مدخل: مغرض جدًّا!

 

مغرض جدًّا مَن يزعم أن الحركة الإسلامية لم تُسهم في إمداد الساحة الأدبية والخريطة الإبداعية بأصوات مرموقة بالمقياس الفكري والجمالي.

 

ومغرض جدًا من لا يرى تراكم المنجز الإبداعي لعدد من الأصوات الأدبية المنتمية للفكرة الإسلامية بحساب الكم، ومن لا يرى تنامي هذا المنجز الإبداعي بحساب الكيف.

 

ثم هو مغرض جدًا ذلك الذي لا يرى تواصل أجيال الأدباء الإسلاميين وتعاقبهم بحيث لم يخل جيل من الأجيال المعاصرة من أصوات أدبية محترمة ومنتمية.

 

ثم هو مغرض جدًا ذلك الذي لا يقدر منزلة الشاعر وحيد الدهشان، ومكانته المعتبرة في تاريخ الشعرية المنتمية على امتداد نحو ربع قرن، وهي المكانة التي تبوأها بفعل عوامل متنوعة، يظهر منها:

 

أولاً: إخلاصه للشعر، وتطويره في بناء القصيدة المعاصرة.

 

ثانيًا: تنوع منجزه الإبداعي موضوعيًّا، وتنقله من السياسي والاجتماعي إلى الإنساني بآفاقه الرحبة.

 

ثالثا: تراكم منجزه الإبداعي، واتساع مداه الكمي والكيفي.

 

رابعًا: رعايته للمواهب الشاعرة المنتمية من أجيال الشباب الذين جاءوا بعده واكتشافه لعدد وافر من هذه الأصوات من خلال المنابر التي أشرف عليها. خامسًا: تفرغه للإبداع فترة طويلة من حياته بعد اختياره الإحالة للتقاعد من عمله المهني، وصقله لموهبته من خلال هذا التفرغ ومن خلال عدد من المؤسسات الفنية التي خدم بها.

 

إن مجموع هذه العلامات وغيرها تتبدى المكانة المرموقة للشاعر المبدع وحيد الدهشان صوتًا مصريًّا وعربيًّا ومسلمًا في الأفق المعاصر الذي انتمى للقصيدة بما هي سلاح في وجه الطغيان، ونغمة رائقة في خدمة قضايا الإنسان من دون إهمال أو تنكر لقيم الجمال.

 

ديوان جديد شاهد على القابلية للتطور!

 

وفي ديوانه الجديد: "نبض الوجدان" الذي صدر عن: "منتدى الأدب الإسلامي" المنبثق عن المركز العالمي للوسطية ووزارة الأوقاف الكويتية سنة 2010م، يدخل الشاعر مرحلة جديدة تتسع آفاقها؛ لتبرهن على قدرة الشعرية الإسلامية المنتمية وقابليتها لتطوير أدائها.

 

لقد أخلص الشاعر وحيد الدهشان زمانًا طويلاً لما يحلو لي أن أسميه منذ فترة طويلة باسم شعرية البكاء أو شعرية المواجهة، فقد كان الرجل لفترة طويلة جدًا من أظهر الأصوات الشعرية المنددة بالاستبداد والطغيان، الفاضحة لممارسات الفساد المتنوعة.

 

وكان إخلاصه هذا سبيلاً إلى التجديد في معمار القصيدة، وبنائها ومستوى التصوير فيها، وربما يقف شاهدًا على ذلك رائعته التي استلهم فيها شخصية صلاح الدين الأيوبي، فضلاً عن ابتكاره للنموذج الفني ذائع الصيت: "طوف وشوف"!

 

وبعض الذين غرقوا في نمط قصيدة المواجهة ما زالوا غارقين في خدمة هذا النمط الشعري مع تجاوز زمانه، ولكن وحيد الدهشان يثبت بديوانه الجديد قدرة نفر من شعراء الحركة الإسلامية المنتمين على توسيع آفاق الرؤية، وكسر دائرة الطوق الضيق التي كانت اختيارًا إجباريًّا في الحقبة السابقة، والخروج إلى آفاق قضايا إنسانية واسعة المدى.

