منذ بدأت معارضة النظام المخلوع والإخوان ينتهجون نهجًا واضحًا في المعارضة؛ ما جعلهم أكثر الفصائل المعارضة تعرضًا للمطاردة والعقاب الجماعي استنزافًا وترعيبًا من الاستمرار في هذا الطريق حتى أدرك الجميع أن المعارضة ستعارض ما يحلو لها وسيدفع الإخوان الثمن في النهاية! وضمن وجود الإخوان الواسع بين شرائح الشعب المصري شعبية لهم أثارت غيرة باقي الفصائل واستلزم ذلك من النظام أن يحيا بشكلٍ دائم في ظلِّ حماية الطوارئ والتزوير! ويبدو أن الابتزاز السياسي الذي نحياه من هذه القوى التي ما تترك قرارًا أو تصرفًا للرئيس مرسي اليوم إلا تناولته بالتجريح والاستهزاء لا بالنقد الموضوعي والاحترام الواجب.

 

وقد تعمَّد إعلام الفلول الذي يسيطر على منظومة الإعلام المصري بعد أن ضخت فيه مليارات مشبوهة قد حقق الهدف منه فانشغل الرئيس بهم في اللقاءات والقرارات، وهؤلاء لم يُرضهم ولن يرضيهم شيء سوى إفشال تجربة الإخوان المسلمين وإسقاط الرئيس، وقد تجلَّى ذلك كما ذكرتُ في النقد غير الموضوعي الذي حمَّل الرئيس كل مصائب ونكبات العهد البائد بعد 4 شهور من تولي المسئولية!! كما تجلَّى في الإصرار على حلِّ وهدم الجمعية التأسيسية لوضع الدستور بعد أن أنجزت شوطًا كبيرًا في أبواب الدستور ومواده تمَّ بالتوافق حتى الآن دون اللجوء للتصويت رغم أنه البعد الديمقراطي المبدئي عند الاختلاف!! والبعض يصرُّ على إعادة انتخاب الرئيس بعد الاستفتاء على الدستور!! وبعد أن وافقوا ووقعوا إذا باتفاق بينهم جديد يدعو للانسحاب يخالفون بذلك أنفسهم وضمائرهم لتعطيل الانتهاء من الدستور حتى صدور حكم الدستورية المتوقع صدوره بحل التأسيسية ومجلس الشورى والإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس لانتزاع اختصاصاته كي يعود الإعلان المكبل السابق عليه، والذي يمنح المحكمة الدستورية حق وضع الدستور دون معقبٍ وبشكلٍ نهائي!! مما يؤكد أن هناك مخططًا حيك بليلٍ لإدخال البلاد إلى حالة فوضى دون وجود مؤسسات منتخبة أو دستور دائم للبلاد، وهنا تلاقت المصالح وبدأت ترسانة المال الحرام والبلطجة التي برع فيها النظام البائد في أعمال شغب وبلطجة واعتداءات على الإخوان وحرق المقرات وتصدير الاتهامات لهم رغم وضوح الصور وتحديد الوقائع فهم الذين قتلوا واعتدوا وحرقوا! تدعم ذلك آلة إعلامية تلتقط الشاذ من الأخبار والأحداث فإن لم تجد أضافت من عندها في برامج الحوارات جذبًا للمشاهدين الذين رأوا بأعينهم حجم المؤامرة التي تستهدف مصر وأمنها ومستقبلها دون الخوض في حوار حقيقي بلا مؤثرات أو شروط! التقى الرئيس بكل الطيف السياسي في غيبة تفاصيل المؤامرة، ولما تأكدت المعلومات لديه أراد انقاذ المؤسسات وتحصين القرارات لحين الانتهاء من الدستور الذي سيلغي كل هذه الإعلانات الدستورية المؤقتة بكل ما فيها من استثناءات! لذا كنت أتصور أن محبي مصر من القوى السياسية والأحزاب سوف ينحازون برقابتهم الشديدة وترقبهم الحذر إلى جانب الرئيس الشرعي للحفاظ على كيان الدولة والانتهاء من المرحلة الانتقالية بأسرع وقتٍ، لكن لأن مصر منذ فترة نكبتها في نخبتها باعتراف الجميع فقد صدرت بيانات تُدين وتشجب ما صدر من إعلان لصناعة ديكتاتور وتدعو وتحرض على عصيان ينتهي بإسقاط الإعلان، ويا حبذا لو سقط الرئيس كما كان مخططًا له! ورغم أن كل التخوفات تنتهي بإقرار الدستور وقد كان الواجب عودة المنسحبين واستمرار الحوار حتى يستكمل أعظم دستور في تاريخ مصر بشهادة بعض المنسحبين، لكن ماذا نفعل لهذا العوار؟ لم نرًََ معارضةً نهائيًّا عندما أصدر المجلس العسكري المعين من الرئيس المخلوع إعلاناته الدستورية، خاصةً تلك التي تسلب الرئيس الذي سينتخب بعد ساعات كل صلاحياته!! هل هناك وحدة عضوية أم فكرية بين النخبة تلك وفصيل من الجيش؟ ثم لماذا لم يتذكر أحد ما فعله جمال عبد الناصر بعد مرور أكثر من 4 سنوات على الثورة عندما أصدر المادة التالية من دستور مصر سنة 1956 مادة 191: جميع القرارات التي صدرت من مجلس قيادة الثورة، وجميع القوانين والقرارات التي تتصل بها وصدرت مكملة أو منفذة لها، وكذلك كل ما صدر من الهيئات التي أمر المجلس المذكور بتشكيلها من قرارات أو أحكام، وجميع الإجراءات والأعمال والتصرفات التي صدرت من هذه الهيئات أو من هيئةٍ أخرى من الهيئات التي أُنشئت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم لا يجوز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأي وجهٍ من الوجوه وأمام أية هيئة كانت!!!!".

