هذه صورة طبق الأصل لما حدث في بعض بلادنا العربية قبل ثورات الربيع العربي، ولما يحدث في البعض الآخر مما لم يصلها ذلك الربيع بعد.. صورة تجسد تدابير الدولة المستبدة والحاكم الفرد للتمكين لبقاء دولة الطغيان، ومنحها المزيد من القوة لإزاحة منافسيها السياسيين خاصة الإسلاميين أصحاب القبول الشعبي الجارف والمرشحين في معظم الانتخابات الحرة لحكم البلاد.

 

الصورة من بعيد.. من طاجيكستان؛ حيث آسيا الوسطى، والتي أقام نظام حكمها علاقات وثيقة جدًا في المجال الأمني فقط مع نظام "مبارك"؛ حيث تم نقل تجربة نظام "مبارك" بكاملها- إن لم يكن بحذافيرها- للقضاء أو شل حزب النهضة الإسلامي ذي الشعبية الجارفة هناك.

 

في الفترة الأخيرة التقيت بلفيف من السياسيين الطاجيك، وبعدد غير قليل من المراقبين للأوضاع هناك، فكانت تلك الصورة التي أتقدم بملخصها الموجز للقارئ ليقف على مدى إبداع حكامنا في قهر الشعوب، والذي تخطى الحدود إلى آفاق العالم البعيد.

 

فمنذ انتخابات 2011م البرلمانية التي حصل فيها الإسلاميون "حزب النهضة" على 60% من الأصوات؛ لكنها زورت، ولم تسمح لحزب النهضة سوى بمقعدين فقط "البرلمان 62 مقعدًا"، وقالت الحكومة يومها للحزب: إن المقعدين هدية لكم.

 

وبعد تلك الانتخابات بدأ مسلسل الضغوط يتزايد على الإسلاميين، فقد تم حرق أحد المساجد التابعة للحزب والمخصص للنساء بـ"قفلة" كهرباء حتى تبدو المسألة أنها قضاء وقدر، وبعد إصلاحه تم إغلاقه من قبل الحكومة.. وجاء العدوان على ذلك المسجد ضمن حملة عدوانية على بيوت الله حولت سبعين مسجدًا بولاية "خطلان" بجنوب البلاد إلى أندية ومراكز ثقافية بدعوى كثرة المساجد لكن السبب الحقيقي كان وقف تزايد المترددين عليها خاصة أن 90% منهم من الشباب؛ وذلك هو الخطر في عرف حكومات الجور التي ترى في تعلق الشباب بالمساجد مستقبلاً زاهرًا للإسلام في البلاد؛ وذلك يزعجهم! ومن هنا، فإن الحملة في هذا الصدد تسير اليوم على عدة محاور لقطع الطريق على تعلق الناس بالإسلام وتجفيف منابع الاتجاه إليه مثل:

 

- مراقبة المساجد القائمة بالفعل بالكاميرات المثبتة، ومنع الصلاة أثناء العمل "منذ عامين"، وحظر الصلاة فيها على من هو دون الثامنة عشرة.

 

- منع التعليم الديني في المدارس، وهناك فقط مدرسة إسلامية واحدة تابعة للجامعة الإسلامية "حكومية"، وحظر تعليم الأطفال أيًا من سور القرآن الكريم، وإذا اكتشف طفل يحفظ شيئًا من القرآن يتم تغريم والده بغرامة مالية.

 

- منع إطلاق اللحية ومنع الحجاب في المدارس والأسواق ومن صور جواز السفر.

 

لكن تلك الإجراءات لم تفلح في وقف إقبال الناس على الانضمام للحزب، فاتجه النظام لعمليات اغتيال غير مباشرة عبر حوادث سيارات، مثلما حدث مع السيد "شريبوف سابزاليه" أحد مرشحي البرلمان الذي حصد 90% من أصوات دائرته، ورغم ذلك أسقطوه، ثم حاولوا اغتياله بحادث سيارة قيد ضد مجهول!

 

وقد كشفت وثيقة سرية "تحمل رقم 20/32" صادرة عن اجتماع عقده رئيس الجمهورية في 23 نوفمبر 2011م مع وزراء الأمن والعدل والشئون الدينية عن إصدار أوامر بـ:

 

- مراقبة القيادة العليا والوسطى لحزب النهضة، والتضييق على تلك القيادات ومحاولة شراء مواقفها بأي طريقة.

 

- فصل 50% من أعضاء حزب النهضة المعروفين في المؤسسات الحكومية، تصنيع مشكلات داخل الحزب لتفجيره سياسيًّا من الداخل.

 

وقد جاء الكشف عن تلك الوثيقة عبر روسيا، حينما شهدت علاقاتها توترًا مع حكومة طاجيكستان بهدف تفجير أزمة داخلية في البلاد، وقد أعلن الجنرال "جوباروف" نائب وزير الدفاع الروسي لشؤون المنطقة "أفغانستان- طاجيكستان- أوزبكستان" والمتخصص في حرب الإسلاميين بالمنطقة أعلن في تصريحات صحفية أن "كل ما حدث في طاجيكستان في حقبة التسعينيات أو يحدث حاليًّا، فإن لروسيا يد فيه".

 

ورغم أن حزب النهضة أعلن أنه لن يقدم مرشحًا للرئاسة في الانتخابات المزمع إجراؤها في فبراير من عام 2013م، فإن الدلائل تؤشر على اتجاه الحكومة نحو إغلاق الحزب نهائيًّا، أو الإبقاء عليه والإتيان برئيس جديد تابع لها، وتنحو الحكومة هذا الاتجاه لإخراج الحزب من الساحة السياسية نهائيًّا أو إضعاف دوره قطعًا للطريق على أن يكون له وجود فعال في الانتخابات الرئاسية القادمة، التي يؤكد المراقبون أن تزويرها لصالح الرئيس الحالي- وهذا ما يبيت له- ربما تفجر ثورة، خاصة أن تقارير صادرة عن عدد من مراكز الدراسات الأمريكية، وتقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة يؤكد أن طاجيكستان في مقدمة عشر دول مرشحة لتفجير "ربيع عربي"، وهو الأمر ذاته الذي تؤكده الصحافة الروسية.

 

ورغم تلك الحرب الشعواء فإن تعداد المقبلين على الحزب يتزايد، فقد انضم إليه في الفترة الوجيزة الأخيرة أكثر من ألفي شخص!

 

إنها الحرب على الإسلام في كل مكان مع اختلاف الأدوات وتباين المسميات!

 

(*) كاتب مصري- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية

 [email protected] -