات والوقف الخيري، ونظام المواريث، وإنشاء بيت المال، ووضع نظام للرقابة على المعاملات أطلق عليه نظام الحسبة، وهذا كله وفقًا لدستور متكامل للمعاملات الاقتصادية مستنبط من القرآن الكريم، وسار على هذا الدستور والمنهج الخلفاء الراشدون والتابعون وغيرهم مع تطوير إجراءاته وسبله وأدواته في ضوء المتغيرات في كل عصر وفقًا لمبدأ الأصالة والمعاصرة.

 

ولذلك خطأ ما يقال بأن الإسلام دين عبادات وطقوس وشعائر وليس له علاقة بشئون الحياة المدنية(سياسية، اجتماعية، اقتصادية، ثقافية، تربوية...) أو أنهم لم يفهموا الإسلام فهمًا صحيحا في ضوء القرآن والسنة والفقه والتطبيق السليم كما كان في صدر الدولة الإسلامية وربما اعتمد هؤلاء على كتابات المستشرقين ومن في حكمهم من العلمانيين الذين يفترون على الإسلام ظلمًا وعدوانًا، وهل يمكن الاعتماد على خصوم الإسلام في الحكم على الاقتصاد الإسلامي ويدعون جهلاً أو تجاهلاً أنه اقتصاد رأسمالي قح و من مبادئه الاحتكار والتسلط والإفساد والإضرار بمجمل الناس واستغلال سذاجة الناس من المسلمين ونحو ذلك من الادعاءات المغرضة والافتراءات المرسلة بدون دليل صادق وأمين.

 

وفي هذا المقام يجب أن نؤكد على القواعد الكلية الشرعية للاقتصاد الإسلامي وهي ما يلي:

 

- التزام المتعاملين بالقيم الإيمانية والأخلاقية والسلوكيات المستقيمة.

 

- الالتزام بقواعد وأحكام الشريعة الإسلامية مع المعاصرة في الوسائل والآليات.

 

- الحرية الاقتصادية المنضبطة بقواعد وأحكام الشريعة الإسلامية.

 

- التوازن بين الملكية الخاصة والملكية العامة في ضوء المصالح العامة.

 

- السوق الطاهرة من كل صور الفساد المالي والاقتصادي وتحريم الاحتكار والغش، والغرر والجهالة والتدليس والميسر والربا وكل صور أكل أموال الناس بالباطل.

 

- العدالة الاجتماعية ومن وسائلها: الزكاة والصدقات والوقف والنذور والكفارات والتكاليف المالية الأخرى.

 

- العدالة في توزيع الثروة بين المواطنين ويسعى بذمتهم أدناهم.

 

 وفي البند التالي بيان بأهم الخصائص المميزة للاقتصاد الإسلامي والفرق بينه وبين النظم الاقتصادية الوضعية اشتراكية كانت أم أسمالية حسب ما يتسع له المقام.

 

- الخصائص المميزة للنظام الاقتصادي الإسلامي عن النظم  الاقتصادية الوضعية. 

 

  من أهم هذه الخصائص ما يلي:

 

* أنه نظام اقتصادي يقوم على القيم الروحية السامية التي نزلت بها الديانات السماوية لإشباع مكونات الإنسان الروحية والمادية معًا، والتي تعتبر الباعث والحافز والدافع على الالتزام به ديانة وخلقًا وطاعة لولى الأمر، وهذه الخاصية تفتقر إليها النظم الاقتصادية الوضعية التي تركز على الجوانب المادية.

 

* أنه نظام اقتصادي يقوم على الأخلاق الحسنة التي تمثل سجية الإنسان وفطرته السوية التي خلق الله الناس عليها ومنها: الصدق والأمانة والسماحة والتيسير والوسطية والقوامة والإتقان والإبداع والعدل ونحو ذلك، والتي هي قوام استقرار المعاملات وتحقيق الثقة بين المتعاملين، وأن الالتزام بهذه القيم عبادة لله، وكانت النظم الاقتصادية الوضعية إلى أمد بعيد تفصل بين الاقتصاد والأخلاق ويقدسون المبدأ القائل: "الغاية تبرر الوسيلة" حتى ولو كانت الوسيلة غير أخلاقية، وكان من تداعيات ذلك الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية.

