- قاطعنا الانتخابات بعدما شاهدنا تزوير إرادة الشعب

- "الصوت المجزأ" صناعة خبيثة للنيل من الحركة الإسلامية

حوار: عبد الله القزمازي

شهد الأردن في الفترة الأخيرة  اضطرابًا في المشهد السياسي بعد أن اتهمت المعارضة الأردنية الانتخابات البرلمانية بالتزوير، واعترف الملك بذلك أيضًا؛، مما أدى إلى حل البرلمان ومن ثم سحب الثقة من حكومة الدكتور فايز الطراونة، وعيَّن الملك حكومة جديدة بقيادة الدكتور عبد الله النسور البالغ من العمر 73 عامًا والذي شغل مناصب وزارية كثيرة في العقدين الأخيرين، وأسند الملك له الإعداد لانتخابات برلمانية.

 

ويتعين على الدكتور النسور إجراء الانتخابات في فترة لا تزيد عن أربعة أشهر، وإلا عاد البرلمان السابق حسب القانون الأردني.

 

وأعلنت اللجنة المستقلة أن الانتخابات ستجرى في 23 يناير2013، إلا أن المعارضة ما زالت مصممة على مقاطعة هذه الانتخابات، واصفة التعديلات التي أجريت بأنها ديكورية ولن تغير شيئًا.

 

الدكتور عبد الحميد القضاة، نائب المراقب العام للإخوان المسلمين بالأردن سابقًا والمدير التنفيذي لمشروع وقاية الشباب من الأمراض الجنسية والإيدز؛ يلقي الضوء على أحداث الأردن في هذا الحديث؛ الذي يشرح فيه الأسباب الحقيقية وراء مقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة.

 

* اسمح لنا أن نبدأ معك الحوار ونبدأ بـ"الوضع السياسي الآن فى الأردن"؟!

** الأردن هو جزء من منظومة الدول العربية التي حكمت كغيرها بطريقة فيها كثير من الفردية من الحكام، فلا يطبق فيها شرع الله ولا تمارس فيها  الديمقراطية المتعارف عليها دوليًّا، فاصابها ما أصاب العالم العربي، ونالها مانال غيرها من الفساد والاستبداد والظلم وكبت للحريات.

 

لكننا في خير إذا قورنا بغيرنا، فالنظام ليس نظامًا دمويًّا ولا يعرف الإعدامات ولا السجون المؤبدة، لكن الناس أصبحت تشتاق إلى الحرية، وبعد ثورات الربيع العربي والشعب الأردني تواق لربيع عربي كغيرها من الدول العربية، لكن بطريقة مختلفة تتناسب مع وضع الأردن؛ لذالك نرفع شعار "نريد إصلاح النظام".

 

* وماذا تعنون بإصلاح النظام؟

** نقصد تعديل كثير من المواد الدستورية لتؤدي في النهايهة إلى أن  يكون الشعب هو مصدر السلطات، وقد لخصت الحركة الإسلامية مطالبها بعد دراسة موسعة في سبعة أمور أساسية: " تعديلات دستورية، نظام انتخابي عادل  ونزيه، هيئة انتخابات مستقلة تعد للانتخابات وتشرف على إدارة الانتخابات ونزاهتها، عمل محكمة دستورية يرجع إليها كل مظلوم، حكومة برلمانية؛ بمعنى الكتلة الأكبر في مجلس النواب  تشكل الحكومة، وتعين رئيس الوزراء، وأن تعود الجهات الأمنية، وهنا نقصد المخابرات إلى عملها وتترك العمل السياسي، وترفع يدها عن التعيينات الوظيفية، وأخيرًا الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية"، وهذه مطالب نرى أنها  حق من حقوق كل أردني، ونضغط على النظام لينفذها، وخلاصة الأمر أننا نريد تقليص صلاحيات الملك وإعطاء صلاحيات أكثر للشعب.

 

 

  د. عبد الحميد القضاة

* النظام أجرى بعض التعديلات الدستورية وأنشأ محكمة دستورية؛ فهل ترونها كافية؟

** صحيح أجريت بعض التعديلات، ورغم كثرتها فإنها شكلية وديكورية، ولم تصل إلى الجوهر، والمطلوب تحقيقه وإصلاحه "فلا مجلس النواب يستطيع أن يعين حكومة، ولا يأتي برئيس وزراء، والتعديلات لا تمنع الملك من أن يحل البرلمان لمجرد عدم رضاه عنه، ولا تؤسس لعمل مؤسسي، وما زال الملك يعين كل أعضاء مجلس الأعيان "، وقد اقترحنا عليه أن يأتي بالانتخاب أو يقل عدده إلى النصف وتمثل فيه الأحزاب حسب كتلتها داخل مجلس النواب.

