ليسوا ثوارًا؛ لأن الثوار الحقيقيين يعرفون للجزيرة فضلها، ويقدرون لها جميلها، فهي التي حاربها الديكتاتور مبارك وحاول إسكات الصوت المنادي بالحرية عبر شاشتها.

 

والجزيرة هي التي فضحت جحافل البلطجية القادمين إلى التحرير يوم موقعة الجمل الشهيرة، وصورت قنابلهم الحارقة وهي تلقى على المتظاهرين العزل، فحركت مشاعر المصريين الذي هبوا لنجدة إخوانهم في الميدان، ولولا تلك الصور المباشرة لسحقت الثورة والثوار كما سحقت ثورات أخرى كثيرة لم يسمع عنها أحد إلا بعد إعدام قادتها.

 

والجزيرة صورت الثوار في الميدان وهم يصلون– مسلمين ومسيحيين- ويتبادلون الحراسة فيما بينهم، بينما رأى العالم مدعي الثورية الآن في محمد محمود يمنعون مجرد رفع الآذان.

 

وليسوا مصريين؛ لأن المصريين شعب طيب بطبعه، يكره العنف، وينفر من منظر الدماء والدمار، والمصري يسارع بكل شهامة لإطفاء الحرائق أينما كانت ولو كلفه ذلك حياته.

 

إذًا من هم الذين من قلب ميدان التحرير قاموا بضرب قناة "الجزيرة" مباشر مصر بالحجارة وأحرقوها بقنابل المولوتوف وسرقوا بعض محتويات مكتبها؟ من هم الذين اعتدوا على مدير أمن القاهرة اللواء أسامة الصغير، وعدد من القيادات المرافقة له، فور وصولهم لتفقد الحريق الذي نشب بأستوديو "الجزيرة" وضربوهم بالأيدي والأحزمة.

 

أنا على يقين أن الأيدي الآثمة التي امتدت لتحرق قناة "الجزيرة"– وإن كانت تحمل بطاقة شخصية مصرية– إلا أنها نبت خبيث باع روحه للشيطان، وانسلخ من جلده المصري، فكان من الغاوين.

 

إنها نفس الأيدي الآثمة التي لا تتوانى عن اغتيال ومحاولة إسكات حرية الرأي والرأي الآخر وحق التعبير واحترام إرادة الشعوب في اختيار نوابها وممثليها، إن أتى بمن يخالفهم أو ليس على هواهم.

 

إنها نفس الأيدي الآثمة التي تتاجر بدماء الأبرياء أيًّا كان دينهم أو جنسهم أو عرقهم أو لونهم، وتدَّعي الفضيلة في العلن، وهي تدعو إلى الرذيلة في الخفاء.

 

إنها نفس الأيدي الآثمة التي اغتالت شهداء الجزيرة طارق أيوب ورشيد والي وأطوار بهجت وهم ينقلون للعالم بشاعة ما يجري في العراق من مجازر وحشية وجرائم ضد الإنسانية.

 

إنها نفس الأيدي الآثمة التي اغتالت شهيد "الجزيرة" المصور علي حسن الجابر الذي ذهب إلى ليبيا ليجاهد الطاغية معمر القذافي بعدسات الكاميرا ويفضح جرائمه ضد الشعب الأعزل.

 

إنها نفس الأيدي الآثمة التي سجنت مصور الجزيرة سامي الحاج ست سنوات عجاف دون أن توجه إليه تهمة، وحرمته من أبسط حقوقه الإنسانية في محاكمة عادلة أمام قاضيه الطبيعي.

 

إنها نفس الأيدي الآثمة التي اعتقلت تيسير علوني بتهمة إساءة استخدام موقعه كصحفي وحكم عليه بالسجن لمدة 7 سنوات بتهمة التعاون مع خلايا إرهابية وإجراء المقابلات الصحفية.

 

لقد أصدروا قرارهم المجرم بحرق "الجزيرة مباشر" مصر؛ لأنها طالما فضحت جهلهم وتهافتهم وعمالتهم وخيانتهم واحتشادهم الممول من أعداء الإنسانية ضد استقرار مصر ونهضتها.

 

لم يشفع للجزيرة أنها استضافتهم كثيرًا وكثيرًا وأسمعت وجهة نظرهم الساذجة للجميع، لكنهم ضجوا بها؛ لأنها استضافت أيضًا الرأي الآخر الذي كان أقوى منهم حجة واختاره الشعب في أنزه انتخابات شهدتها مصر.

 

لقد أمر النائب العام المصري بالتحقيق في الواقعة ومعاينة استديو "الجزيرة" إلا أنني لا أعوِّل كثيرًا على ذلك، فأين قتلة الثوار؟ وماذا حدث لمجرمي مذبحة بورسعيد؟ بل وماذا جرى مع صاحب العبارة الهارب في لندن؟!

 

إنني أطالب الرئيس المصري محمد مرسي بأن يغضب وأن يثور لهذه الجريمة النكراء التي شوهت الصورة الناصعة لميدان التحرير في عيون العالم، ولعلمي بحجم الضغوط الهائلة عليه وعلى حكومته فسأنتظر منه أن يتخذ إجراءات رادعة بعد الانتهاء من الدستور، وأظن أنه سيكون منها استفتاء الشعب على بقاء مجلسي الشعب والشورى، وتشكيل مجلس أعلى جديد للقضاء، ومن ثم محاسبة المجرمين وردعهم بسيف العدل والقانون.

---------------------

* عضو اتحاد كتاب مصر