 

* أنه نظام اقتصادي يقوم على فقه الأولويات، والتي تتمثل في تحقيق الضروريات التي بدونها يهلك الإنسان، ثم يلي ذلك الحاجيات والتي بدونها تكون الحياة شاقة، ثم يلي ذلك الكماليات والتحسينات التي تحقق الحياة الرغدة، وتجنب الإسراف والتبذير والمعاملات التي تقوم على المقامرات والمضاربات وما في حكمها، في حين أن المحرك والدافع والباعث في معظم النظم الاقتصادية الوضعية هو تحقيق أقصى ربحية ممكنة وتعظيم الثروة دونما أي اعتبار لتوفير الحاجات الأصلية للناس، أولاً وفي دراسات الجدوى للمشروعات يفضل المشروع الذي يحقق أقصى ربحية ممكنة والذي يسترد رأسماله في أقصر فترة ممكنه بصرف النظر عن البعد الاجتماعي للمشروع.

 

* أنه نظام اقتصادي يقوم على التوازن بين الملكية الخاصة والملكية العامة بما يحقق أقصى معدل تنمية شاملة في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية ومنها حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ العرض وحفظ المال، ولذلك فهو يحافظ على باعث حب التملك الفطري وكذلك على توفير الخدمات العامة للناس ووضع الفقه الإسلامي ضوابط شرعية لكل منهما بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، في حين يركز النظام الاقتصادي الرأسمالي في المقام الأول على الملكية الخاصة، ويركز النظام الاقتصادي الاشتراكي على الملكية العامة.

 

* أنه نظام اقتصادي يقوم على الوسطية والاعتدال لتحقيق التيسير ورفع المشقة والحرج عن الناس وفقًا للقاعدة الشرعية:

 

المشقة توجب التيسير عند الضرورة"، وهذه الوسطية واضحة في الملكية وفي الإنفاق وفي الادخار وفي الاستثمار، في حين أن النظام اٌلاقتصادي الرأسمالي يرجح الملكية الخاصة على الملكية العامة، وأن النظام الاقتصادي الاشتراكي يرجح الملكية العامة على الملكية الخاصة ويطبق مبدأ احتكار الدولة.

 

* أنه نظام اقتصادي يقوم على العدل والمساواة بين الناس في إطار القوانين والتشريعات، وهذا مناط الشرائع السماوية جميعًا، وفقًا للقاعدة الشرعية: "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، فلا يحابي تيار على تيار أو مذهب على مذهب في إطار العقد الاجتماعي ولقد كان ذلك واضحا في المدينة المنورة؛ حيث كان يعيش المسلمون واليهود والنصارى مع بعضهم البعض في خير ومحبة، في حين تسود العنصرية والتمييز في معظم الدول التي تعتنق الرأسمالية الطاغية والاشتراكية المستبدة وما يحدث لبعض الأقليات في دول أوربا ليس من ببعيد.

 

* أنه نظام اقتصادي يقوم على العدالة الاجتماعية من خلال نظم الزكاة والصدقات والوقف الخيري والتكاليف المالية الاجتماعية الأخرى بجانب نظم الضرائب العادلة التي تستخدم حصيلتها في تمويل النفقات العامة للدولة، في حين لا تطبق معظم النظم الاقتصادية الوضعية نظام الزكاة بل تعتمد فقط على نظام الضرائب والذي يشوبه الظلم والتهرب.

