في خضمِّ الأحداث التي تمرُّ بها مصرُنا الحبيبةُ في هذه الأيام يختلط الحابلُ بالنابلِ أحيانًا، يتكلم المعلولُ، ويتصدر الرُّويبضة، ويظن بعضهم أن كرسيًّا قد يصل إليه، أو ميدانًا يعتصم به، قد يصنع منه رجلاً، وهذا أبدًا لن يكون.

 

فالحقيقة التي تغيب عن الصغار، أن الكراسي أو الميادين لا تصنع أبدًا رجالاً، إنما الرجال هم الذين يصنعون الكراسي ويصنعون الميادين.

 

في هذه الأحداث والأيام التي ما يزال كثيرٌ من جذور الدولة العميقة وأوتادها وأوغادها يتصدرون المشهد، ويمتلكون محاور التنفيذ، وما تزال مفاصل الدولة تئنُّ من جيف نتنهم، وخبث نياتهم، وسوء أعمالهم، فمنهم المضلل لشعبه، ومنهم المعطِّل لمصالح وطنه، ومنهم المريد لأن يحرق البلاد والعباد، ومنهم الثائر دومًا وعلى أيِّ شيءٍ طالما عارض مصلحته حتى ولو كان الحقَّ والعدلَ والتحريرَ، ومنهم من يروِّجُ الشائعات، ومنهم من يجتهد في خبثٍ لتدوير البلاد في حلقاتٍ مفرغةٍ، وإجهاداتٍ مخفقةٍ، وعملياتٍ مقلقةٍ.

 

في خضمِّ الأحداث يتراءى لبعض الفئات أنهم فوق القانون والدستور والرئيس والدولة، يهيئ لهم شيطانهم أنهم غير البشر، وأن أحدًا مهما كان لا يستطيع محاسبتهم أو إقصائهم عن كراسيهم التي وضعهم ديكتاتورهم عليها، توهموا أن الكراسي قد تصنع يومًا رجالاً، ونسوا أن الرجال مواقف وقيم وأخلاق، وأن الرجولة مكتسباتٌ قيميَّةٌ وتربويَّةٌ وبيئيَّةٌ تتأصَّل في الشخص منذ نعومة أظفاره.

 

الرجولة ليست رعونة أو سخونة، ولا هي تقعُّرٌ بالكلام أو وجاهةٌ وهندامٌ، ولا هي صلابةٌ في العظام ولا طولٌ في اللسان، إنما الرجولة كما تعلمناها احترامٌ للنفس بين الأنام. الرجولة ليست صلابة في الرأي ولو كان باطلاً، بل حبٌ للحق ولو كان مرًّا.

 

الرجولة ليست في الحصول على كل ما تستطيع من أفواه الخلائق، إنما الرجولة تعالٍ عن النقائص، وزهدٌ وعفةٌ وعيشٌ من حلالٍ ولو لقمة بلا أدامٍ وماءٌ رائق. الرجولة ليست فقط في القيادة والريادة، إنما الرجولة أن تكون كلُّ سكنات الفرد وحركاته عبادة.

 

الرجولة ليست أن تكون سيدًا للناس، إنما الرجولة أن تحقق في نفسك العبودية لرب الناس.

 

الرجولة ليست طلب العلا ولو كان بالسير في الأوحال، إنما الرجولة أن تعلو غاياتك وتسمو وسائلك في كل الأحوال. الرجولة لا تُستمدُّ من علوِّ المقام الذي وصل الفردُ إليه، إنما الرجولة أن يفخر المكانُ بالرجلِ الذي يجلس عليه.

 

الرجولة ليست الشجاعة والإقدام وعدم الخوف من أيِّ شيءٍ كان، إنما الرجولة أن تخاف يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار في حضرة الملك الديَّان.

 

الرجولة ليست امتلاك الدنيا وانحيازها إليك، إنما الرجولة أن تجد في الجنة موضعًا لقدميك. طلاب الدنيا لا يمكن لهم أن يتركوها ويُستَعصى أن تجد بينهم رجالاً، ولن يكونوا رجالاً إلا إذا تركوها وأصبحوا من طلاب الآخرة وتكون دنياهم وسيلة فقط لطلب الآخرة.

---------

[email protected] الربع - البرلس - كفر الشيخ