 

* ولماذا قاطعتم الانتخابات هذة المرة رغم مشاركتكم فيها من قبل؟

** نعم شاركنا من قبل في الانتخابات البلدية، وأعلنا مقاطعتنا لها في يوم الانتخابات نفسه، بعد ما رأينا التزوير بأم أعيننا، وكانت بعده بشهرين أو ثلاثة، وقررنا عدم المشاركة، لكن الملك وعد القوى السياسيه بأنه سيضمن عدم تزويرها وكذلك رئيس الوزراء، لكنها زورت جهارًا ونهارًا، واعترف الملك بذلك؛ لأنه غضب على مدير مخابراته بعد ذلك، واتهمه بأنه هو من زورها، فلا يوجد ثقة في التصريحات والضمانات التي تعطى من النظام والحكومة، حتى الهيئة المستقلة التي طالبنا بها لضمان نزاهة الانتخابات كلها من أبناء النظام والحكومة.

 

* وما هو اعتراضكم على قانون الانتخابات؟

** نعم القانون سيئ الذكر قانون "الصوت المجزأ" هذا القانون صنع خصيصًا لأهل الأردن، صنعته خصوم الحركة الإسلامية وخصوم مصلحة الوطن عمومًا، والسفير الأمريكي وعملاء السفارة الأمريكية لهم يد طولى في ذلك القانون، فالأردن تقسم إلى دوائر انتخابية، دوائر تتمثل بمقعد واحد فيى مجلس النواب، ودوائر يمثلها أكثر من واحد، الدائرة التي يمثلها نائب واحد يصوت لواحد فقط من المرشحين فيمارس حقه كاملاً، أما الدائرة التي يمثلها سبعة نواب مثلاً فلا يحق له أن يصوت إلا لواحد فقط، فيكون الناخب أعطى "سُبع بضم السين" صوته، وهو صنع لتحجيم الحركة الإسلامية.

 

* لكن المتحدث الرسمي للجنة الانتخابات أعلن أن هناك مشاركة واسعة من المواطنين في التسجيل للانتخابات وصلت إلى "2 مليون و300 ألف، من أصل 3 ملايين و700 ألف؟!

** الحكومة تستخدم كل الوسائل الترغيبية والترهيبية مع المواطنين؛ ليذهبوا ويسجلوا في كشوف الانتخابات، وتأتي تعليمات للموظفين للذهاب ولا يملك الموظف غير أنه يستجيب، وإذا افترضنا أنهم أتوا بأنفسهم فمليون و400 ألف لم يشاركوا وهي نسبة ليست بسيطة، وأنا على يقين أنها أكثر من ذلك بكثير، وعند الانتخابات سنرى المشاركة الحقيقية فيها، وإذا ذهب للتصويت نسبة 20%  فستعلن الحكومة أن الذين شاركوا فىي الانتخابات أضعاف النسبة الحقيقية، ولو أعلنوا رقمًا صحيحًا فإنه لم يعد هناك ثقة، والمطلوب هو بناء الثقة ببناء تعديلات حقيقية سليمة وصحيحة ليثقوا في المسؤلين؛ لأن الشعب أصبح يعرف أن الوزير الفلاني قد أفسد وزور ولم يكن يمتلك أشياء وأصبح له في البنوك كذا وكذا.

 

* وماذا عن علاقتكم بالقوى السياسية الأخرى ومدىي تفاعلها معكم؟

** نحن كحركة إسلامية قد أصدرنا برنامجنا الإصلاحي منذ 2005 طبعناه ووزعناه على الناس ويشمل جميع نواحي الحياة ونظرتنا لها وماذا سنعمل لها ورفعنا صوتنا وطالبنا بالإصلاح بطريقة منظمة ومؤسسية، وكان الناس لا يتجاوبون معنا؛ لأنهم مخوفون ومرعوبون من تأثير الجهات الأمنية، والحرمان من الوظيفة، فكانوا يسكتون على مضض وكانت النخب هي التي تستجيب، ودفعنا ضريبة لحملنا برنامجًا إصلاحيًّا بإقصائنا إقصاءً كاملاً، ووضعنا فى القائمه السوداء عند النظام.

