أنا من هتفتُ بكل ميدانٍ أقول: الحقُّ غايةْ

وأقول لكل من جلبوا المصائبَ والبلايا

هذي الزهور والكفور والقبور مع الثنايا

هذي الرجالُ وفتيةٌ والكهول ُمع الصبايا

قالتْ لكم في قوةٍ: هيا ارحلوا عنا كفاية

وغدتْ جموعُ الحق في كل وديانٍ وصوبْ

الصفُّ بنيانٌ وملء القلبِ إيمانٌ وحبّ

ومظلة الصبرِ الجميلِ لجمعنا هَدْيٌ ودربْ

فلعلها فصلٌ أخيرٌ من روايةْ

تأتي الجموع لصفنا لخيرنا تنمو وتكثرْ

بكلِّ آفاقٍ بمصرنا الفيحاءِ تزخرْ

مثل الحمامِ سلامُها أو أسْدُ ميدانٍ لتزأرْ

لكنَّ جندًا عُدِّدَتْ ظلمًا أحاطت بالمعسكرْ

كما أحاطتْ أسوراتٌ بالمعاصمِ للصبايا

هذا القطيعُ يقودُه عند المسيرِ هوى وداعرْ

للبطشِ أنيابٌ ووحشُ القهرِ جبارٌ وكاسرْ

وبظهرنا أتباعُهُ صنوانِ أفاكٌ وغادرْ

وعيونُه كلُّ الشوارع في البداية والنهاية ْ

عزمُ الشبابِ وجمعُهم في أفْقِهم عالٍ بعيدْ

رأيُ الشبابِ وسعيهم أنَّ التقيَ هو السعيدْ

من يتَّخذْ من صدقهِ ركنًا يكونُ هو الشهيدْ

فدَعوتُ ربي خفيةً عَلِّي أفوزُ مع المنايا

أنا مَن خلعْتُ حُلَّةَ العُرسِ الوشيكِ لأمْتـَشِقَ الكَفَنْ

لم أحنِ يومًا للطغاة ولم أسبِّحْ للوَثَنْ

فكم دخلتُ إلى السجونِ وكم خرجتُ من المحنْ

حانَ الرحيلُ لجنَّةٍ ووقْت عدلٍ لم يحِنْ

لكنَّ آخرَ عهدِنا عهدٌ يكونُ العدلُ رايةْ

مرَّت ليالٍ كالسنين والشهورُ كما الدهورْ

فلا البيوتُ سكينةٌ ولا غفت بالأرضِ دورْ

وبصدرِ أم شهيدنا مثلُ بركانٍ يثورْ

علَّ القصاصَ يكونُ بردًا يُطفئُ الجمرَ الحر ورْيَّا

قالوا وردد جمعهم فصلاً سخيفًا من روايةْ

أخذتْ عدالة حكمهم تتلو الحديث وبعض آيةْ

وبدا كأن جهودهم تسعى لجعلِ العدلِ غايةْ

فإذا بمأساة الحديث أو الرواية

تقضي براءة طُغْمةٍ ولا عزاءٌ للضحايا

وأدلةٌ ليست كفايةْ

قالوا: كأن أدلةً تأتي لنا عبر التخومْ

أين أحرازُ القضيةِ والمحاضرُ والختومْ

وتلك آلاف الشهود لا تدلل بل تحوم

حول أحداثٍ وتروي ليس كلاً للحكايةْ

وأدلة ليست كفايةْ

قالوا: وضعف أدلةٍ أعمتْ عيونا والبصائرْ

قَـتَلَ الشهيدَ رِفاقُه فالجمعُ أفَّاكٌ وغادرْ

ولربما قتل الشهيدَ وغيرَه بعضُ الحرائرْ

أما الرصاصُ والبنادقُ فللأمان وللحمايةْ

وليس جرمًا أو جنايةْ

وأدلة ليست كفاية

أنا ما قضيتُ بخفيةٍ بل بين خفقٍ للبنود

بين رايات الجهاد الحق تهفو أن تعود

الكل شاهد حتفنا المجاهد والقعود

أين صوت للعدالة والأدلة والشهود

قالوا: ككل مسألة تأتي بها كل القضايا

وأدلة ليست كفاية

هذي الدماءُ منارةٌ يُهدَى بها فالركب سائرْ

لكنَّ أمَّ شهيدنا نادت فإن الجرح غائرْ

إنْ لم يقم عدلٌ فمَن يُدافعُ أو يُصابرْ

كيف المسيرُ إلى العُلا والظهرُ تُدميه الخناجرْ

كيف النجاةُ لعصبةٍ أصلُ المصائب والبلايا

وأدلةٌ ليستْ كفايةْ

إنَّ القصاصَ شريعةٌ تحيا بها تلك الحياةْ

تعلو به هممٌ وأممٌ والسرائرَ والجباهْ

تعنو له بالحق جبابرةٌ طغاةْ

حق الشهيدِ قصاصُ عدلٍ ليس قولاً أو دعايةْ

هذي شريعتنا كفاية

دمُ الأحرار للأحرار نورٌ يضيءُ في الصباحِ وفي المساءْ

فإن ضاعت دماء الحق فينا فقد ضاع النهار مع اللواءْ

وسار الركب خبطًا في ضلال فلا عُرِفَ الظلامُ أو الضياءْ

وأبرهةٌ يقودٌ الجمعَ صبحًا وحَدَّثهم مسيلمةُ المساءْ

فكان مسيرهم للشر غايةْ

وأدلةٌ ليستْ كفايةْ

سلْ التحريرَ والبرهانُ فيه فكم سالتْ على الأرض الدماءْ

سل الفجرَ المُحَررَ من قيودٍ وسل هذي الأكُفَّ مع الدعاءْ

وهذي الأم تبكي بل تُبَكِّي فما نفع الرفيقُ أو البكاءْ

وسل أطفالَ مسجدنا القريب وقد فقدوا المعلمَ والثناءْ

يُعلِّمُهم نشيدَ الحُبِّ غضَّــًا وقرآنا وبعضُ الحفظ آيةْ

قالوا: أدلتنا كفايةْ

سل أرضَ مصر: هل دماء الحق فيها عطـَّرتْ

تلك الربوع وسالتْ في الظلامِ و نوَّرتْ

كلَّ الديارِ كم قد ذكَّرتْ وحررتْ

شعبًا وقيدَ الذلِّ فينا كسَّرتْ

سل القلوب والدروبَ والصبايا والحنايا

قالوا: أدلتنا كفايةْ