ركب محمود القطار متجهًا إلى عمله، جلس بجوار النافذة يشاهد الدنيا ويتأمل أحوال الناس ينظر في عيونهم وكم فيها من الألم محطة وراء الأخرى حتى وقعت عيناه على مشهد مفاجئ سيدة تلبس جلبابًا أسود وحجابًا أسود، تجلس على كرسي المحطة في سكون تنظر إلى الأرض.
من هذه السيدة يا ترى؟ ولماذا تجلس هكذا؟ حتى وقعت عيناه في عينيها، فإذا به يصرخ في ذهول: أمي (لا يعقل أمه قد ماتت منذ عام مضي) ينهض واقفًا يجري نحو الباب الذي أوشك على الإقفال يجذبه بكل ما أوتي من قوة حتى يخرج من القطار يقفز في آخر لحظة يتجه مباشرة نحو أمه يركع على ركبتيه يقبل يديها وقدميها ودموعه تنهمر، لا يستطيع أن يوقفها: أماه أين كنت هذه الفترة؟ ولماذا تجلسين هكذا، أماه قالوا لي: إنك تُوفيت لكني كذبتهم جميعًا، أنا لا أصدق نفسي أحمد الله على سلامتك.
أماه لماذا لا تتكلمين؟ أماه هل أنت غاضبة مني لأني لم أذهب إليك في المستشفى في آخر يوم وأنت مريضة، أنا لم أسامح نفسي على هذا أبدًا.
لماذا تركتني أنا وإخوتي في هذا التوقيت الصعب ونحن في أشد الحاجة إلى حنانك وضمة حضنك الدافئ، إن إخوتي سيفرحون أشد الفرح عندما يعلمون بعودتك إلينا، أماه أقبل قدميك. تكلمي معي ولو كلمة واحدة تهدئ من روعي، هيا بنا إذًا إلى البيت، لا تتصوري فرحة إخوتي بعودتك.
ترد أمه بكلمة واحدة (مستحيل).
يتلاشى الصوت شيئًا فشيئًا ليستيقظ محمود ليجد وسادته قد بللتها الدموع.