 

لكن بعد الربيع العربي وبعد أن هبت رياح التحرير والحرية واستنشاق هذه النسمات الطيبة عرف الشعب الأردني والشباب أنه لا بد من تغيير حقيقي، وانضم إلى مطالبنا اناس كثر، وكان عملنا في السابق نخبويًّا لا يفهم عملنا إلا النخبة، واجتهدنا أن نعمل لجان تنسيق مع الجهات والأحزاب الأخرى، وعملنا جبهة مشتركة، وتكاتفنا مع حوالي 16 حزبًا من أصل 30  وكان أساس الاتفاق أننا  نكره الكيان الصهيوني وكلنا نريد الإصلاح، وكان كل فترة يرأس الجبهة أحد أفراد حزب من الاأحزاب المشاركة.

 

لكن النظام بدأ يتدخل لشق وفسخ هذه الأحزاب عن بعضها، وكانوا يقولون للأحزاب الأخرى إن الحركة الأسلامية تريد أن تخدعكم  وتمرر من على أكتافكم أمورًا معينة فاتركوها، ويقولون لنا أنتم حركة كبيرة لماذا تنسقون مع الأحزاب الصغيرة، بعض الأحزاب استجابت إلا أن المعظم فهم اللعبة.

 

بعدها أتت الأزمة السورية وانقسام المعارضة لمؤيد للنظام السوري وآخر مؤيد للثورة، فأدى إلى انقسام آخر، لكن ما زال هناك اتحاد مع حوالي 8 أحزاب، كما أن هناك حركات شبابية وكذلك خرج من العشائر والتي كانت موالية للنظام خرجت منها مجموعات شبابية تعارض، وهذا غير معهود في الأردن.

 

 

 د. القضاة يعرض مشروع وقاية الشباب

** وكيف ستحل هذه الأزمة؟

** يمكن حل هذة الأزمة قبل إجراء الانتخابات بطريقتين؛ إما أن يتجاوب الملك لمطالب المعارضة ويعدل الدستور، وهو يدعي أنه لا يستطيع لأنه لا يوجد برلمان، ويقول للمعارضة: تعالوا شاركوا في الانتخابات حتى تشاركوا في البرلمان لكي تعدلوا ما تريدون، لكنه في الحقيقة هو يريد أن يخرجنا من الشارع ونؤثر في غيرنا حتى يجلسوا في بيوتهم بعده يصنعون ما يريدون.

 

وفي الحقيقة هو يستطيع أن يفرض أحكام الطوارئ ويستطيع إيجاد قوانين مؤقتة لحل مشاكل البلاد، ويستطيع عدم إجراء الانتخابات في وقتها الحالي بأن يؤخرها 4 أشهر، وبذلك يعود المجلس القديم حسب القانون، فالأمر بيد الملك ويستطيع أن ينهي الأزمة إذا أراد.

 

الأمر الثاني: أن تعود الحركة الإسلامية مع الحركات الأخرى وتثق في تصريحات الملك، لكن الكل أصبح لا يثق في النظام، والغالبية العظمى لا تريد أن تراجع الموقف؛ لأنه لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين، وكلها وعود لفظية، ولا ضامن لتطبيقها؛ فالكل مصمم على عدم المشاركة.

 

* ألا ترون أن المقاطعة شيء سلبي وستتركون الساحة فارغة للنظام يصنع بها ما يشاء؟

** نعم.. المقاطعة شيء سلبي، ولأنها سلبية فقد تجاوزنا وشاركنا قبل ذلك حسب الوعود التي قدمت للشعب، لكنها نكصت ولم تطبق، فكيف نشارك مرة أخرى، ونحن مضطرون من أجل مصلحة الأردن، وما الذى يدفعك للسيئ إلا الأسوأ.

 

* وما الآليات التي ستتبعها الحركة الإسلامية بعد المقاطعة؟

** نحن نعتمد على الله أولاً؛ لأننا لا نطالب بمطالب تخصنا وحدنا، ولكنها تخص القيم والمبادئ التي انتهكت من ناحية الظلم والفساد واللصوصية، ونريد أن نرفع ذلك عن العباد، ونطبق مبدأنا بطريقة سلمية لا نرفع سكينًا، ولن نرفع يدًا على أحد، ولا نكسر خشبة بل سنكسر اليد التي تكسر خشبة في الأردن، وسنطالب بسلمية متناهية حتى آخر لحظة، وواثقون بأن الله سينصر من وقف على الحق.

 

والحاكم عندما يجد حراكًا شعبيًّا قويًّا، ويرى جموع الجماهير تزداد يومًا بعد يوم، فسيكون مضطرًا للاستجابة للمطالب، وأن يقف في صف شعبه لا في صف المعسكر الأمريكي.

