لا عليك سيادة الرئيس بما يحاك لك من خلفك من المعطلين والمرجفين والفلول ولن أعدد ما حدث لمصر ولشخصك منهم من مكر وكيد ومحاولة إفشال مشروعك "نهضة مصر" منذ أن وليت وأصبحت رئيسًا لمصر فلا عليك، وضع نصب عينيك مصر المحروسة المسكينة والمساكين فيها وأنت منهم مسكين أنت!! وأنت تحمل هذا العبء والإرث الثقيل ولكنا سنحمله معك إن شاء الله والله معك ولن يتِرَك عمَلُك فاطمأن سيدي فالله خيرٌ حافظًا وهو أرحم الراحمين، فهل لي أن أسريَّ عنك لتصبر كما صبروا؛ حيث أرى فيك قربًا من نهج العمرين "عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز" وربما  دون قصد أُزيد همك همين وهي أن تحاول أن تخطو وتسير على خطى العمرين، فإليك سيدي وإلى من يقرأ ويعي الدرس.

 

عمر بن الخطاب "الفاروق"

كان سيدنا عمر إذا سنَّ قانونًا أو حظر أمرًا جمع أهله أولاً وقال لهم: "إني قد نهيت الناس عن كذا، وكذا وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتي برجل منكم وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العذاب لمكانه مني، فمن شاء منكم فليتقدم ومن شاء فليتأخر" هكذا كان عمر يحبب الناس بالإسلام عن طريق تطبيقه على نفسه أولاً وعلى من يلوذ به ثانيًّا، وكان رضي الله عنه يقول: "كيف يعنيني شأن الناس إذا لم يصبني ما يصيبهم" وفي عام الرفادة، أمر عمر بنحر جزور، وتوزيع لحمه، وقام المختصون بإنجاز المهمة، بيد أنهم استبقوا لأمير المؤمنين أطيب أجزاء الذبيحة، وعند الغداء وجد عمر أمامه على المائدة سنام جزور، وكبده وهما أطيب ما فيه، فقال: من أين هذا؟ قيل: من الجزور الذي ذُبح اليوم، فقال: وهو يزيح المائدة بيده الأمينة: "بخٍ  بخٍ  بئس الوالي أنا إن طعمت طيبها، وتركت للناس كراديسها، يعني عظامها، ثم قال: ارفعوا هذه الحفنة، وائتوني بخبز وزيت"، وحين زار الشام جيء له بطعام طيب مختلفٍ ألوانه، وبدلاً من أن يقبلُ عليه، وينعم بمذاقه، بكى وقال: "كلُّ هذا لنا، وقد مات إخواننا فقراء لا يشبعون من خبز الشعير" وها هو رضي الله عنه يمر بباب قوم وعليه سائل يسأل، لذلك لا نعجب من قول عليّ لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: "يا أمير المؤمنين عفَفْتَ فعفّتْ رعيتك ولو رتعتَ لرتعوا" ولا نعجب من قول المرزبان "رسول كسرى" لما قدم المدينة يريد مقابلة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فأخذ يبحث عن قصر الخلافة وهو في شوق إلى رؤية ذلك الرجل الذي اهتزت خوفًا منه عروش كسرى وقيصر ولكنه لم يجد في المدينة قصرًا ولا حراسًا فسأل الناس أين أمير المؤمنين عمر؟ فقالوا لا ندري ولكن لعله ذاك النائم تحت الشجرة فلم يصدق الرجل ما سمع فذهب إليه فإذا به عمر رضي الله عنه قد افترش الأرض والتحف السماء وعليه بردته القديمة فوقف المرزبان مندهشًاً مستغربًا وقال قولته المشهورة: "حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر".

 

وها هو رضي الله عنه يمر بباب قوم وعليه سائل يسأل وكان شيخًا ضرير البصر، فضرب عمر عضده، وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال يهودي، فأخذ عمر بيده وذهب إلى منزله وأعطاه مما وجده، ثم أرسل به إلى خازن بيت المال وقال له: انظر هذا و ضرباءه، فوالله ما أنصفناه إذ أخذنا منه الجزية وهو شاب وتركناه يتسول وهو شيخ، إنما الصدقات للفقراء والمساكين، وهذا من المساكين من أهل الكتاب وأجرى له رزقًا دائمًا من بيت المال، فهل يقرأ ويسمع إخواننا النصارى في مصرنا هذه الأمثلة ليعرفونك ويعرفوا دينك وحقيقة الإسلام والذي يلتف حوله العلمانيون ليقصوه ويقصوك سيدي.

