"المدافعة والمداولة: قراءة في السنن والتحولات" عنوان كتاب جديد للكاتب الكبير الدكتور حلمي القاعود عن مكتبة سلمى الثقافية- تطوان، المغرب.

 

يطرح الكتاب قضية المدافعة والمداولة باعتبارها قضية الأمم والشعوب؛ من حيث حركتها إلى الأمام أو الخلف، انتصارًا وتفوقًا وسيادة وعزة وكرامة، أو هزيمة وذلاً وتخلفًا وبؤسًا ومهانةً.

 

ولأن هذه القضية لا تجري اعتباطًا، أو وفقًا لما يسمى المصادفة في بعض الأدبيات، أو نتيجة للانتماء إلى عرق أو جنس أو بيئة، بل تجري وفقًا لسنن الله في الأرض، من خلال معيار العمل والإيمان والإرادة، فإن من الطبيعي أن تكون أحوال أمتنا العربية الإسلامية في بؤرة السياق العام لهذه القضية، بحكم ما يعيشه الناس من أوضاع ليست في سياقها الطبيعي، الذي يفترض أن تكون فيه خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتؤمن بالله.

 

والسؤال هو: لماذا يجري لها ما يجري من انتكاسات وهزائم وفرقة وبؤس وهوان، مع أنها تنتمي إلى دين الإسلام، وغيرها يحقق قفزات رائعة في القوة والتفوق والوجود؛ وليس مسلمًا؟

 

الإجابة على هذا السؤال في صيغه المختلفة معروفة ومفهومة لدى النخبة المؤمنة بالإسلام عقيدةً ومنهجًا وطريقًا، ولكن عامة النخب اختلط عليها الأمر، وتعددت الرؤى والمسالك التي لا تؤدي في معظمها إلى اكتشاف الضوء في نهاية النفق.

 

لقد شغلتني هذه القضية على مدى خمسين عامًا مذ تفتح وعيي بما يجري من حولي وبدأت المشاركة في الهم العام بالكتابة والتفكير، وأحسب أن من واجبي أن أقدم للقارئ بعض ما أراه ضروريًّا في فهم القضية أو يساعد على فهمها من خلال قراءة متنوعة، غير تقليدية، تصبّ في بلورة الرؤية الإسلامية، عبر سياقات متعددة، بدءًا من الماضي إلى الحاضر.

 

وهذا الكتاب يحاول أن يجري حوارًا هادئًا مع بعض الزوايا الأساسية في القضية التي تعيشها الأمة العربية الإسلامية، من خلال قراءة بعض النصوص والظواهر. وفي كل الأحوال؛ فالغاية التي تسعي إليها القراءة هي التعرف على نقاط القوة والضعف في البنية الإنسانية العربية والإسلامية التي أنهكتها الهزائم والآلام والمتاعب.. وبالتأكيد؛ كانت هناك ومضات للانتصار في حياة الأمة، كما كانت هناك- ولما تزل- نماذج للجهاد والبطولة والتضحيات من أجل مستقبل أفضل وأجمل.

 

تملك أمتنا عناصر قوة وتفوق، ولكنها مهدرة وضائعة بفعل الإهمال أو الكسل أو سوء السلوك، أو بفعل قوى الشر الخارجية، وحين يتاح لهذه العناصر أن تتبلور وتعمل في الاتجاه الصحيح، فإن النتائج تكون رائعة ومدهشة لصالح العالم الإسلامي كله.

 

لدى عدونا تجارب؛ منها ما يستحق أن نقف عنده لنتعرف على نمط تفكيره، وأسلوب تعامله مع ما يدعيه من حقوق، وما يسعى إليه من غايات، وقراءة هذه التجارب مسألة مفيدة بلا ريب، خاصة أن كثيرًا من شبابنا يجهلها، أو لم يتعرف إليها في حمأة الضخ الإعلامي السطحي، والانشغال بقضايا هامشية، تناغي الجانب البيولوجي والترفيهي في الإنسان العربي المسلم، ولا تتوقف عند ما هو عميق وضروري.

 

آمل أن تكون هذه القراءة مدخلاً يشجع علي فهم الواقع والبحث عن مخرج لأمتنا من الهزائم والآلام والمتاعب.