 

* أنه نظام اقتصادي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويقصد بالأصالة: القواعد والثوابت الكلية الشرعية، ويقصد بالمعاصرة: استخدام أساليب التقنية المعاصرة، ولذلك خطأ ما يفهم عنه أنه نظام رجعي، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها"، وقال صلى الله عليه وسلم :"أنتم أعلم بشئون دنياكم"، في حين أن النظم الاقتصادية الوضعية ترتكن إلى المبادئ والسياسات الاقتصادية الوضعية والتي تفتقت عنها عقول البشر التي تخطئ وتصيب.

 

* أنه نظام اقتصادي يجمع بين الثبات والمرونة: ثبات الأصول الكلية المستنبطة من القرآن والسنة والمرونة في الفرعيات والإجراءات والأساليب والأدوات حتى يتواءم مع كل زمان ومكان للتنمية في حين أن مبادئ وأسس النظم الاقتصادية الوضعية مختلف عليها فيما بينهم ودائمة التغيير.

 

* ونخلص من هذا التحليل الموضوعي أن اقتصادنا الإسلامي ليس رأسماليًّا ولا اشتراكيًّا، فالمستقبل للاقتصاد الإسلامي لأنه يقوم على الحق والعدل والمساواة والمواطنة وتحقيق الخير للناس جميعا.

 

معالم البرنامج الاقتصادي الإسلامي للتنمية والنهضة

 

يتساءل كثير من الناس ولاسيما الرأسماليون والاشتراكيون ومن في حكمهم:

 

هل هناك برنامج اقتصادي إسلامي للتنمية لدى الإسلاميين؟ ولقد أجاب على هذا التساؤل بموضوعية تامة فقهاء وعلماء وخبراءه الاقتصاد الإسلامي، وقالوا: نعم.

 

 ومن أهم معالمه ما يلي:

 

أولاً: تحقيق العدل الاقتصادي بين عناصر العملية الإنتاجية ومن أهمها: عنصر العمل وعنصر المال وعنصر الإدارة وعنصر الدولة:

 

حيث يحصل كل منهم على حقه بالعدل دون اعتداء على حقوق الآخرين ومناط تحقيق ذلك التصدي لجميع صور الظلم والفساد الاقتصادي ومنها: السرقة والاختلاس والغش والتكسب من الوظيفة، والمقامرات، وغسل الأموال، ونحو ذلك، وهذا لن يتحقق إلا من خلال الالتزام بالقيم والأخلاق العظيمة.

 

ثانيًا: تحقيق الحرية والأمن والاستقرار للعامل وإعطائه حقوقه بما يكفل له ضمان الحاجات الأصلية للمعيشة بما يتناسب مع التغيرات في الأسعار وحقه في التعبير عن رأيه بالسبل المشروعة وتكوين النقابات والاتحادات التي تحافظ على حقوقه وهذا لن يتحقق إلا بالقضاء على الاحتكار ومنع القهر والاستبداد.

 

ثالثًا: تحقيق الأمن والأمان لرأس المال وحمايته من الابتزاز والتعدي والمصادرة، وتخفيض جميع الرسوم والضرائب الظالمة التي تعوق انطلاقه للاستثمار في مجال الضروريات والحاجيات بما يساهم في التنمية الشاملة.

 

رابعًا: إعطاء أولوية الاستثمار في المشروعات الصغيرة والمتناهية في الصغر والتي تساهم في تشغيل العاطلين، وتطبيق نظم التمويل القائمة على المشاركة والإجارة والبيوع بدلاً من نظام الفائدة التربوية.

 

خامسًا: إقالة عثرة المشروعات الإنتاجية الوطنية الضرورية بنظام القروض الحسنة لتساهم في التنمية، وإعفائها من فوائد القروض البنكية المتراكمة وتطبيق نظم التمويل بالمشاركة والإجارة والبيوع ونحوها.

 

سادسًا: التركيز على المشروعات الوطنية ذات العلاقة بالأمن الغذائي وبضروريات الطبقة الفقيرة من خلال إستراتيجية ودعمها بكل سبل الدعم بما يحافظ على سيادة الوطن واستقلال القرارات الحكومية، والاعتماد على الذات.

