قبلة ثانية للحياة يمنحها الرئيس مرسي إلى مصر الثورة والدولة معًا، الأولى كانت في 12 أغسطس عندما أحال المجلس العسكري إلى التقاعد السياسي والثانية في 22 من نوفمبر بإعلانه الدستوري؛ ليستعيد زمام الأمور والصلاحيات كرئيس دولة في أجواء ثورة، القرارات جاءت في الوقت الحرج تعزيزًا للثقة وردًا للحقوق والمظالم وحماية للدولة التي باتت مهدرة ومهددة، قرارات من النوع الثوري بعضها متوقع والبعض الآخر تجاوز سقف التوقعات، بعضها ديمقراطي والبعض الآخر فيه قدر من الانفراد والتحصين بل والاستبداد، لكن الرجل قد يعذر؛ لأنه منتخب وبالتالي مسئول ومحاسب، لذا كان السؤال: لماذا هذه القرارات الثورية والتي بالطبع ستقابل بكم هائل من المعارضة والغبار الإعلامي الكثيف الذي يملأ الأفق المزدحم أصلاً وهو واقع تعودناه؟!

 

آخر العلاج "الكي"

الواقع المصري منذ الثورة يؤشر لحالة من الاحتقان والاشتباك والفوضى والانفلات، قبلناها على مضض باعتبارها مرحلة واردة واستثنائية عاشتها كل الشعوب بعد الثورات، لكننا فوجئنا بأنها حالة مستمرة ودائمة وعن عمد شاركت فيها وبفاعلية شبكات المصالح من بقايا النظام البائد التي تضخ المليارات من المال السياسي الحرام في الإعلام والشارع سواء بسواء، فضلاً عن بعض مجموعات المعارضة التي عاشت عقود في كنف أنظمة الحكم المستبد الفاسد حين دخلت برغبتها غير مرغمة بيت الطاعة الحكومي لنظام مبارك.

 

الواقع كان وما زال يؤشر لتغلغل هذا الفساد في كل مؤسسات الدولة خاصة الإعلام والقضاء حصن المصريين المنشود حين دخل متعمدًا السجال السياسي منحازًا لتيار دون آخر، لدرجة أصبح فيها بعض القضاة وأعضاء المحكمة الدستورية ضيوفًا دائمين في برامج التوك شو والندوات السياسية يتحدثون في السياسة لا القانون، حين أصبحت المحاكم وبعض الدوائر والقضاة هي الذراع السياسي لبعض القوى تصدر الأحكام لتهدر المؤسسات المنتخبة في سوابق تاريخية وسياسية لم تعهدها الدول ولا النظم السياسية، حين التف بقايا النظام الساقط وبعض المعارضة السابقة المستأنسة والهشة حول النائب العام- الركن الأساسي في نظام مبارك- ليتحول هذا الرجل إلى بطل من ورق يلتف حوله رموز من قش وحطب لإشعال نار الفتنة والفوضى.

 

الواقع كان وما زال يؤشر لأجواء الفوضى والتخريب والإضرار بالمال العام والممتلكات الخاصة في معارك وهمية يديرها المال السياسي ويقودها مئات من الأشقياء البلطجية يحرقون ويخربون وينهبون– راجع حرق المدارس والمتاجر في محيط ش. محمد محمود.

 

الواقع كان وما زال يؤشر بارتعاش وتردد القبضة الأمنية في ضبط الشارع وبسط الأمن؛ لأن منظمات الوهم وضياع حقوق الإنسان رابضة متربصة تنتظر تحت غطاء إعلامي غير وطني يقوده فلول نظام مبارك الذين عاشوا يسبحون بحمده ثم تحولوا ثوارًا مدافعين عن الثورة والثوار!.

 

الواقع كان وما زال يؤشر لزعزعة الثقة في الثورة والدولة ورئيسها المنتخب الذي وصفوه بالضعيف والفاشل والإخواني والاستبن والشيخ الدرويش حتى تجرأ عليه كرمز للدولة بعض الأفقين في قنوات المال السياسي الحرام.

 

 الواقع كان وما زال يؤشر لتراجع الثوار إلى الصفوف الخلفية وتقدم الأشقياء والبلطجية للصفوف الأمامية في جولات الاشتباك الخشن لدرجة أصبحت وزارة الداخلية هي الهدف المنشود للقصف والاقتحام لتسقط ويسقط معها ما تبقى من هيبة وأمن وندخل حمامات مقصودة من القتل والدم.

 

الواقع كان وما زال يؤشر لتراجع الحجة والكلمة والفكرة وتقدم الملوتوف المصنع محليًّا، الواقع كان وما زال يؤشر أننا لم ولن نصل لدستور وطني ولن تبنى مؤسسات الدولة وسننتقل من فراغ وانفلات أمني إلى فراغ وانفلات سياسي ودستوري، قد يقول قائل: ومن المسئول؟ أقول: نحن جميعًا دون استثناء، لذا عندما فشل العلاج كل العلاج تدخل الرئيس ليكون آخر العلاج "الكي".

 

خلاصة الطرح: الرجل بذل الجهد كل الجهد وسدت أمامه وبقصد الطرق كل الطرق، بل أرادت بعض القوى والهيئات والأشخاص أن تدير هي الرئيس حتى يمنحوه صك أنه ديمقراطي متنور وإلا فهو إخواني متحجر، الرجل صبر وطال صبره حتى وصف بالضعيف الهش، لذا فقد اتخذ هذه القرارات المهمة والمطلوبة لمثل هذه الأحوال والأجواء حماية للثورة والدولة، وبالطبع على المتضرر اللجوء إلى الإعلام!!.

 

حفظك الله يا مصر.

-----------

المستشار الإعلامي لوزير التربية والتعليم.