 

 في هذا الديوان يفتح بابًا جديدًا للشعرية الإسلامية يمكن أن تمده بمسارات وافرة للحركة والعطاء، إنه يفتتح أجواءً جديدةً للميلاد الجديد للإنسان.

 

والمدهش أن الشاعر يستشعر بحس نقدي شفيف فارق ما بين وظيفة الشعر في زمن الرهبة، ووظيفته في زمن الرغبة!

 

يقول الشاعر في قصيدته الافتتاحية (الشعر ص10-11):

 

الشعر في زمن الضلال منارة * إشعاعها كالآي للمتوسم

الشعر في زمن التخاذل وخزة * في قلب من يهدي حياة النوم

الشعر ما شق الصدور بريقه * وأنار فيها كل درب معتم 

 الشعر ما اخترق الحواجز موغلاً * في النفس لا يكبو ودون تعلثم

الشعر ما ذابت له خلجاتنا * وانساب فينا في العروق كما الدم

الشعر آمال كبار صاغها * قلب يحلق في مدار الأنجم 

 الشعر ما اصطحب النفوس مطيعة * نحو العلا عبر الطريق الأقوم

 

 وهذه رؤية إنسانية حقيقية تقرر وظيفة الشاعر في الحياة، وهي وظيفة نابعة من روح منتمية مخلصة للإنسانية في تجليات العقل والوجدان معًا، خادمة لمطالب المتعة الجمالية، والرؤية الفكرية معًا.

 

 وهو المنحى الذي يعود إلى تقريره فنيًّا في قصيدته: (حماة الشعر ص 15) عندما يقول:

 

أحب الشعر وضاء المعاني * وأوزانا وأنغاما طروبة

أحب الشعر مصباحًا منيرًا * وغيثًا فوق أرواح خصيبة

أحب الشعر عاطفة تسامت * وفاضت بالجلال وبالعذوبة 

 

 وعلى امتداد ثمان وعشرين قصيدة يوقع الشاعر على أوتار إنسانية رحبة، تتعاطى مع الأنواع المتنوعة لما به يكون الإنسان إنسانًا؛ حيث تغطي قصائد الديوان جغرافية الوجدان، حبًا وعشقًا وصداقة وأخوة وأبوة وبنوة.

 

 وهو في كل ما يصدر عنه شعريًّا مرتبط بأصول جامعة تعين منهجه الوجداني، وهي الأصول المستمدة من عقيدة التوحيد، ومن التلقي عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ومن الارتباط بالذكر الحكيم

 

يقول في قصيدته: (في واحة العدل ص 22-26):

يا رب هيئ لنا من أمرنا رشدًا * وامنن علينا بذي فهم بمغوار

يحدو جنود الهدى طرا لغايتهم * يستنقذ الناس من ناب وأظفار

نسعى جهادًا نروي شوقنا أملاً * وكل شيء لدى المولى بمقدار

 

ثم يقول في قصيدته: (على عتبات القرآن ص28-35):

سبحان ربي أنزل القرآنا * ولأجله قد كرم الإنسانا

وهديتنا بضيائه الشمائل * كانت لنا بين الورى تيجانا

علمتنا حب الوجود بأسره * حبًا يفيض كما النسيم حنانا

علمتنا علمتنا علمتنا * أن السعادة في رضا مولانا 

 

 ثم ينتقل إلى ترنيمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصيدة: ( في كل شيء كنت أنت الأعظم ص 38-41):

خذ من كرامات الأحبة سلمًا * واصعد وجاوز ما استطعت الأنجما

واقبس من النور اللدني جذوة * ينطق فؤادك قبل أن تتكلما 

 وألهج بمدح محمد عطر الورى * فالله قد صلى عليه وسلما

يا قدوة الدنيا إذا راموا الهدى * في كل شيء كنت أنت الأعظما

 

 وهذه الأصول الثلاثة بما هي محددات لهداية الواجدان المعاصر دليل قاطع على ما يمكن أن تستلهمه الشعرية الإسلامية المعاصرة وتصوغه جماليًّا؛ لتتقدم به للإنسان المعاصر الذي يعاني معاناة قاسية وشديدة في هذا الزمان الصعب.