 

سابعًا: حماية الموارد الطبيعية من كل سبل الاستغلال غير الرشيد وأن تكون خيرات الوطن للوطن، وإعادة النظر في الاتفاقيات الدولية التي فيها بخسًا لحقوق الوطن.

 

ثامنًا: ترشيد سياسة الدعم بحيث تكون موجهة بصفة أساسية إلى مستحقيه، وإلغاء دعم رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب ودعم الأغنياء.

 

تاسعًا: ترشيد النظام المصرفي ونظام البورصة، بما يساهمان في مجال التنمية وتطهيرها من المقامرات والإشاعات والهيمنة غير المشروعة وتفعيل نظم الرقابة على معاملاتهم للاطمئنان من أنها تطابق المصالح الوطنية العليا.

 

عاشرًا: دعم مؤسسات المجتمع المدني مثل: الجمعيات الخيرية ومؤسسات الزكاة والصدقات والوقف الخيري، ومؤسسات التكافل الاجتماعي ونحوها لتساهم في تحقيق الضمان والرعاية لطبقة الفقراء والمساكين والمعوزين وتحويلهم إلى قوة إنتاجية تساهم في تحقيق التنمية.

 

حادي عشر: دعم كل الجهود نحو تحقيق التنسيق والتعاون والتكافل بين بلدان الأمة العربية والإسلامية في كل المجالات، ولاسيما مجالات العمل والمشروعات الاستثمارية المشتركة واستخدام أساليب التقنية المعاصرة، وخصوصًا أن لدى هذه الدول: العنصر البشري ورأس المال والموارد الطبيعية والأسواق والتكنولوجيا وينقصها تطبيق قول الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2).

 

ثاني عشر: تطوير مناهج التربية والتعليم في مجال الاقتصاد في مراحله المختلفة بما يحقق تربية وتعليم الأجيال الشابة بما يساعد في تطبيق المنهج اٌلاقتصادي الإسلامي في جميع نواحي الحياة الاقتصادية الإسلامية، وغرس فيهم القيم والأخلاق والسلوك السوي الرشيد.

 

ثالث عشر: إنشاء المؤسسات المالية الإسلامية مثل المصارف الإسلامية وشركات الاستثمار الإسلامي وشركات التأمين والتكافل الاجتماعي وغيرها اللازمة لتطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي.

 

* افتراءات على النظام الاقتصادي الإسلامي والرد عليها:

 

أولاً: الرد على الادعاء بأن الاقتصاد الإسلامي هو اقتصاد رأسمالي.

 

اقتصادنا الإسلامي يوازن بين الملكية الخاصة والملكية العامة فكل منهما له مقاصد ودور في تحقيق التنمية، كما أن الملكية الخاصة منضبطة بتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية وهي حفظ الدين والنفس والعرض والعقل والعرض والمال، كما يحافظ اٌلاقتصاد الإسلامي على حرية وطهارة السوق من كل صور الفساد وأكل أموال الناس بالباطل، فهو ليس رأسماليًّا قحًا كما يدعي البعض بل له ذاتية خاصة مميزة عن النظام الاقتصادي الرأسمالي ولمزيد من التفصيل يرجع إلى كتاب الإسلام وأوضاعنا الاقتصادية "للمفكر والداعية الإسلامي الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله الذي كتبه سنة 1947، وكتاب: الإسلام والمذاهب الاقتصادية المعاصرة" للأستاذ يوسف كمال محمد يرحمه الله، وكتاب: الاقتصاد الإسلامي بين الفكر والتطبيق للمؤلف.

 

ثانيا: الرد على الادعاء بأن الاقتصاد الإسلامي يقوم على الاحتكار.