 

ماذا يفعل الرئيس عندما يجد أن جميع قضايا القصاص قد انتهت بلا إدانة، معظم قضايا الفساد والنهب العام لم يتم التحقيق فيها، جميع الخدمات في الدولة منهارة ومن سيئ إلى أسوأ دون منح الرئيس أو حكومته الفرصة لأي إصلاح! دولة بلا استقرار سياسي أي بلا فرص استثمار حقيقية؟ هذا المشهد كان يحتاج إلى موقف جديد من النخب، لكنها آثرت أن تبقى كما هي بعنادها وموقفها من الرئيس والدستور والانتخابات! نخب لا تفهم من الديمقراطية إلا وجودها وضرورة نجاحها وإلا فالأغلبية قاصرة لا تفهم مصلحتها غير ناضجة تمامًا كما يقول مبارك وزبانيته ومن هنا ففرض الوصاية على الشعب واجب ثوري يمارسه كل دعي لم نعرف له اسمًا منذ عامين فقط!!

 

الحقائق الآن على أرض الواقع أن النائب العام الجديد سيفتح ملفات كثيرة كل أصحابها متضامنون معًا لإثارة الفوضى واستثمار العنف لأقصى حدٍّ لمنع هذه المحاكمات! كذلك تحالف القوى التي تدعي مدنيتها مع فلول الحزب الوطني، وقد سُلمت لهم القيادة في مجال الإعلام وأعمال البلطجة والعنف مع مشاركةٍ من شباب الأناركيين أي "الفوضويون"، وفشلت كل محاولات الحوار والتقريب حتى الحوار الذي كنا نأمل وكل المخلصين معنا مع مؤسسة الرئاسة للوقوف على تفاصيل المؤامرة وأخذ الضمانات الكافية فشل! لأن الخطة لا بد من تنفيذها ففوجئنا ببيانٍ لجبهة إنقاذ ترفض الحوار قبل سحب الإعلان! فعلى أي شيء يتم الحوار؟ أليس ذلك دعوة للصدام التي يتم التجهيز لها الآن بمعرفةِ جبهة الأعمال القذرة التي يقودها بعض نواب الوطني المنحل وبعض رجال أعماله المشبوهين وبعض رجال أمنه هنا وهناك! مصر في خطر لأنها تواجه الآن دولة البلطجة التي تم تدشينها أيام المخلوع وتحمي كثيرًا من الأموال والمصالح ومع ضعف أو تردد الأمن في أداء واجبه بحماية شعب مصر وتخاذل بعض النيابات التي تفرج عن البلطجية في أقل من 24 ساعة هل سيكون قدر الإخوان والشرفاء في مصر أن يحموا مصر من نزوات بعض أبنائها الفاسدين كما حموا الميدان والثورة في موقعة الجمل منعًا لحرب أهلية دعا إليها مرشح رئاسي بعد الإعلان الدستوري بساعاتٍ قليلة!!

 

أقترح على الرئيس الآن أن يخرج على الشعب المصري ببيانٍ تليفزيوني يشرح فيه مبررات الإعلان وحجم المؤامرة بأدلتها ثم يطرحه للاستفتاء ليقول الشعب كلمته وتنتهي الأزمة بشكلٍ ديمقراطي!

 

أرجو أن يُدرك الرئيس أن مطالب الشعب الحقيقية تحتاج لقرارات حاسمة لترفع عن كاهله بعض الهموم لحين استقرار الأوضاع التي تشعلها النخبة! مشكلة الرئيس متشعبة بين مواجهة دولة البلطجة وتوفير حدٍّ أدنى من معيشةٍ كريمةٍ لشعبه نسأل الله أن يُوفقه ويسانده وكل الشرفاء من خلفه.

 

--------
* أستاذ جامعي ونائب برلماني