 

عمر بن عبد العزيز "مجدد القرن الثاني"

لما تلقى الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز خبر توليته، انصدع قلبه من البكاء، وهو في الصف الأول يصلي، فأقامه العلماء على المنبر وهو يرتجف، ويرتعد، وأوقفوه أمام الناس، فأتى ليتحدث فما استطاع أن يتكلم من البكاء، قال لهم: بيعتكم بأعناقكم، لا أريد خلافتكم، فبكى الناس وقالوا: لا نريد إلا أنت، فاندفع يتحدث، فذكر الموت، وذكر لقاء الله، وذكر مصارع الغابرين، حتى أبكى من بالمسجد، ثم نزل، فقربوا له المَراكب والموكب كما كان يُفعل بسلفه، قال: لا، إنما أنا رجل من المسلمين، غير أني أكثر المسلمين حِملاً وعبئًا ومسئولية أمام الله، قربوا لي بغلتي فركبها وانطلق إلى البيت، فنزل من قصره، وتصدق بأثاثه ومتاعه على فقراء المسلمين،  وترك القصر ونزل في غرفة في دمشق أمام الناس؛ ليكون قريبًا من المساكين والفقراء والأرامل، ثم استدعى زوجته فاطمة، بنت الخلفاء! وزوجة الخليفة! فقال لها: يا فاطمة، إني قد وليت أمر أمة محمد عليه الصلاة والسلام فإن كنتِ تريدين الله والدار الآخرة، فسلّمي حُليّك وذهبك إلى بيت المال، وإن كنت تريدين الدنيا، فتعالي أمتعك متاعًا حسنًا، واذهبي إلى قصر أبيك، قالت: لا والله، الحياة حياتُك، والموت موتُك، وسلّمت متاعها وحليّها وذهبها، فرفَعَه إلى ميزانية المسلمين وكان رضي الله عنه يستشعر عظم المهمة التي حملها، ذات يوم دخلت عليه امرأته وهو في مصلاه تسيل دموعه على لحيته فقالت يا أمير المؤمنين أشيءٌ حدث؟ قال: يا فاطمة إني تقلدت من أمر هذه الأمة أسودها وأحمرها فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والعاري والمجهود والمظلوم والمقهور والغريب والأسير والشيخ الكبير وذي العيال الكثير والمال القليل وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد فعلمت أن ربي سائلني عنهم يوم القيامة فخشيت ألا تثبت لي حجة فبكيت .

 

وبينما عمر بن عبد العزيز يطوف ذات يوم في أسواق "حمص" ليتفقد الباعة ويتعرَّف على الأسعار، إذ قام إليه رجلٌ عليه بُرْدان أحمران قطريان وقال: يا أمير المؤمنين لقد سمعت أنك أمرت من كان مظلومًا أن يأتيك، فقال:  نعم فقال: وها قد أتاك رجلٌ مظلومٌ بعيدُ الدَّار فقال عمر: وأين أهلك؟ فقال الرجل: في "عدن" فقال عُمر: والله، إن مكانك من مكان عمر لبعيد ثم نزل عن دابّته، ووقف أمامه وقال: ما مظلمتُك؟ فقال: ضيعةٌ لي وثب عليها رجلٌ ممن يلوذون بك وانتزعها مني، فكتب عمر كتابًا إلى "عروة بن محمد" واليه على "عدن" يقول فيه: أمَّا بعد: فإذا جاءك كتابي هذا فاسمع بيَّنة حامله، فإن ثبت له حقٌّ، فادفع إليه حقَّهُ، ثم ختم الكتاب وناوله للرجل فلما هم الرجل بالانصراف قال له عمر: على رسلك.. إنك قد أتيتنا من بلدٍ بعيد.. ولا ريب في أنك استنفدت في رحلتك هذه زادًا كثيرًا وأخلقت ثيابًا جديدة ولعلَّه نفقت لك دابةٌ، ثم حسب ذلك كله، فبلغ أحد عشر دينارًا، فدفعها إليه وقال: أشع ذلك في الناس حتى لا يتثاقل مظلومٌ عن رفع مظلمتِهِ بعد اليوم مهما كان بعيد الدَّار.

 