 

يحرم الإسلام الاحتكار بكل صورة الظاهرة والخفية، وأوجب على ولى الأمـــر التدخل لمنعه، فهو ظلم ومن صـور الاستغلال وأكل أمـــوال الناس بالباطل، ولقد ورد عن رسول الله العديد من الأحاديث التي تحرم الاحتكار منها قوله صلى الله عليه وسلم: "المحتكر خاطئ" وفي رواية أخرى: "المحتكر ملعون"، فهذا الادعاء ليس له دليل لا من القرآن أو من السنة، وفي حالة تطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية في مجال المعاملات يجب على ولي الأمر منع الاحتكار حتى ولو كان المحتكر من التيار الإسلامي أو من رجال الدعوة الإسلامية فالإسلام حجة على الجميع فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لو أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سرقت لقطعت يدها".

 

 وعلى من يدعي أن رجال الأعمال من التيار الإسلامي يحتكرون فعليه الإتيان بالدليل القطعي الخالي من الظن والتخيل، بل هم الذين صودرت أموالهم في عهد عبد الناصر وفي عهد مبارك وقوانين التأميم والمصادرة ليست خافية على أحد.

 

ثالثًا: الرد على الادعاء بأن الاقتصاد الإسلامي يقوم على التجارة حتى ولو كانت قائمة على الغش.

 

لقد اهتم الإسلام بالتجارة بمفهومها الواسع وليس الضيق المحدود في شراء السلعة ثم بيعها فكل نشاط له جانب إنتاجي له جانب تسويقي لما تم إنتاجه، فنشاط الزراعة ينتهي ببيع الفائض إلى الغير، ونشاط الصناعة ينتهي ببيع ما تم تصنيعه إلى الغير، ونشاط المهن والحرف ينتهي ببيع المنتجات والخدمات إلى الغير وهكذا وهكذا ولذلك صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: تسعة أعشار الرزق في التجارة".

 

ومن ناحية أخرى حث الإسلام على الزراعة والصناعة والحرف والمهن والعمل، وكل أنواع الأنشطة ووضع لها الضوابط الشرعية بما تساهم في تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية كما سبق الإيضاح.

 

ومن ناحية أخرى أن الادعاء بأن الإسلام السياسي يفضل التجارة ولو شابها غش أو احتيال: هذا افتراء لا دليل له على الإطلاق ولماذا لم يأت المدعي بالبينة وفقًا للقاعدة الشرعية القائلة: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر".

 

إن من يغش ليس بتاجر مسلم ملتزم بشرع الله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من غش فليس منا"، كما أن من الضوابط الشرعية في المعاملات: "الصدق والتبيان"، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"البيعان بالخيار مالم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما"، وليس من العدل أن نحكم على الاقتصاد الإسلامي بأنه يفضل التجارة حتى ولو شابهها الغش والاحتيال حتى ولو أخطأ أحد المسلمين، فالإسلام حجة على الغير وليس الغير حجة عليه فهو المهيمن.

 

رابعا: الرد على الادعاء بأن الاقتصاد الإسلامي لا يأخذ بمبدأ الاجتهاد في  الأمور الدنيويةمن أساسيات الاقتصاد الإسلامي أنه يقوم على مجموعة من القواعد الكلية الثابتة والمستنبطة من الكتاب والسنة النبوية الشريفة، وترك الاجتهاد في الفرعيات والأساليب والإجراءات والتي تتغير حسب أحوال كل زمان ومكان، ووضع الفقهاء ضوابط للاجتهاد، وأسست مجامع الفقه العالمية لتصدر الفتاوى الشرعية في المسائل المعاصرة، ولذلك من يدعى أنه الإسلام أقفل باب الاجتهاد والإبداع والابتكار فهو خاطئ وعليه أن يرجع إلى كتب علم أصول الفقه الإسلامي لعلماء السلف والخلف.

 

 كما أن الإسلام منفتح على العالم في جميع نواحي الحياة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها"، كما أن علماء المسلمين كان لهم دور عام في نشر العلوم في الوقت الذي كانت أوروبا في غيابات الظلام، كما أن الإسلام يحفز على طلب العلم في أي مكانٍ فقد ورد في الأثر: "اطلبوا العلم ولو في الصين".

