إنَّ الأمة التي يفقد شبابها هويته وطموحه أمة مستباحة الإرادة، أمة من السهل أن ُتباع وتُشترى، إنَّ شباب مصر الذي صنع المعجزات من فجر التاريخ إلى الآن يثبت على طول فترات الزمن أنه لا يستسلم، أو يخضع، ظنت الأنظمة السابقة أنها آلهته حين جاءت له بقدها وقديدها من الملهيات والشاشات، وحين نادى داعي الجهاد والثورة خرجت صفوف الشباب بكل أنواعها وألوانها، وتوالت الصفوف ليعلم العالم بأنَّ شباب مصر يشبه كنوزها المدفونة قد تغطيها الأتربة دهورًا؛ لكنها تحتفظ بقيمتها وعظمتها، وحينما تخرج؛ فإنها تأخذ مكانها في صدر المتاحف العالمية؛ وتلك حقيقة شباب مصر، إن شباب مصر قد يغفل، لكنه لا ينسى، وقد تتقاذفه البلدان؛ ويعلق بحدود الدول، ولكن مصر وحدها هي العالقة في قلبه.

 

ولأجل هذا ظُلم هذا الشباب العظيم حينما ظن به الظانون سوءًا، وراحوا يهزءون به قولاً وفعلاً، وإن كان القول لا يهم كثيرًا، فإن الفعل يهم أكثر؛ فحين أنشأت الحكومات السابقة مراكز للشباب والرياضة وأندية وساحات، كانت وأشبهت نوادي الجاهلية؛ حينما كانوا يأتون في ناديهم المنكر، إن المراكز التي بنتها الدولة وعلقوا عليها اسم الشباب ليست للشباب في شيء، ولو كانت لهم؛ لوضعت لها الحكومة خطط إصلاح وتنمية، ولكن تُرسل الأنشطة السنوية مهلهلة؛ لتوضع في الأدراج، وتأكلها الأتربة، ثم تُملأ الخانات لتُسدد الميزانية، وحينما يأتي الشباب إلى مراكزهم؛ فإنهم يستأذنون كما يستأذن الأجنبي على البيت الغريب.

 

إن المتصفح في أرقام مراكز الشباب على مستوى الجمهورية يجده يربو على (4355) مركزًا، وليس الأمر في كثرة العدد أو قلته بقدر ما نقف على ما يهمنا وهو مدى تفعيل هذا العدد أو غيره، فمن العجيب أن تعرف أن  النظام السابق ترك لنا (2772) من تلك المراكز يحتاج إلى تطوير، وأن هناك ما يقرب من (404) مراكز مشهرًا دون مقر، والأعجب  من ذلك أن تلك المقرات لها ميزانيات من خزانة الدولة، فكيف وهي غير موجودة على أرض الواقع، وهل حينما نبدأ في إنشائها على أرض الواقع تخرج لها ميزانية أخرى جديدة غير القديمة؟ إذن من المسئول عن الميزانيات القديمة؟ وأين ذهبت؟ كل ذلك وغيره في مراكز الشباب، التي باتت مراكز الهباب من أثر نيران النظام السابق، لقد خيم عنكبوت الضياع على تلك المراكز، ونسجت مغازل الفوضى خيوطها في تلك الأندية، لقد ترك لنا النظام السابقة تركة ثقيلة من الفساد والفوضى والضياع؛ ولتشرب الأمم ما عصرته الأنظمة الفاسدة. فكاد الشباب يُهلك والرياضة تُسمم.

 

أما إذا اقتربنا شيئًا فشيئًا إلى أسوار تلك المراكز؛ فإننا نشم رائحة الوخم والكسل على أسوارها، حتى إذا ما دخلناها من أبوابها المتهالكة، بعد أن نستأذن خيوط العنكوب فوقها؛ فإنك تتعثر في التخلف والفوضى المنتشرة هنا وهناك في جنبات تلك المراكز، المباني بلا موظفين، أو مرتبات بلا عمل، وملاعب تجوس فيها القطط والكلاب بعدما خلت من الشباب، لماذا؟ لأن الميزانية ليس فيها شراء "كرة" أو" مضرب للتنس، أو لأن المسئول لم يحضر اليوم كالعادة؛ إنه في عمل آخر، ومتى يأتي؟ فيقول العامل اسأل المدير؛ وأين مكتب المدير؟ أمامك مغلق، لماذا؟؟ لأنه في إجازة مرضية، وماذا حدث له؟؟ مُصاب بالربو من كثرة التدخين، هذا هو مدير مركز الشباب، وهذا مركز الشباب.

 

تلك الصورة التي أمامنا بألوانها القاتمة، تتكرر في كل مصالح الدولة، ونعاني منها جميعًا وأخص مراكز الشباب في القرى، لقد نجح النظام السابق في أن يجعل من الموظف أسير رغيف العيش، يبحث عنه ليل نهار، فترك عملاً إلى عمل، وتساهل في عمل؛ ليتواجد في عمل ثان؛ فلا أتم الأول؛ ولا أنهى الثاني، وتخلفت الأمة بين العملين.

 

إنَّ شباب مصر الواعي يعلم هذا الوخم الذي يلفه، ويبحث عن مسالك الخلاص من شرانقه؛ فأراد بثورته أن يخرج من هذا التطور إلى ما هو أفضل منه؛ فلتبدأ الحكومة في وضع يدها في يد شباب مصر لبناء الإنسان المصري الحقيقي، وعودته إلى ساحة الكون؛ فهو الذي بنا الأهرام، وفتح إفريقيا، وهزم الصليبيين، وبدد جموع التتار، وسيقطع دابر الصهاينة، ذلك هو الشباب المصري؛ فمن للأمة إذا ضاع شبابها، والله أكبر وتحيا مصر.

 

---------------------

* [email protected] - بمدارس الدعوة الإسلامية بسوهاج