 

* ننتقل إلى اتفاقية "وادي عربة" والدعوات التي تنادي بالخروج لإسقاطها في ذكراها "الثامنة عشرة"؟

** من أول يوم ونحن ضد هذه التفاقية، وقد ثبت ما قلناه في السابق وحذرنا منه، وحاول النظام إقناع الناس بأن حياة الأردنيين ستصبح سمنًا وعسلاً، وسنرى الخيرات تتناثر علينا من كل مكان ببركة اليهود والاتفاق معهم، وكنا نقول إن هذا خطأ، ولن يحدث، اليهود لا يؤتون الناس نقيرًا ولا يرون إلا أنفسهم ولا يعرفون غير الأنانية.

 

* هل الاعتراض على الاتفاقية لأنها مع الكيان الصهيوني أم ماذا؟!

** نعترض لأنها اتفاقية مع عدو، ولا نعترف به أصلاً، والبنود الموجودة بها كلها على حساب الأردن وعلى مياه الأردن، وأصبح الأردن يعاني من شح للمياه، وكان نهر الأردن يمثل رافدًا كبيرًا للبحر الميت وللمزروعات ولمياه الشرب فسرق الكيان الصهيوني معظم الماء، ويعوض المياه التي يسرقها بمياه الصرف الصحي من عنده.

 

كما إن رئيس الوزراء الدكتور عبد السلام المجالي الذي وُقِّعت الاتفاقية في عهده؛ هو نفسه الذي قال إن السمن والعسل الذي سيفيض على الأردن الآن يلعن وادي عربة ويرفضها.

 

واليهود يأتون إلى الأردن بأفواج سياحية، ويأتون بالمياه والطعام، ويستعملون الأردن فقط لرمي النفايات، ويأتون ويسكنون الفنادق ويسرقون حتى المناشف "المشاكير" وأصحاب الفنادق يشتكون من ذلك، وتكلمت عن الماء؛ لأننا نعاني من شح في المياه، والكيان يحفر آبار غرب النهر، والأردنيون محرومون من حفر آبار، وهذه أرضنا وهم محتلون لأرضنا.

 

وكانوا يقولون إن هذه الاتفاقية على أنها ستثبت حدود الأردن، والآن يقولون بالوطن البديل للفلسطينيين، ويريدون أن ينقلوهم إلى الأردن، فكيف ثبتت الحدود ولا يدافع عن الاتفاقية إلا المنتفعون فقط، وعامة الشعب الأردني ضد اليهود والاتفاقية.

 

* وماذا عن اللاجئين السوريين في الأردن؟

** أولاً غضب الله على بشار الذي أجبرهم على الرحيل، فالجرائم التي ارتكبها مع شعبه ليست بسيطة، ويجب الإسراع لوقف شلال الدم هناك.. الأردن تستقبل سيولاً من اللاجئين السوريين  لا تنقطع؛ فاللاجئون يأتون مشيًا على الاقدام، وتستقبلهم القوات الأردنية، وبعد أن زاد الحد ووصل إلى 200 ألف وهو كثير على الأردن لأنه يعاني من شح المياه وبعض الموارد؛ كان لا بد من عمل مخيمات، لكن المناطق الفارغة عند الحدود بين الأردن وسوريا هي في طبيعتها صحراوية ومن ثم تؤذي السوريين وأهل المنطقة.

 

صحيح أن الأوضاع ليست سليمة، يكفي أنه ترك وطنه وأنه مشرد، كما أننا قادمون على شتاء وقسوة المطر، لكن الحكومة الأردنية من باب الأمانة ممثلة في "الهيئة الخيرية الهاشمية" تقدم المساعدات وتقدم لهم العون، ولها مكاتب خيرية في مخيمات اللاجئين وتنظم تقديم المساعدات القادمة من الجهات الخيرية.

 

* وماذا عن دور الحركة الإسلامية مع اللاجئين؟

** الحركة الإسلامية هي أول من استقبلت اللاجئين عندما دخلوا، كما أنهم دخلوا عن طريق ذراعها الخيري "جمعية المركز الإسلامي الخيري"، وتقوم بجمع المساعدات والطعام والأموال وتقدمها لهم، كما أن الإخوة في الجمعية أصروا على إلحاق الطلاب اللاجئين عندما قال وزير التربيه والتعليم: إن الوزارة لا تستطيع أن تستوعبهم، ويتعلمون بالمجان أو شبه مجان، ويجمعون لهم المال والطعام والفراش، وكذلك جمعية التكافل الخيرية للإخوة السلفيين ولهم باع طويل.