والمسارات المغذية للوجدان الإسلامي المعاصر كثيرة ممتدة واسعة المدى، لا يسع القارئ معها إلا أن يؤمن بأن المدى الذي تملكه التجربة الشعرية أمام شعراء الحركة الإسلامية المنتمين المعاصرين واسعة غير متناهية، صحيح أن موضوعات التجربة الشعرية في هذا الديوان متناهية معدودة، لكن إمكانات التنوع في داخلها تدعم حكمنا المتقدم.

 

 ومن هذه المسارات التي تعمر الوجدان الإنساني مسار التعاطي مع قضية الأبوة، يقول الشاعر في قصيدته: (قلب الأبوة ص 44-45):

قلب الأبوة رحمة وحنانًا * لا المقت يعرفه ولا الأضغان

ويعمه فيض المحبة في الرضا * وإذا خطبت الأحزان

قلب الأبوة خير ما يزهو به * بين الورى أن يصلح الولدان

يا أيها الأبناء رفقًا فالأسى * ممن نحب لروحنا طعان. وقضية الأبوة في تاريخ الشعرية العربية لها نماذج فريدة متنوعة يغلب عليها المعجم الوجداني، وتصدر جميعًا عن موقف فكري واحد مفرداته: الحنان والحب وإرادة الخير للأبناء جميعًا.

 

وتاريخ الشعرية المنتمية المعاصرة تعرف تقدير النعمة بمفهومها الإسلامي وتتغنى بها محددًا من محددات عمار الوجدان، يقول الشاعر في قصيدته: (محاولة للبوح ص 48-52):

 

أنا من عبادك ربنا البسطاء * وجعلتني كرما من الشعراء

حببتني في الخير منذ طفولتي * وسبت فؤادي حكمة الحكماء

أكرمتني بأب خطاه مروءة * ويشيع من عينيه فيض عطاء 

 

 والنظر إلى بنوته لهذا الأب العظيم من بوابة النعمة الربانية باب وسيع من أبواب ممتدة جدًا أمام الشعراء المنتمين المعاصرين يمكن أن يتقدموا من خلالها نحو آفاق خدمة الشعرية العربية المعاصرة أوفياء لفكرتهم، أوفياء لمطالب الجمال والمتعة!

 وينتقل من تجربتي الأبوة والبنوة بما هما محددان من محددات الوجدان الإسلامي العامر بطاقات النور الإيجابية المستمدة من الفكرة الإسلامية الإنسانية العظيمة إلى تجربة الصداقة في بناء معماري جديد لا تنقصه الطرافة يقول في قصيدته: (عسى ألقاك معتمرًا ص 56-57) التي كتبها وأهداها إلي منذ عدة سنوات:

أبا مجد أزف لك السلاما * أحمله النسائم والغماما

عرفتك في طريق الله روحًا * ترفرف في مدى أفق ترامى

عرفتك في دروب الحق غفلاً * يشع النور يكتسح الظلاما

تحبك لا لغير الله روحي * وفي قلبي جعلت لكم مقاما

وأذكركم إذا ما الشمس غابت * ومن يهدون للخير الأناما

عسى ألقاك معتمرًا ونسعى * نؤم هنالك البيت الحرام 

 

 وقراءة القصيدة تدخل بنا مباشرة إلى الآفاق الممتدة التي تحكم بسعة المسارات التي تنفتح أمام الشعرية المنتمية من دون تنكر للمطالب الجمالية.

 

ويصل الشاعر في بعض نماذج الديوان إلى واحد من الطاقات الجبارة التي يملكها شعراء الحالة الإسلامية تعيينًا، وهي التجربة الصوفية النقية الصافية بما ينبثق من عطائها وتراثها من معان وتجليات ورموز، يقول في قصيدته (من أحاديث النفس: في هدأة التجريد ص 60-62):

أنا ما أنا في هدأة التجريد * لحم دم يهفو إلى التغريد

قلب يعاني من معاناة الورى * فتشكل الأحزان وجه نشيدي

وأروح أنزف همتي مترنحًا * من عزم روحي لا دماء وريدي 

 

