جاءت ثورة يناير فكشفت عن المعدن الأصيل لشعب مصر العظيم، فكانت ثورة شهد العالم برقيها وتحضرها، كما أنها أطاحت بنظام قائم على الظلم والفساد والاستبداد والذي استمر متوحشًا ومتغولاً على شعبنا المكلوم على مدار العقود الثلاثة الماضية والذي كان استمرارًا لعقود ثلاثة أخرى من الاستبداد، واستطاع الشعب المصري العظيم في ثمانية عشر يومًا أن يطيح بهذا النظام الفاسد، ثم دخلنا في المرحلة الانتقالية وما صاحبها من تخبط من الجميع على مستوى النخب السياسية، والمحاولات المستميتِة التي تحاول إعادة إنتاج النظام البائد والتي باءت كلها بفضل الله ورحمته ثم بيقظة الشعب المصري بالفشل، وانتصرت الثورة في الجولات الأولى ثم كانت هذه المرحلة التي لم تكن بنفس الوضوح في أهدافها ووسائلها ومخاطرها؛ حيث غاب العدو الظاهر الموحِّد والمستفِز فانقسمت القوى الثورية وفترت حماسة الشعب، وضاعت أوقات ثمينة وتمّ التفريط في المصلحة الوطنية بأشكال مختلفة، وحادت الثورة عن مسارها.

 

لقد كان واضحًا منذ البداية أن الخطر الأكبر على الثورة بعد انتصارها ليس عودة النظام القديم، بل إعادة إنتاج المنظومة السياسية والاقتصادية القديمة من خلال الإعاقة والاحتواء والتمييع، ثم تجاوزنا هذا كله، وكان البديل عن النظام البائد هم الإسلاميون الذين تصدروا المشهد السياسي والذي كان هو البديل الوحيد؛ لأن النظام البائد كان عمدًا يقتل الأكفاء في هذا البلد وهذه نتيجة طبيعية لنظام الفرد الواحد وسياسة الإقصاء وعدم التداول السلمي للسلطة، فإذا تجاوزنا الأخطاء التي وقعت في هذه المرحلة من كل الأطراف والنخب السياسية المتصدرة المشهد الآن، فحتى هذه اللحظة أسفرت كل الانتخابات والاستفتاءات عن اختيار الإسلاميين متمثلاً في حزب الحرية والعدالة وحزب النور واللذان شكلاً أغلبية وهذا مؤشر على أن ثقة الشعب المصري تركزت حول الإسلاميين ومن ثم يبقى على الإسلاميين أن يكونوا أهلاً لهذه الثقة والتي خولهم إياها شعب مصر العظيم وهناك واجبات على الإسلاميين يجب أن يحافظوا عليها وليرفعوا دائمًا المبدأ الذي اتخذه الرئيس محمد مرسي وأقره على نفسه منذ توليه السلطة شعارًا لهم في هذه المرحلة (ليس لي حقوق وإنما على واجبات).

 

- تجديد لغة الخطاب السياسي: يحتاج الخطاب السياسي من الإسلاميين في هذه المرحلة إلى إعادة نظر فليس من المعقول أن نقحم كلمات مثل (تطبيق الشريعة، الإسلام) في كل حديث أو في كل مليونية، بل يجب علينا أن نفصل في خطابنا بين السياسة والدين فهناك أماكن تحتاج إلى سياسة فقط، أما الخطاب الديني ربما يكون له مكان آخر، وأضرب هنا مثالاً على ذلك (مليونية الشرعية والشريعة) نجد النخبة الميتة والإعلام الموجه غير الحيادي يترك كلمة الشرعية ثم يتكلم في الشريعة والإسلام، والدولة الدينية والدولة المدنية، كما ينبغي التنبه إلى عدم الكلام باسم مؤسسة الرئاسة ممن لا يعمل فيها ممن هو محسوب على التيار الإسلامي
- الدعوات المستمرة للحوار الوطني البناء مع العلم أن مؤسسة الرئاسة لا تكف عن دعوة كل الأطراف لحوار وطني والجلوس دائمًا على مائدة حوار للم الشمل، وكذلك حزب الحرية والعدالة، إلى أنه ينبغي الاستمرار في مثل هذه الدعوات وعدم التوقف عنها.