 

خامسًا: الرد على الادعاء بأن البنوك المسماة بالإسلامية تدعي خداعًا للسذج أنها لا تتعامل بالفوائد والدليل على تعاملها بالفائدة ذلك أن البنك الإسلامي للتنمية بجدة قد أقرض مصر قرضًا بفائدة 3.5%.

 

البنك الإسلامي للتنمية بجدة لا يتعامل بنظام الفائدة، ولكن يأخذ نسبة مقابل مصاريف القرض ولقد أجازت مجامع الفقه الإسلامي مصاريف القرض الحسن، ولقد اطلعت على معايير وضوابط ولوائح ونظم البنك الإسلامي للتنمية بجدة وأنا من المتخصصين، تخصصًا دقيقًا في هذا المجال لم أجد شيئا عن أنه يتعامل بنظام الفائدة، وأرجو على من يدعي ذلك أن يرجع إلى بروتوكول إنشاء البنك الإسلامي للتنمية الذي أنشأ سنة 1975 ومن ضوابطه التعامل وفقًا لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وله هيئة للرقابة الشرعية، ومن مقاصده مساعدة الدول الإسلامية الفقيرة.

 

سادسا: الرد على الادعاء بأن الإخوان المسلمين يحتكرون الأسواق ومنهم رجل الأعمال القوى نائب المرشد (المهندس خيرت الشاطر).

 

هذا كلام مرسل ظني لا دليل له ولا قرينة إثبات، وربما يفهم منه أن المسألة مبنية على الحقد والكراهية أو على أضعف الإيمان تشويها لصورة الإسلام ورجاله، أو كما يقول رجال السياسة: التخويف من الإسلام السياسي "وأصبحت هذه المسألة مكشوفة" وكما يقول عامة الناس البسطاء غير السذج: "العب غيرها"، نكته محروقة" والرد على هؤلاء هو قول الله تبارك وتعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ "( الحجرات:6).

 

هل يعلم المدعي على المهندس خيرت الشاطر وإخوانه ظلمًا بأن أجهزة الرقابة المالية في عهد مبارك قد برأتهم من تهمة الكسب غير المشروع ومن تهمة غسل الأموال ، وقالت: لم نجد في الوثائق والمستندات والدفاتر والسجلات والمكاتبات وأجهزة الكمبيوتر ما يخالف القوانين والتعليمات الحكومية المصرية، وعلى الفور قام القضاء العسكري بإسقاط هذه التهم عن المهندس خيرت الشاطر وإخوانه.

 

على من يدعون عليهم أن يرجعوا إلى الحقائق الثابتة بوثائق في القضاء العسكري التي برأتهم من التهم براءة الذئب من الدم على قميص سيدنا يوسف عليه السلام، نرجو من هؤلاء المدعين افتراء أن يتقوا الله ويقولوا قولاً صادقًا ينجيكم من عذاب الآخرة يوم يقفون أمام الله فيحاسبكم عن ما يقولون "ويستشعروا قول الله العزيز الحكيم : " وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ "(البقرة:281).

 

ونخلص من الرد الموضوعي السابق أن ادعاءات وافتراءات الكارهين للإسلام بصفة عامة وللاقتصاد الإسلامي بصفة خاصة عارية من الصحة والعقلانية وأنها تعبر عن جهلهم للإسلام أو تجاهلهم لعظمة هذا الدين، ونذكرهم بقول الله عز وجل: " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 7 يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ 8 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ " (سورة الصف: 7،8،9).

 

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل, والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

------------

 

* الأستاذ بجامعة الأزهر- المشرف على موقع دار المشورة للاقتصاد الإسلامي
- للاتصال بالمؤلف:

 

 E.M. [email protected]
WWW.Darelmashora.com