 ويقول مرة أخرى في استثمار لبعض المفردات الثقافية المستمدة من التجربة الصوفية في قصيدته (البوح يطفئ ثورة الكتمان ص 142-143):

ما أعجب الأوراق حين أبثها * بعض الذي يعيا به بنياني

فيصير هم كان يثقل كاهلي * شجوا شفيفًا داخل الوجدان

وكأنما جرحى تبلسم وانطوى * وتحملته صحائف الأزمان

أغدو كأني قد نسيت شكايتي * والبوح يطفئ ثورة الكتمان

وبلاغة الذكرى تهدهد مهجتي * لتنام فوق بلاغة النسيان 

 

 إن فحص ديوان وحيد الدهشان (نبض الوجدان) يعطي الدليل الحاسم على الآفاق الرحبة موضوعيًّا وجماليًّا التي يمتلكها شعراء الحركة الإسلامية المعارون شريطة أن تتسع دائرة ثقافتهم، وربما برهن المثال الأخير هنا على صدق ما نقرره في هذا الصدد.

(3) بلاغة الذكرى وملامح التجديد في تجربة وحيد الدهشان 

 لعل القارئ الكريم يتذكر ما افتتحت به مقالتي هذه عندما قلت إنه مغرض جدًا من لا يقدر وحيد الدهشان بسبب من قدرته على تطوير خطابه الشعري وفي هذا الديوان ملامح متنوعة تبرهن على قدرة الشاعر على تجاوز الأنماط التقليدية التي حبس كثير من الشعراء الإسلاميين أنفسهم في سجونها معذورين أحيانًا وغير معذورين في كثير من الأحيان.
وقد ظهر في عجالة بعض الدليل على استطاعة وحيد الدهشان في هذا السياق موضوعيًّا وفكريًّا.

 

 ومن ناحية أخرى فقد استطاع الشاعر أن يجدد فنيًّا وجماليًّا عبر مسارين أساسيين، أرجو أن أقف أمامها وقفة كاشفة عن قدراته:

 

أولا: التجديد على مستوى معمار القصيدة: 

 

 وفي هذا الإطار بدت مجموعة من العلامات الهادية الكاشفة عن وعي الشاعر بوظيفة الشعر جماليًّا من دون التفريط في مطالب الفكرة النبيلة، ولعل أول ما يظهر في هذا السياق كامن في توظيف ما يلي:

 

1- عنوان القصائد.

 

جاءت عناوين القصائد في الغالب جزءًا أصيلاً من معمار القصائد نفسها، بما يجعل من هذه العناوين مفتاحًا مهمًا جدًا لمتلقي هذا الديوان، وهو ما نراه مثلاً في عنوان قصيدته(من مقام العشق)؛ حيث بدا تعانقه مع البيت الأول من القصيدة التي يقول فيه(ص18):

من بعد عشقك ما استطعت فكاكًا * وغدوت حرًا في قيود هواكا 

 

 وكذلك في عنوان قصيدته (في واحة العدل ص22) الذي استعمله جزءًا من صدر البيت الثالث في القصيدة نفسها:

في واحة العدل راح الشعر يطلبه * حتى يزف له آيات إكبار

 

وكذلك في عنوان قصيدته (في كل شيء كنت أنت الأعظما) الذي استثمره فجعله البيت الرابع في القصيدة نفسها:

يا قدوة الدنيا إذا راموا الهدى * في كل شيء كنت أنت الأعظما 

 

 وهو الأمر الذي صنعه في قصيدة (ما زال ذكرك بين الناس أغنية)؛ حيث جاء صدرا البيت الرابع عشر ( ص77):

وما زال ذكرك بين الناس أغنية * ولم تزل لي وأنت الراحل الذخرا

 

 ومثل ذلك صنعه مع عنوان قصيدة (البوح يطفئ ثورة الكتمان)؛ حيث جعله عجز البيت قبل الأخير فيها.