وهذه قصة منقولة بتصرف من كتاب (قصص من التاريخ) للشيخ الأديب علي الطنطاوي رحمه الله، قارئها يحسبها خيالاً وهي ليست من الخيال بل حدثت في عهد الخليفة الخامس الراشد، فبعد فتح سمرقند أرسل كبير الكهنة رسالة إلى عمر بن عبد العزيز يشكو فيها من قائد الجيوش قتيبة بن مسلم بأنه دخل بجيوشه سمرقند دون إنذار أو دعوة للإسلام فأرسل الخليفة رسالة إلى القاضي (جٌميع) للحكم في هذه الشكوى وعقد القاضي جلسة محاكمة لقتيبة أمام خصمه كبير الكهنة قال القاضي: ما دعواك يا سمرقندي؟ قال: اجتاحنا قتيبة بجيشه ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا فالتفت القاضي إلى قتيبة وقال: ما تقول في هذا يا قتيبة؟ قال قتيبة: هو ما قال والحرب خدعة فكل البلدان من قبلها قاومونا ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية قال القاضي: يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟ قال قتيبة: لا إنما باغتناهم كما ذُكر لك قال القاضي يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا العدل واجتناب الغدر ثم قال: قضينا بإخراج جيش المسلمين من سمرقند من جنود ورجال وأطفال ونساء وأن تترك الدكاكين والبيوت، وأنْ لا يبقى في سمرقند أحد من المسلمين، لم تستمر المحاكمة أكثر من دقائق معدودة، ولم يشعر السمرقنديون إلا والقاضي والحاجب وقتيبة ينصرفون أمامهم، وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بأصوات تعلو وغبار يعم الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار، فسألوا فقيل لهم إنَّ الحكم قد نُفِذَ بأنَّ ينسحب الجيش وها هو ينسحب، وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية، وإذا بصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ لخروج المسلمين من بلادهم، ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر، حتى خرجوا أفواجًا وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويطلبون عودتهم.

 

فما أنصعها من صفحة من صفحات تاريخنا المشرق، أريتم جيشًا يفتح مدينة ثم يشتكي أهل المدينة للدولة المنتصرة، فيحكم قضاؤها على الجيش الظافر بالخروج؟ والله لا نعلم شبهًا لهذا المواقف لأمة من الأمم المتحضرة في عصرنا؛ حيث يقتل فيه القوي الضعيف ويأكل فيه الغني حق الفقير ويظلم فيها الراعي الرعية ولنا المثل فيما يحدث في فلسطين وسوريا والعراق والصومال وأفغانستان وبورما.... إلخ ونرى الغرب يتفرج ويضحك علينا وينعم بثرواتنا، وما حدث في مصر من ظلم وظلام وخراب وتخريب وفساد وإفساد وغياب وتغيب في الحقب البائدة وخاصة حقبة اللامبارك المظلمة، فشاءت إرادة الله وعلى غفلة ودون حساب وترتيب لا من القوي والغني والراعي ولا من المظلوم والفقير والرعية جاءت لحظة القصاص وجاء ربيع العرب ليميز الله الخبيث من الطيب ويحق الحق ويبطل الباطل ولو كرة المجرمون والله بالغ أمرة ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

فامض لما أردت فلن يخزيك الله:

هكذا كان العُمران سيدي الرئيس وهكذا كان حكمهما وكانت هذه أخلاقهما فأقاما العدل ولو على أنفسهما، وهكذا سيدي الرئيس فلم يُزِيل عدل العمرين رضي الله عنهم هذا الحقد الدفين من نفوس الذين أضمروا له الشر؟ لا بل قتلوا الفاروق وسموا مجدد القرن الثاني يلعنهم الله.

 

ولذلك سيدي الرئيس ما يحدث لك من الفلول والمعطلين الجاحدين ليس بجديد، فلك في العمرين سيدي الرئيس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة، وكأني أرى هذا النموذج يعود من جديد؛ حيث نرى فيك من عدل ولي الأمر ولن أعدد مناقبك وما حدث من تغير في مصرنا على الصعيد الداخلي والخارجي وفي فترة وجيزة وما نراه منك من بذل وجهد حميد ومن نجاحات برغم ما يفعله اللصوص وقطاع الطرق من المرجفين في مصرنا والذين لا يخلوا منهم زمان ولا مكان.

 

فلا تهاون مع هؤلاء فهو الذي جرأهم وهذا الكرم الزائد منك سيدي الرئيس مع هؤلاء المتطاولين لا ينفع معهم، والأخذ بالحق معهم من الإسلام لأن الرئيس لابد أن يظهر بمظهر القوي والأمين أمام شعبه، وإلا فقد شرعيته فلو ظهر بمظهر الضعيف الذي يتسامح مع من تطاول عليه والتسامح لا يكون إلا مع كرام القوم أم التسامح مع هؤلاء السفهاء فربما يفهمه الآخر عجزًا، لكني متفائل بك ومن حلمك وصدقك وبقربك من شعبك وهمتك العالية في تحقيق ما يرموه منك شعبك وما أراه فيك من إخلاص وتجرد وأحسبك كذلك ولا أزكيك على الله والله حسيبك، فامض لما أردت فلن يخزيك الله طالما أردت رضاه، والخير لمصر وشعبها الطيب حفظك الله لمصر وللمصريين وحفظ الله مصر.

--------------------

* باحث وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين-

[email protected]:[email protected]