 

- إقرار مبدأ المشاركة لا المغالبة، ولا شك أن الإخوان كانوا يرفعون هذا الشعار دائمًا قبل الثورة وبعدها فينبغي عدم التخلي عن هذا المبدأ لا سيما بعد أزمة الإعلان الدستوري وأحداث قصر الاتحادية فربما تكون قد تركت أثرًا في نفوس الإسلاميين.

 

- عدم الانجرار إلى أمور فرعية، تلهي عن البدء في المشروع النهضوي فيجب أن نضع دائمًا الهدف الأسمى وهو النهوض بهذا البلد ونتغافل عما يدور من حوارات في الفضائيات وغيرها وهنا أتذكر حلم الرئيس مرسي في عدم الرد على الكم الهائل الذي يوجه له دائمًا من سب وقذف وغير ذلك دون الالتفات إليه، وهنا أذكر مثالاً ضربه ابن القيم يصف فيه محاولة عرقلة الإصلاح؛ حيث يقول:

 

الظبي أشد سعيًّا من الكلب، لكنه إذا التفت إليه أبطأ سعيه فأدركه الكلب فأكله"، فعلينا أن نسير في طريق النهضة دون الالتفات إلى ما يعرقل هذه المسيرة.

 

- التركيز على الجانب الاقتصادي، فحينما ذهب الناخب العادي البسيط إلى صندوق الانتخابات واختار الإسلاميين لا شك أن كل ما يشغله هو التحسن الملحوظ في لقمة العيش وتكاليف الحياة البسيطة فيجب التركيز على هذا الجانب حتى تخرص الألسنة المتربصة في الإعلام وغيره.

 

- إيجاد حل لمشكلة الانفلات الأمني، وتفعيل دور الشرطة أكثر وأكثر، وقد ظل الملف الأمني منذ قيام الثورة يحمل علامة استفهام كبيرة، لكن للأسف ليس هناك بديل عن هذه المنظومة من خارجها وقد ظل جهاز الشرطة متغولاً ومتوحشًا فكان الأداة التي يسيطر بها النظام البوليسي البائد على مقاليد الأمور في البلاد وقد يستغرق هذا الملف وإعادة هيكلته بعض الوقت.

 

- الإعلام البديل والذي يعبر عن الأوضاع بحيادية مطلقة وعن ما يدور من أحداث، يقول الأستاذ فهمي هويدي في مقال نشر على موقع "الجزيرة نت": "إن أهم حزب معارض للرئيس مرسي هو التلفزيون، صحيح أن الصحف الخاصة تقف بدورها في صف المعارضة، إلا أن تأثيرها يظل هامشيًّا إذا ما قورن به، وقد علمت أن ثمة دراسة في رئاسة الجمهورية المصرية أعدها أحد الخبراء حول تحليل مضمون الخطاب لخمس عشرة قناة تلفزيونية خاصة بينت أنه من بين مائة ساعة حوارية تجرى يوميًّا فإن ما بين 6 و 8% منها فقط يؤيد موقف الرئيس مرسي في حين أن الحوارات الأخرى كلها تنحاز ضده.

 

وأثار الانتباه في تلك الدراسة التي أعدت في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن نسبة التأييد للرئيس في قنوات التلفزيون الحكومي تتراوح ما بين 22 و32% فقط، الأمر الذي يعني أن نحو 70% من خطاب التلفزيون الرسمي تنتقده وتعارضه، "ربما يكون الإسلاميون من أفضل النخب حرصًا على هذا الوطن لكنهم لا يحسنون عرض ما عندهم؛ وذلك لأنهم لا يمتلكون منابر إعلامية ذات حرفية عالية.

 

- رسائل الطمأنة المستمرة لشركاء الوطن إخواننا المسيحيين وتبديد المخاوف التي ربما زرعها فيهم النظام البائد والإعلام الموجه وأعداء الوطن المتربصين به من الخارج، ويجب التركيز في هذه المرحلة على (قيم المواطنة، والحرية وغيرها... ) كما أتمنى من إعادة النظر في بعض الفرعيات ولا سيما الأمور التي تتعلق بحسن العلاقة والجوار وغيرها مثل التهنئة في الأعياد وغيرها ومدى موافقتها أو مخالفتها للشرع والتي قد يجد بعض أبناء التيار السلفي غضاضة في إقرارها.

--------------------------

[email protected]- القاهرة