 

2-إهداءات القصائد:

 

حرص الشاعر على تدوين إهداءات لعدد وافر من قصائد، وهذه الإهداءات كشافات هادية جاذبة للمتلقي إلى آفاق الإدراك لمضامين العمل الفني، وهو ما نراه في الكلمات الكشافات بين يدي القصائد التالية:

 

(قلب الأبوة ص44، وعسى ألقاك معتمرًا ص 56، ويا راعي الشعر ص64، وما زال ذكرك بين الناس أغنية ص 76، وبنت البساتين ص 90، ولك التحايا ص 94، وترنيمة حب ووفاء ص 108، وباقة حب 118، وقلبي أحبك 122، وجابر الخير126، ويمنى128، وإلى ولاء132).

 

3- الطرافة في تصميم بنية بعض القصائد: 

 

 وأقصد بذلك المعيار ما يلجأ إليه الشاعر ليتجاوز بعض الموضوعات التي تبدو تقليدية مألوفة في مثل قصيدة: عسى ألقاك معتمرًا؛ حيث صمم القصيدة في هيئة حوارية بينه وبين زوجته بشأن الدعوة التي وجهها الشاعر إلى أحد أصدقائه إلى الغداء، ثم الهدوء الذي نعم به البيت بعدما علم بسفر صديقه المدعو، وهو ما يعني هدوء الزوجة؛ لأن ما سوف تنفقه لن ينفق في هذه السبيل!

 

ثانيًا- إبداع الصورة في "نبض الوجدان":

 

 إن واحدًا من أهم علامات الشاعرية مستمد من قدرة الشاعر على إبداع الصورة، والتجديد فيها من جانبين هما:

 

جانب الابتكار والخلق الذي يشهد لشاعر على آخر بسبب من التجديد والمفاجأة التي تصيب المتلقي من جراء الدهشة من بكارة بعض الصور.

 

جانب الانسجام والتعانق بين الصور وبنية القصيدة التي وردت فيها بحيث تبدو جزءًا من لحمتها، وعضوًا أصيلاً فاعلاً في هيكلها.

 

وقد أبدعت شاعرية وحيد الدهشان في هذا الديوان عددًا كبير من الصور الجديدة بالمعيارين المذكورين.

 

 من ذلك تصويره للشعر بأنه منارة معروفة القيمة ظاهرة الخطر لمن يرتاد الرحلة في البحار، يقول الشاعر:

 

الشعر في زمن الضلالة منارة * إشعاعها كالآي للمتوسم ومن ذلك تصويره لما تعانيه روحه بسبب مما يجده من الخلق، فيقول:

 

وأروح أنزف همتي مترنحًا * من عزم روحي لا دماء وريدي 

 وتصوير الهمة بما هي حالة وجدانية وهي تنزف، ثم ما يضفيه من قيود ترشح للاستعارة وتقويتها بالحال مرة في (مترنحًا) وبشبه الجملة مرة أخرى في (من عزم روحي) بأنها شيئًا جديدًا مناسبًا لطبيعة القصيدة، يغذي مطالب الجلال المنبعثة من موضوعها وفكرتها.

 

 ويصل الأمر بالشاعر أحيانًا إلى نمط من الصور تستمد تجديدها من تداخل عناصر متعددة هي: أ- الابتكار.

 

ب- التكثيف والتراكب وتداخل صورة في أخرى، وهو الأمر الذي يظهر في مثل:

 

أغدو كأني نسيت شكايتي * والبوح يطفئ ثورة الكتمان

 

 في عجز هذا البيت نمط جديد من التصوير نابع من بكارة البوح الذي يطفئ ثورة الكتمان من جانب، ونابع من البوح المطفئ المتعانق مع ثورة الكتمان؛ حيث جعل البوح ينصب على صورة استعارية تخلقها ثورة الكتمان.

 

وهو الأمر الذي يصنعه مرة أخرى بصورته الجديدة البديعة التي يقول فيها

 

وبلاغة الذكرى تهدهد مهجتي * لتنام فوق بلاغة النسيانإن وحيد الدهشان بهذا الديوان يعطي مثالاً متجددًا على شاعريته التي تفاجئنا بين الحين والآخر على قدرات متوافرة تمكنه من أن يكون واحدًا من رواد الشعرية الإسلامية المنتمية المعاصرة.

 

----------

* كلية الآداب- جامعة المنوفية